الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأحد 01 ديسمبر 2013 - 28 محرم 1435هـ

هل في استمرار "حزب النور" في المشهد السياسي الحالي موالاة للعلمانيين؟!

السؤال:

1- ما هي الموالاة التي يُذم بها المسلم، ويقال عنه حينئذٍ أنه والى العلمانيين على حساب دينه وإخوانه في الإسلام؟ لأن الاتهامات كثيرة جدًّا حول استمرار تواجد "حزب النور" في المشهد السياسي والمشاركة في "لجنة الخمسين" إلى الآن، رغم كل ما يقع من هذه اللجنة والقائمين عليها، وأن هذا الاستمرار في التواجد في المشهد هو من موالاة العلمانيين وأعداء الدين الذين لا يريدون شريعة الله في أي مكان.

2- هل هناك موالاة محرمة للعلمانيين وأعداء الدين، وأخرى جائزة؛ بمعنى أنها تكون مباحة إذا كان العلمانيون أولي قوة وبأس شديد؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

1- فالموالاة هي المحبة والرضا بملة القوم وطريقتهم، ومناصرتهم على الكفر والفسوق والعصيان، والطاعة والمتابعة والتشبه، وليس "التواجد في المشهد" -كما تقول- من الموالاة؛ فإن الله لم يحرِّم: القعود، والكلام، والحوار، والجدال مع الكفار، فضلاً عن المنافقين، فضلاً عن عصاة المسلمين "ولو كانوا أصحاب كبائر"، وليس الناس صنفًا واحدًا، وقد قال الله -تعالى-: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ) (النساء:140).

فحرَّم -سبحانه- الجلوس مع الكفار حال كفرهم واستهزائهم بآيات الله دون إنكار عليهم، فأما مَن جلس معهم يمنعهم من الاستهزاء بآيات الله ويأمرهم بتحكيمها والإيمان بها واتباعها؛ فهذا محمود غير مذموم.

وإذا كان كلام طائفة من الناس سيكون ملزمًا للأمة والدولة كلها -ولو قالوا في كلامهم كفرًا ونفاقًا أو فسوقًا وعصيانًا!-؛ فجلس معهم مَن يجادلهم بالتي هي أحسن، كما أمر الله -تعالى-، وليس نَهَى -كما يزعم مَن سب الدعوة والحزب؛ لأجل التواجد في المشهد؛ رغم أنهم لم يذموا مَن تواجد في اللجنة الأولى مع نفس النوعيات!-.

فنقول: مَن جلس معهم يجادلهم؛ ليقلل الشر والفساد، ويمنع الكفر، ولو لم يتمكن مِن منع كل مخالفة للشريعة، ولكن قلل الشر، وبدلاً من أن يتضمن الدستور كفرًا بواحًا يصبح متضمنًا لكلام محتمل للتأويل هم أنفسهم يصرِّحون في المضابط أنهم لا يقصدون ما يحتمله من الكفر، بل يستنكرونه - فهذا الفعل من صاحبه: أمر بالمعروف، ونهي عن المنكر، ودعوة إلى الله -تعالى-، وليس موالاة أصلاً.

2- لا توجد موالاة مباحة لأعداء الدين؛ لكن الإكراه والتقاة(1).

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) جاء في فضل الغني الحميد:

صور ليست من الموالاة

"8- إظهار الموافقة للكفار عند الإكراه والتقية:

لما كان المسلم قد يتعرض إلى ضرورة تكرهه على إظهار موالاة الكفار أو المنافقين، أو أن يدفع عن نفسه شرهم وأذاهم باستعمال التقية؛ لزم أن يكون على بينة من أمره فيما يجوز وما لا يجوز من ذلك، وحدود الإكراه المعتبر شرعًا، ومعنى التقية، وشروط اعتبار العمل بها -وهذا فصل مختصر في أهم مسائل هذا الموضوع-:

قال -تعالى-: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (النحل:106).

سبب النزول:

قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: "وقد روى العَوفِي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن هذه الآية نزلت في عمَّار بن ياسر حين عذبه المشركون حتى يكفر بمحمد -صلى الله عليه وسلم-، فوافقهم على ذلك مُكرَها، وجاء معتذرًا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأنزل الله هذه الآية، وهكذا قال الشعبي، وقتادة، وأبو مالك" اهـ، ثم قال: "ولهذا اتفق العلماء على أنه يجوز أن يوالي المكرَه على الكفر؛ إبقاءً لمهجته" اهـ.

شروط الإكراه المعتبر شرعًا:

ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري هذه الشروط:

"1- أن يكون فاعله قادرًا على إيقاع ما يهدد به، والمأمور عاجزًا عن الدفع، ولو بالفرار.

2- أن يغلب على ظنه أنه إذا امتنع أوقع به ذلك.

3- أن يكون ما هدد به فوريًّا، فلو قال: إن لم تفعل كذا ضربتك غدًا؛ لا يعد مكرهًا، ويُستثنى ما إذا ذكر زمنًا قريبًا جدًّا، أو جرت العادة بأنه لا يخلف.

