عتاب على عتاب الدكتور "غزلان"
كتبه/ عبد المنعم الشحات
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد نشرت "جريدة الحرية والعدالة"، وموقع "إخوان أون لاين" مقالاً للدكتور "محمود غزلان" بعنوان: "رسالة إلى إخواننا في الدعوة السلفية". يعاتبنا فيه على أمور احتفت بطريقة الإعلان عن دعمنا للدكتور "عبد المنعم أبو الفتوح" في انتخابات الرئاسة.
وكانت "الدعوة السلفية" قد اختارت الدكتور "عبد المنعم أبو الفتوح" مرشحًا للرئاسة في اجتماع "مجلس شورى الدعوة السلفية"، والذي انعقد يوم السبت: 28-4 (وكان مجلس الإدارة قد اختار الدكتور "أبو الفتوح" قبل ذلك بأيام إلا أن القرار لم يُعلن حتى لا يؤثر على اختيارات أعضاء مجلس الشورى).
وتوليتُ بصفتي متحدثًا رسميًّا باسمها الإعلان عن ذلك في مؤتمر صحفي، ثم كنت ضيفًا على عدد مِن البرامج الفضائية، والتي شرحتُ فيها آلية اتخاذ القرار وحيثياته.
وخرجتْ جميع وسائل الإعلام -والتي رصدت هذه الفعاليات-؛ لتبرز: لماذا اختارت الدعوة السلفية د. "أبو الفتوح"؟ دون أن يشير أي منها -فيما أعلم- إلى أنهم وجدوا في كلامي طعنًا صريحًا أو ضمنيًّا في الدكتور "محمد مرسي"، ولو وجدوه لطاروا به كما حدث مع مقال الدكتور "غزلان" الذي انتقد فيه "الدعوة السلفية" بصفة عامة "وانتقدني أنا بصفة خاصة"؛ لما ظنه مِن أن كلامي يتضمن طعنًا خفيًا في الدكتور "محمد مرسي"، وعلى خلاف تصريحاتي المتعددة؛ فقد أحدث هذا المقال دويًا هائلاً، وتصدر نشرات الأخبار، ومواقع الإنترنت، وغيرها... ! لو كان في كلامي ما يُفهم منه اللمز؛ لما فات الإعلام المضاد أن يوظفه، كما لم يفته أن يُوظـِّف مقال الدكتور غزلان |
وهذه المقدمة أسوقها بيْن يدي ردي على عتاب الدكتور "غزلان"، وقد تكون كافية في حد ذاتها لبيان: هل عتابه في محله أم أن عتابه قد استجلب عليه العتاب؟!
وعلى أي فعتابه مقبول مِن حيث المبدأ إلا أن لي عليه عدة ملاحظات أوجزها في النقاط الآتية:
1- بدأت المقالة بعبارة: "إذا كنا قد أقررنا بحقوقهم في اختيار مرشحهم والدعاية له... ". وهو إقرار محمود؛ إلا أنه كان مِن الأجود أن يبيِّن أن هذا حق أصيل لكل فصيل موجود في الساحة، لا سيما وأن الجزء الأخير مِن مقاله تضمن نقولاً كنا قد نقدنا فيها آراء الدكتور "أبو الفتوح" في مناسبات متعددة مشفوعة باستفهام استنكاري عن دعمنا له رغم ذلك!
2- تضمنت مقالة الدكتور "غزلان" بعد المقدمة عتابًا وتذكيرًا ونصيحة، وكان العتاب معظمه من نصيبي؛ لأنني وفق تصوُّر الدكتور "غزلان" قد لمزت الدكتور "مرسي" في مواقف، وهي:
?أ- الإلماح إلى ضعفه عندما وصفت المهندس "خيرت الشاطر" بأنه مرشح قوي.
?ب- التعريض بأنه المرشح الاحتياطي.
?ج- ذكر ما تعرض له مِن طعن من الإعلام العالماني.
