الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الجمعة 16 يونيو 2006 - 20 جمادى الأولى 1427هـ

العلمانية والعناد

العلمانية والعناد

مقال: "الأصوليون والاستبداد"

كتبه/ عبد المنعم الشحات

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد نشرت صحيفة "أخبار اليوم" في عددها الصادر في 1 جمادى الأول 1426 هجريًّا، 18 يونيو 2005 ميلاديًّا، في باب وجهة نظر مقالا بعنوان: "الأصوليون والاستبداد".

تدور فكرته الرئيسية حول التعارض التام بين الإسلام والديمقراطية، لا فرق في ذلك عنده بين إسلام الإخوان وإسلام السلفيين وإسلام الوسطيين، فهو يرى أن الإسلام والديمقراطية لا يمكن أن يلتقيا -أبدًا-، وقد اختار هو أن ينحاز للعلمانية، والديمقراطية ضد الإسلام الذي من المفترض أنه ينتمي إليه، ونعى على الديمقراطيين اللذين يحاولون الالتقاء مع الإسلاميين أو بمعنى أدق مع الإسلام في منتصف الطريق مسلكهم هذا، واتهمهم بخيانة قضية العلمانية والديمقراطية.

ولما كانت الصحوة الإسلامية تعاني انقسامًا داخليًّا حول قضية المواءمة بين والديمقراطية والإسلام، وكنا نحن من الفريق الذي يرى استحالة الجمع بين هذا الدين الجديد -الديمقراطية- وبين الإسلام، وكل يوم تزداد قناعتنا بهذا الرأي رسوخًا لاسيما ونحن نرى مصير كل من حاول من الإسلاميين الجمع بين الديمقراطية والإسلام، وكيف آل الحال بمعظمهم إلى أن قبلوا بالمناهج الغربية في الحياة بعد إعادة تغليفها بغلاف إسلامي، ومع ذلك فالعلمانيون يأبون إلا أن ينزع الإسلاميون هذا الغلاف الإسلامي.

وهذا الكاتب من هؤلاء الذين يرون التعارض الكامل بين الإسلام والديمقراطية، ويحذر الإسلاميين أنهم حتى وإن خلعوا هذا الغلاف الإسلامي فإنهم بذلك يكونون قد خانوا أصوات الناخبين الذين انتخبوهم بوصفهم إسلاميين!

ونحن إذ نقدم لقرائنا شيئًا مما ورد في هذا المقال؛ فمقصودنا الأعظم من ذلك هو تحذير إخواننا في كل مكان من الاستدراج للقبول بالالتقاء في منتصف الطريق مع العلمانية والديمقراطية الذي يكشف لنا صاحب المقال عن وجهها الحقيقي، وإليك شيئًا مما قاله في التناقض بين الإسلام والديمقراطية:

- أي نظام ديمقراطي لا بد أن تتوافر فيه سيادة الأمة المضادة لمفهوم الحاكمية.

- ولا بد أن يشمل الفصل بين السلطات وهو مبدأ لا يقره نظام الخلافة الراشدة الذي يمثل الصورة المثالية للنظام الإسلامي -لاحظ الكلام على الخلافة الراشدة وليست أي خلافة-.

- والنظام الديمقراطي يقر مبدأ حرية الاعتقاد التي تتعارض مع حد الردة.

ويبلغ قمة البجاحة والوقاحة حيث يقول: "وفي الديموقراطية لا توجد قداسة لأحد، ولا يمكن ذلك في الأصولية التي تقدس الأنبياء والرسل والصحابة وزوجات النبي -صلى الله عليه وسلم-، وحتى التاريخ الإسلامي".

إذن فهو لم يكتف بمجرد الطعن في التاريخ الإسلامي، بل يريد أن يعطي الجميع حق الطعن حتى في النبي -صلى الله عليه وسلم- نفسه وزوجاته فضلاً عن الصحابة -رضي الله عنهم-.

ثم يقول: "وإذا تخيلنا نجاح زعيم ديني سواء من الإخوان المسلمين أو من الجماعة السلفية، ماذا سيحدث؟، ليس من مجال اختيار أمامه سوى إعلان الدولة الدينية؛ لأنها النوع الوحيد الذي يفرضه الدين -سبحان الله لفهم هذا الرجل للدين وعناده له في ذات الوقت-، وهذه الدول في نهاية المطاف لن تختلف عن دولة طالبان الأفغانية، وإلا سيتبين للذين قاموا بانتخاب هذا الزعيم الديني كذب دعواه بالتدين؛ وإلا لماذا انتخبوه؟!".