4- أن لا يظهر من الأمور ما يدل على اختياره: اهـ.

قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره عند قوله -تعالى-: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ) (البقرة:207): "قال ابن عباس، وأنس، وسعيد بن المسيب، وأبو عثمان النهدي، وعكرمة، وجماعة: نزلت في صهيب بن سنان الرومي، وذلك أنه لما أسلم بمكة، وأراد الهجرة، منعه الناس أن يهاجر بماله، فإن أحب أن يتجرد منه ويهاجر فعل، فتخلص منهم وأعطاهم ماله، فأنزل الله فيه هذه الآية، فتلقاه عمر بن الخطاب وجماعة إلى طرف الحرة، فقالوا: ربح البيع، فقال: وأنتم فلا أخسر الله تجارتكم، وما ذاك؟ فأخبروه أن الله أنزل فيه هذه الآية"، ثم قال -رحمه الله-: "وأما الأكثرون فحملوا ذلك على أنها نزلت في كل مجاهد في سبيل الله" اهـ.

على أي شيء يصح الإكراه؟

قال القرطبي -رحمه الله- في تفسيره: "أجمع العلماء على أن مَن أكره على قتل غيره أنه لا يجوز له الإقدام على قتله، ولا انتهاك حرمته بجلد أو غيره، ويصبر على البلاء الذي نزل به، ولا يحل له أن يفدي نفسه بغيره، ويسأل الله العافية في الدنيا والآخرة. واختلف في الزنا، فقال مطرف وأصبغ وابن عبد الحكم وابن الماجشون: لا يفعل أحد ذلك وإن قُتِل لم يفعلْه، فإن فعله فهو آثم، ويلزمه الحد، وبه قال أبو ثور والحسن، قال ابن العربي: الصحيح أنه يجوز الإقدام على الزنا، ولا حد عليه، خلافًا لمن ألزمه ذلك".

ثم قال -رحمه الله-: "وقال ابن خويز منداد في أحكامه: اختلف أصحابنا متى أكره الرجل على الزنا، فقال بعضهم: عليه الحد لأنه إنما يفعل ذلك باختياره، وقال بعضهم: لا حد عليه، قال ابن خويز منداد: وهو الصحيح. وقال أبو حنيفة: إن أكرهه غير السلطان حُد، وإن أكرهه السلطان فالقياس أن يُحد، ولكن أستحسن ألا يُحَد، وخالفه صاحباه فقالا: لا حد عليه في الوجهين، ولم يراعوا الانتشار، وقالوا: متى علم أنه يتخلص من القتل بفعل الزنا جاز أن ينتشر، قال ابن المنذر: لا حد عليه، ولا فرق بين السلطان في ذلك وغير السلطان" اهـ.

هل يصح الإكراه على القول والفعل أم القول فقط؟

قال القرطبي -رحمه الله- في تفسيره: "ذهبت طائفة من العلماء إلى أن الرخصة إنما جاءت في القول، وأما في الفعل فلا رخصة فيه، مثل أن يكرهوا على السجود لغير الله، أو الصلاة لغير القبلة، أو قتل مسلم أو ضربه، أو أكل ماله، أو الزنا، وشرب الخمر، وأكل الربا، يُروى هذا عن الحسن البصري، وهو قول الأوزاعي، وسحنون من علمائنا، وقال محمد بن الحسن: إذا قيل للأسير: اسجد لهذا الصنم وإلا قتلتك، فقال: إن كان الصنم مقابل للقبلة، فليسجد، ويكون نيته لله -تعالى-، وإن كان لغير القبلة فلا يسجد وإن قتلوه.

والصحيح أنه يسجد وإن كان لغير القبلة وما أحراه بالسجود حينئذٍ، فقد قال ابن عمر -رضي الله عنهما-: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي وهو مقبل من مكة إلى المدينة على راحلته حيث كان وجهه"، قال: وفيه نزلت: (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) (البقرة:115)... فإذا كان هذا مباحًا في السفر -في حالة الأمن- لتعب النزول عن الدابة للتنفل، فكيف بحالة هذا المكرَه؟! واحتج من قصر الرخصة على القول بقول ابن مسعود -رضي الله عنه-: "ما من كلام يدرأ عني سوطين من ذي سلطان إلا كنت متكلمًا به"، فقصر الرخصة على القول، ولم يذكر الفعل، وهذا لا حجة فيه؛ لأنه يحتمل أن يجعل الكلام مثالاً، وهو يريد أن الفعل في حكمه، وقالت طائفة: الإكراه في الفعل والقول سواء، إذا أسر الإيمان، روي ذلك عن عمر بن الخطاب، ومكحول، وهو قول مالك، وطائفة من أهل العراق، وروى ابن القاسم عن مالك أن من أكره عل شرب الخمر، وترك الصلاة، أو الإفطار في رمضان، أن الإثم عنه مرفوع" اهـ.