وإني أكاد أجزم أن الدكتور "غزلان" لم يستمع إلى كلامي كاملاً، وإنما نُقِل له ملخصه؛ لأنني أكدتُ في كل مرة على كامل احترامي للدكتور "مرسي"، وذكرتُ أنني أتحدث عن تقييم رجل الشارع له، وليس عن تقييمي الشخصي، كما تحدثت عن الحرب الإعلامية عليه مستنكرًا لها؛ إلا أنني تساءلت عن مدى قدرة الإعلام الإخواني على التصدي لهذه الحرب الشرسة، وبيَّنتُ خطورة أن يجتمع الإسلاميون على مرشح يتعرض لكل هذه الحرب مع قصر الفترة الزمنية المتاحة، بخلاف المهندس "خيرت الشاطر" عندما كان مطروحًا.
ومِن هنا فرضت المقارنة نفسها، بل إنني ذكرت أن قبول الدكتور "مرسي" لكونه المرشح الاحتياطي مما يحسب له بمعايير الإسلاميين مِن حيثية التجرد، ولكنه وُظف ضده انتخابيًّا كما أنني لم أقل: إن المهندس "خيرت الشاطر" هو الذي يدير الجماعة كما نسب إليَّ الدكتور "غزلان"!
وليأذن لي الدكتور "غزلان" في أن ما ذكره مِن تعرض الأنبياء للاستهزاء مِن المشركين غير وارد في سباق انتخابي، فإن الدعاة الذين ما زالوا في مهد دعوتهم بحيث يكون الرافضون لهم أكثر مِن المؤيدين يجب عليهم أن يصبروا على دعوتهم، ولكن ليس من الحكمة حينئذٍ أن يسعوا إلى الحكم أصلاً، فضلاً أن يكون سعيهم له عن طريق آلية الانتخاب، وهذا أيضًا مما يرد على الدكتور "محمد عبد المقصود" الذي ذكر في أحد مؤتمرات تأييد الدكتور "مرسي" أنه لا يعلم مِن هدي السلف تقديم الأكثر قابلية عند الناس في أمر الولاية.
وفي كلامه -حفظه الله- ذهول عن أننا لا نولي أحدًا، ولا نملك ذلك، وإنما نقدِّم مرشحًا ولا ينجح إلا بقبول عام مِن معظم الناخبين، وتقديم الأقل قبولاً يتيح لخصوم المشروع الإسلامي أن يقتنصوا المنصب، ومِن هنا نعلم أن القبول الشعبي عامل في غاية الأهمية في العملية الانتخابية لا سيما إذا كانت الخيارات بيْن أفراد متقاربين -إن لم يكن متطابقين- كحال الدكتور "أبو الفتوح" والدكتور "مرسي"، فهي ضمن قاعدة مراعاة المصالح والمفاسد طالما قبلنا مبدأ الانتخاب من العامة؛ لأنه أفضل الخيارات المتاحة، وأكثرها مصلحة.
وأعود فأكرر: لو كان في كلامي ما يُفهم منه اللمز؛ لما فات "الإعلام المضاد" أن يوظفه، كما لم يفته أن يُوظـِّف مقال الدكتور "غزلان".
وبعد هذا العتاب... انتقل الدكتور "غزلان" إلى تذكير "الدعوة السلفية" بانتقادات وجهتها إلى "جماعة الإخوان" حول تصريحات كان كثير منها منسوبًا للدكتور "عبد المنعم أبو الفتوح" متعجبًا مِن دعمنا له رغم كل هذه المآخذ!
ونوجز الإجابة عن هذا التساؤل في النقاط الآتية:
1- استفهم الدكتور "غزلان" استفهامًا استنكاريًّا تعجبيًّا كأن أحدًا لم يُجب على هذه التساؤلات مِن قبْل، على الرغم مِن أن المشاركات المكتوبة والمسموعة التي نَقل منها اعتراضاته تضمنت الإجابة الواضحة على هذه التساؤلات!
والتي يمكن تلخيصها في العناصر الآتية:
?أ- جميع المرشحين الإسلاميين ينتمون إلى مدرسة واحدة، ومآخذنا عليهم متقاربة -إن لم تكن متطابقة-، وهي جزئية سوف أعود إليها بمزيد مِن الشرح لاحقًا.