يا ليت الإسلاميين الذين يراهنون على أنهم متى وصلوا للحكم سيحكمون بالإسلام، ولا بأس عندهم إلى أن يصلوا أن يقوموا بالتنازل تلو الآخر، يا ليتهم ينتبهون لهذا الأمر.

ثم يلخص لنا الأمر تلخيصا شافيًا، فيقول: "الإنسان في الفكر الديني "عبد" خاضع لهذا الفكر، عليه أن يطيعه جبرًا، والحاكم الذي يتبنى لأي فكر ديني ملزم ومجبر على تنفيذ أوامر هذا الدين".

إذن فالرجل يفهم قضية العبودية للحاكم والمحكوم على حد سواء كما ينبغي أن تكون ولكنه يجحدها بأقصى ما يستطيع، وما أصدق انطباق قوله -تعالى-: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا) (النمل:14)، على هذا الرجل وعلى أمثاله، وهذه الجملة السابقة من كلامه توضح أنه لا يعارض الدولة الدينية بالمفهوم الذي كان سائدًا في العصور الوسطى في أوروبا والتي كان يدعى الحاكم فيها أنه ظل الله في أرضه، ولكنه يعارض الدولة الدينية التي أقامها الخلفاء الراشدون والتي يكون الحاكم فيها "عبدًا" ملزمًا بالشرع الذي هو حاكم عليه وعلى المحكومين.

وبالجملة؛ فإن المقال عظيم الفائدة في بيان تعارض الإسلام والديمقراطية -أو بمصطلح أوسع: العلمانية-، ونحن نضعه أمامك بتمامه للفائدة، ولكن ينبغي أن تقوم بتعديل العنوان من: "الأصوليين والاستبداد" إلى: "الديمقراطية والعناد"، وأن تعدل الفقرة الأخيرة التي وجهها للديمقراطيين الوسطيين قائلاً فيها: "الأصولية قرينة الاستبداد، وأي رأي يرى غير هذا رأي معوج لا يفقه شيئًا في الديمقراطية، بل إنه يسعى لسيادة الاستبداد بدلاً من الحرية في المجتمع"، ونحن نعدل هذه الفقرة؛ لتكون خطابًا للإسلاميين الوسطيين قائلين: "العلمانية والديمقراطية قرينة العناد، وأي رأي يرى غير هذا رأي معوج لا يفقه شيئًا في الإسلام أو في الديمقراطية -أو لا يفقه شيئًا فيهما-، بل إنه يسعى لسيادة الكفر والعناد بدلاً من عبودية المجتمع لله".

وهذه النصيحة وإن كنا نوجهها إلى كل الإسلاميين الوسطيين بصفة عامة فهي موجهة بصفة خاصة للاتجاهات الإسلامية التي كانت تأخذ موقفًا رافضًا للديمقراطية ولكنهم غيروا موقفهم منها؛ -ربما- اغترارًا بأنها صارت نظامًا عالميًّا يصعب مغالبته في حس كثير من الناس، فبدءوا يهادنون الديمقراطية تحت زعم أن الديمقراطية يمكن ترويضها؛ لتوافق مبدأ الشورى الإسلامية، وتناسوا واقع من سبقهم في هذا الطريق، وكأنه قد كتب علينا أن نلدغ من نفس الجحر عشرات المرات، وقديمًا قالوا:"من التعذيب: تهذيب الذيب". ونحن نقول: "من العبث: ترويض الديموقراطية"، وسبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

نص المقال:

"هل يمكن للأصوليين إقامة حكم ديمقراطي؟ وهل من الديمقراطية السماح لمعتنقي الفكر الديني المشاركة السياسية في الدولة المدنية الليبرالية؟ والإجابة -بكل بساطة-: كلا؛ للعديد من الأسباب:

أولها: أن الديمقراطية تقتضي مبادئ لا بد من توافرها حتى يمكن وصف أي نظام بأنه ديمقراطي مثل سيادة الأمة المضاد لمفهوم الحاكمية، والفصل بين السلطات، وهو مبدأ لا يقره نظام الخلافة الراشدة الذي يمثل الصورة المثالية للنظام الإسلامي، ومبدأ المواطنة الذي لا يتفق مع الفكرة الدينية الإسلامية القاضية التمييز بين المسلم وغير المسلم. والمساواة وهو -أيضًا- مبدأ لا يسمح به الدين، وحقوق الإنسان التي يتعارض بعضها مع مبادئ الدين مثل حق حرية العقيدة؛ لأن عقاب المرتد الرافض لدينه الإسلامي هو القتل. وفي الديمقراطية لا توجد قداسة لأحد، ولا يمكن ذلك في الأصولية التي تقدس الأنبياء والرسل والصحابة وزوجات النبي -صلى الله عليه وسلم-، بل وحتى التاريخ "الإسلامي". وفي الديمقراطية لا يوجد مكان للفتوى أو وزارة للشئون الدينية. وفي الدولة الأصولية لا مكان للمبدعين من أمثال د. نصر حامد أبو زيد، أو سيد القمني أو الفنانين، أو المسرح أو السينما، أو حتى صحافة حرة.

وإذا تخيلنا نجاح زعيم ديني سواء من الإخوان المسلمين أو من الجماعة السلفية، ماذا سيحدث؟ ليس من مجال اختيار أمامه سوى إعلان الدولة الدينية؛ لأنها النوع الوحيد من الدول الذي يفرضه الدين، وهذه الدول -في نهاية المطاف- لن تختلف عن دولة طالبان الأفغانية؛ وإلا سيتبين للذين قاموا بانتخاب هذا الزعيم الديني كذب دعواه بالتدين، وإلا لماذا انتخبوه؟! ومن ثم لا بديل عن الاستبداد، حيث أن كلمة "ولي الأمر" هي الفاصلة وعليكم الحساب، ماذا سيفعل بأصحاب الفكر الحر ومؤلفاتهم؟

يقول البعض: إن من الديمقراطية السماح للأحزاب أو الجماعات الدينية خوض الانتخابات، ثم يعود الأمر للناس في اختيار من يريدونه لرئاستهم أو لتمثيلهم في البرلمان، وهذا مناقض للمنطق ذاته، ذلك أنه حين نقول "من الديمقراطية" فهذا يقتضي -أولاً وبشكل أساسي-: عدم العمل على هدم الديمقراطية والسماح لإقامة دولة دينية على أنقاضها. ومما يتفق عليه العقلاء أنه لا يجوز هدم الديمقراطية بأدوات "ديمقراطية". وحق ملكية أي إنسان لسيادته لا تعطيه حق تدميرها بأن يتجاوز أنظمة المرور في الشارع مثلاً أو حتى إحراقها. إذن كيف نناقض المنطق بالسماح "ديمقراطيًّا" لمن يدعوا إلى إقامة دولة غير ديمقراطية؟

من جانب آخر لا يمكن للفكر الأصولي إلا أن يكون مستبدًا، ذلك أن الحرية ليست من المبادئ التي يقوم عليها الفكر الديني، وكذلك حقوق الإنسان الكائن المتفرد بذاته. الإنسان في الفكر الديني "عبد" خاضع لهذا الفكر، عليه أن يطيعه جبرًا، والحاكم المتبني لأي فكر ديني ملزم ومجبر على تنفيذ أوامر هذا الدين. فالشيخ محمد الغزالي –رحمه الله- برغم كل وسطيته لم يملك سوى أن يعفي قاتل المرحوم د. فرج فودة، من مسئولية القتل؛ لأن المرحوم فودة "مرتد" وكل جريمة القاتل أنه افتئت على سلطة الدولة التي عليه ا-وفقًا لهذا المنطق الأعوج- أن تقوم بواجبها بقتل هذا المرتد. فقط لنتخيل هذا الأمر مع زعيم ديني لجماعة دينية لها تاريخ طويل في الاغتيالات والإرهاب؟ هل من المعقول والمنطقي أن نفترض أنه سيكون ديمقراطيًّا مع خصومه الليبراليين أو العلمانيين؟

الأصولية قرينة الاستبداد، وأي رأي يرى غير هذا؛ رأي معوج لا يفقه شيئًا في الديمقراطية، بل إنه يسعى لسيادة الاستبداد بدلاً من الحرية في المجتمع.

د. أحمد البغدادي".