الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الخميس 03 ديسمبر 2009 - 16 ذو الحجة 1430هـ

هل عصاة الموحدين والفرق النارية مخلَّدون في النار

السؤال:

سمعت في أحد الخطب الخطيب وهو يقول إنه كل من قال لا إله إلا الله لن يخلد في النار وسيدخل الجنة بعد أن يتطهر من خطاياه، لكني عندما تدبرت هذا الأمر وجدت أنه يوجد العديد من الأحاديث ما ينفي ذلك مثل: (لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ) (متفق عليه)، (لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ) (متفق عليه)، وكما ورد أنه كانت هناك سيدة تصوم بالنهار وتقوم الليل، ولكنها تؤذي جيرانها، فلما بلغ ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (هِيَ فِي النَّارِ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).

ثم كيف ذلك ويوجد كثير قالوا لا إله إلا الله، ولم يعملوا بها، وقاموا بعمل الكثير من الفواحش، كما أنه يوجد حديث يقول: (افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً: فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ، وَافْتَرَقَتِ النَّصَارَى عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً فَإِحْدَى وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِي عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ)، قِيلَ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ هُمْ؟"، قَالَ: (الْجَمَاعَةُ) (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني)، وفي لفظ: (وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلاَّ مِلَّةً وَاحِدَةً)، قَالُوا: "وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟"، قَالَ: (مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني)، أليس معنى هذا أنه يوجد من المسلمين من هم خالدون في النار من الفرق المختلفة؟ أرجو التوضيح الشامل لما سبق.

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فأحاديث الوعيد التي ذكرتها ليس فيها أنهم مخلدون في النار، بل إنهم سيدخلونها، وقد قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) (النساء:48)، وقد تواترت أحاديث الشفاعة، وخروج عصاة الموحدين من النار في كل كتب السنة الصحيحة وغيرها؛ مما تقوم به الحجة القطعية، وأحاديث افتراق الأمة إلى اثنتين وسبعين فرقة في النار ليس فيها أيضًا تخليدهم، وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أنه لا يوجد أحد من الأئمة الأربعة ولا غيرهم من علماء الأمة من يكفر كل واحد من الثنتين وسبعين فرقة ويخلده في النار إلا من كان منافقـًا في الباطن.

قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "وَكَذَلِكَ سَائِرُ الثِّنْتَيْنِ وَالسَّبْعِينَ فِرْقَةً مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مُنَافِقًا فَهُوَ كَافِرٌ فِي الْبَاطِنِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مُنَافِقًا، بَلْ كَانَ مُؤْمِنًا بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي الْبَاطِنِ لَمْ يَكُنْ كَافِرًا فِي الْبَاطِنِ وَإِنْ أَخْطَأَ فِي التَّأْوِيلِ كَائِنًا مَا كَانَ خَطَؤُهُ؛ وَقَدْ يَكُونُ فِي بَعْضِهِمْ شُعْبَةٌ مِنْ شُعَبِ النِّفَاقِ وَلا يَكُونُ فِيهِ النِّفَاقُ الَّذِي يَكُونُ صَاحِبُهُ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ. وَمَنْ قَالَ: إنَّ الثِّنْتَيْنِ وَالسَّبْعِينَ فِرْقَةً كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَكْفُرُ كُفْرًا يَنْقُلُ عَنْ الْمِلَّةِ فَقَدْ خَالَفَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَإِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، بَلْ وَإِجْمَاعَ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَغَيْرِ الأَرْبَعَةِ فَلَيْسَ فِيهِمْ مَنْ كَفَّرَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الثِّنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَإِنَّمَا يُكَفِّرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِبَعْضِ الْمَقَالاتِ كَمَا قَدْ بُسِطَ الْكَلامُ عَلَيْهِمْ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ" مجموع الفتاوى (113/2).

وإجماع أهل السنة على عدم خلود من مات على التوحيد في النار؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في أحاديث الشفاعة: (يَا رَبِّ مَا بَقِيَ فِي النَّارِ إِلا مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ أَيْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلُودُ) (متفق عليه)، وإنما حبس القرآن المشركين.