بمَ يصح الإكراه؟

قال القرطبي -رحمه الله- في تفسيره: "واختلف العلماء في حد الإكراه، فروي عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، أنه قال: ليس الرجل بآمن على نفسه إذا أخفته، أو أوثقته، أو ضربته، وقال ابن مسعود -رضي الله عنه-: ما كلام يدرأ عني سوطين إلا كنت متكلمًا به، وقال الحسن: التقية جائزة للمؤمن إلى يوم القيامة، إلا أن الله -تبارك وتعالى- لم يجعل في القتل تقية، وقال النخعي: القيد إكراه، والسجن إكراه، وهذا قول مالك... وليس عند مالك وأصحابه في الضرب والسجن توقيت، إنما هو ما كان يؤلم من الضرب، وما كان من السجن يدخل من الضيق على المكره، وإكراه السلطان وغيره عند مالك إكراه.

وتناقض الكوفيون فلم يجعلوا السجن والقيد إكراهًا على شرب الخمر، وأكل الميتة؛ لأنه يخاف منهما التلف، ويجعلوهما إكراهًا في إقراره على ألف درهم، قال ابن سحنون: وفي إجماعهم على أن الألم والوجع الشديد إكراه ما يدل أن الإكراه يكون من غير تلف نفس، وذهب مالك إلى أن مَن أكره على يمين بوعيد، أو سجن، أو شرب أنه يحلف، ولا حنث عليه، وهو قول الشافعي، وأحمد، وأبي ثور، وأكثر العلماء" اهـ.

هل يختلف حكم الإكراه مع اختلاف المكره عليه ونوع الإكراه؟

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "تأملت المذاهب، فوجدت الإكراه يختلف باختلاف المكره عليه، فليس الإكراه المعتبر في كلمة الكفر، كالإكراه المعتبر في الهبة ونحوها، فإن أحمد قد نص في غير موضع: أن الإكراه على الكفر لا يكون إلا بالتعذيب من ضرب، وقيد، ولا يكون الكلام إكراها" اهـ.

قال القرطبي في تفسيره (4/ 3416): "أكره يوسف -عليه السلام- على الفاحشة بالسجن، وأقام خمسة أعوام، وما رضي بذلك لعظيم منزلته، وشريف قدره، ولو أكره رجل بالسجن على الزنا، ما جاز له إجماعًا، فإن أكره بالضرب فقد اختلف فيه العلماء، والصحيح أنه إذا كان فادحًا فإنه يسقط عنه إثم الزنا وحده. وقد قال بعض علماؤنا: إنه لا يسقط عنه الحد، وهو ضعيف، فإن الله -تعالى- لا يجمع على عبده العذابين، ولا يصرفه بين بلاءين، فإنه من أعظم الحرج في الدين، قال -تعالى-: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (الحج:78)" اهـ.

مسألة في بيان التقية:

قال -تعالى-: (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ) (آل عمران:28).

قال البغوي -رحمه الله- في تفسيره: "نهى الله المؤمنين عن موالاة الكفار ومداهنتهم ومباطنتهم، إلا أن يكون الكفار غالبين، ظاهرين، أو يكون المؤمن في قوم كفار يخافهم، فيداريهم باللسان، وقلبه مطمئن بالإيمان دفعًا عن نفسه من غير أن يستحل دمًا حرامًا، أو مالاً حرامًا، أو يظهر الكفار على عورة المسلمين، والتقية لا تكون إلا مع خوف القتل، وسلامة النية، قال -تعالى-: (إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ) (النحل:106)، ثم هذه رخصة؛ فلو صبر حتى قتل فله أجر عظيم" اهـ.

وقال ابن القيم -رحمه الله- في بدائع الفوائد: "معلوم أن التقاة ليست بموالاة، ولكن لما نهاهم عن موالاة الكفار اقتضى ذلك معاداتهم، والبراءة منهم، ومجاهرتهم بالعدوان في كل حال، إلا إذا خافوا من شرهم، فأباح لهم التقية، وليست التقية موالاة لهم" اهـ.

ولأن باب التقاة باب يمكن أن ينفذ منه الشيطان بسهولة، يزين لضعفاء ومرضى القلوب أن يركنوا إلى أعداء الله، قال الله -تعالى- بعدها مباشرة: (وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ)، يحذركم في الدنيا أن تتخذوا هذا الباب تكأة، وتستسهلوا هذه الكبيرة -وهي موالاة أعداء الله- وينذركم أن إليه المصير، فيجازيكم على ما فعلتم في الدنيا، فلا تحسبوا أن ترتكبوا هذه الكبيرة في الأرض -مخادعين أنفسكم أو مخادعين الناس- ثم تنجو من عذاب الله في الآخرة.

قال شهاب الدين القرافي في الاستغناء في أحكام الاستثناء: "(إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً) تقديره: لا تفعلوا ذلك في حالة من الحالات إلا في حالة الاتقاء".

وقال ابن جرير الطبري في تفسيره في تفسير قوله -تعالى-: (إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً): "أي إلا أن تكونوا في سلطانهم، فتخافوهم على أنفسكم، فتظهروا لهم الولاية بألسنتكم، وتضمروا العداوة، ولا تشايعوهم على ما هم عليه من الكفر، ولا تعينوهم على مسلم بفعل" اهـ.