?ب- أننا أكدنا أن نقاط الخلاف بيننا وبيْن هذه المدرسة "ومنها مدرسة الإخوان" هي: في كيفية تنظير إدارة الفجوة بيْن الممكن والمطلوب، مع الاتفاق على البدء بالممكن، مما يجعل الفرق العملي يقل، مع أهمية ضبط المسألة مِن الناحية التنظيرية، وهو ما أكدنا أننا لن نتخلى عنه وإن أيدنا أي مرشح مِن المرشحين الإسلاميين الثلاثة: د. "أبو الفتوح"، د. "العوا"، د. "مرسي".
?ج- أننا أشرنا أن الدكتور "أبو الفتوح" قد بيَّن مراده في بعض هذه التصريحات، وأن العبارة قد خانته، تمامًا كما حدث مع الدكتور "مرسي" في تصريحه الشهير بأنه لا خلاف بين المسلمين والنصارى في العقيدة، والذي أوَّله هو لاحقًا بأنه يعني أنه لا خلاف بسبب العقيدة! وإن كان هذا التأويل يستعصي على تصريح آخر أكد فيه: "أن نصارى مصر لا يقولون: إن الله ثالث ثلاثة!".
2- هذه التصريحات المنسوبة للدكتور "أبو الفتوح" شاركه فيها عدد مِن رموز الجماعة الحاليين، منهم: "الدكتور مرسي" نفسه، وبعضهم جاوزه فيها، مثل: "الدكتور عصام العريان".
وكل هؤلاء كانوا وما زالوا يصرِّحون بمثل هذه التصريحات، وكم كنتُ أتمنى أن أجد صدى جيدًا لمقالي في نقد زيارة الدكتور "أبو الفتوح" لـ"نجيب محفوظ"، والذي مضى على كتابته أكثر من خمس سنوات غير أني ما وجدتُ وقتها إلا هجوم شباب الإخوان في الإنترنت على المقال!
نعم صدر مِن الجماعة وقتها استنكار لما نُسِب مِن طعن الدكتور "أبو الفتوح" في الأستاذ "سيد قطب" -رحمه الله، وأنزله منازل الشهداء-، ولكن لم يستنكروا إفراطه في حرية الإبداع، وإن صادم العقيدة، ولا طعنه في الفكر الوهابي! (بالمناسبة فالدكتور أبو الفتوح قد فسَّر هجومه على الفكر الوهابي بحاله ذهنية معينة عن هذا الفكر، وأنه لا يعني شيخ الإسلام "محمد بن عبد الوهاب"، وبالطبع لا يعني "الدعوة السلفية" التي عايش كثيرًا مِن رموزها في فترة تأسيس الجماعة الإسلامية).
ومِن ثَمَّ فكل هذه التصريحات لا تصلح أن تكون معيارًا للتفضيل بين مرشحٍ وآخر ذي خلفية إخوانية؛ اللهم إلا إذا تبرأت "جماعة الإخوان" صراحة مِن كل هذه الأقوال، وبيَّنت وبيَّن مرشحها للرئاسة موقفه مِن ترشح النصراني للرئاسة، وكذا المرأة، وموقفه مِن ضوابط الحرية وغيرها...
3- مسألة أنه مِن بيْن كل هذه التصريحات التي نسبت لمن يسمون بالتيار الإصلاحي داخل جماعة الإخوان لم تستنكر الجماعة منها بشكل رسمي إلا التصريحات الخاصة بالأستاذ "سيد قطب" هو ما عزز القول بأن في الجماعة تيارًا قد يكون عنده شيء من الغلو في أ. "سيد قطب" -وإن لم يعترض على تجاوزات التيار الإصلاحي المنهجية- ومِن خصائصه: الاستغراق في حماية التنظيم بطريقة تجعل البيعة فيه أشبه بالبيعة على الإمامة منها بالبيعة على الطاعات، وهي مسألة ليست واضحة عند الكثيرين من أبناء الجماعة، ولربما احتاجت بحثًا من قيادتها أيضًا، وفي مقابل التيار الإصلاحي الأكثر انفتاحًا وإقبالاً على الدعوة، ووضع العلاقة بين الجماعة والأمة في وضعها الصحيح الذي وضعه فيها الأستاذ "حسن البنا" -رحمه الله، وأنزله الله منازل الشهداء-. أحسب أننا تميزنا في الدعوة السلفية بموقف وسط في قضية العمل الجماعي يؤدي المصلحة الشرعية، ويتجنب أمراض الغلو في مفهوم السمع والطاعة |