الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الجمعة 08 سبتمبر 2006 - 15 شعبان 1427هـ

د. سليم العوا وإدمان التأويل

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

نشرت جريدة "المصريون" في عددها الصادر في 4/9/2006 هذه التصريحات للدكتور محمد سليم العوا، يعتذر فيها للأمة عن تصريحات الدكتور يوسف القرضاوي حول الشيعة، وحسن نصر الله جاء فيه ما يلي:

"في بيان أصدره الدكتور محمد سليم العوا بوصفه الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وتلقت المصريون نسخة منه ، نفى ما نشر عن القرضاوي من انتقادات للشيعة أو السيد حسن نصر الله زعيم جماعة حزب الله اللبنانية ، وقال العوا أن تصريحات القرضاوي فيما يخص التعصب الشيعي كانت "سبق لسان" مضيفا قوله: وإذا كان لفظ التعصب قد جرى على لسان فضيلته في هذا السياق فإن حقيقة المقصود به هو التمسك بالمذهب وبالآراء التي يعبر عنها أو يتبناها علماء الشيعة الإمامية، وهو أمر محمود لا عيب فيه ولا مأخذ عليه، ولم يكن ذكر التعصب إلا سبق لسان مقصوداً به معنى التمسك المحمود بالمبدأ جملة وتفصيلاً، وبخصوص اتهامات القرضاوي للشيعة بالعمل على اختراق المجتمعات السنية قال العوا: وما ذكره فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي عن رفضه لمحاولات بعض الشيعة التأثير على أفراد من أهل السنة لتحويلهم إلى المذهب الشيعي كان المقصود به تلك المحاولات الفردية غير المسؤولة التي تبث الفرقة والفتنة بين أبناء الدين الواحد في الأقطار التي غالبيتها من أهل السنة بالدعوة إلى التشيع، أو في الأقطار التي غالبيتها من الشيعة بالدعوة إلى الانتقال إلى مذاهب أهل السنة، واختتم العوا بيانه بالتحذير من فتنة الشقاق بين السنة والشيعة مضيفا قوله: إن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي يضم العلماء من المذاهب جميعاً، ولرئيسه نواب ثلاثة من الشيعة والسنة، والإباضية، يؤكد على موقفه الثابت من ضرورة وأد أي فتنة بين المسلمين في مهدها، ومن ضرورة التقريب بين أهل المذاهب الإسلامية وعلمائها وأتباعها، ومن ضرورة التعاون بين المسلمين كافة فيما اتفقوا عليه وأن يعذر بعضهم بعضاً فيما اختلفوا فيه.
نأمل أن يضع هذا البيان حداً للبحث في هذا الموضوع بعد أن تبينت أبعاده وحقيقته" ، غير أن بيان العوا خلا من الإشارة إلى اتهام القرضاوي لقيادات شيعية كبيرة بأنها تسب أصحاب النبي وتلعن كبار الصحابة وكذلك ما نسبه إليهم في محاضرته من أن بعضهم يعتبر القرآن الكريم ناقصا وأن مصحف فاطمة ـالمذكور في كتب الشيعةـ كان ضعف الموجود الآن، وكان الشيخ قد أشار في جوابه على سؤال في المحاضرة بأنه حذر قيادات الشيعة من مثل هذه الأقاويل والاعتداءات على صحابة رسول الله، جدير بالذكر أن اتهامات القرضاوي المفاجئة للقيادات الشيعية خاصة الإيرانية مثلت إحراجا لقطاع كبير من النخبة المصرية التي ترتبط بروابط فكرية وسياسية مع دوائر إيرانية وشيعية لبنانية."

ومن الواضح أن هذا الاعتذار لا يحتاج إلى تعليق وكل من سمع نص كلام القرضاوي يستحيل أن يصدق أنها سبق لسان، لقد مضى القرضاوي حوالي ربع الساعة يتكلم عن الشيعة، وعن ايران وعن نصحه للايرانيين أن يكفوا عن القول بنقص القرآن وسب الصحابة، وذكر قصة مصري من المنصورة تشيع ورد على كتاب الدكتور القرضاوي "تاريخنا المفترى عليه" بكتاب أسماه "القرضاوي وكيلا عن الله أم وكيلا عن بني أمية" إلى آخر كلامه.

ثم لما وجه له سؤال من الصحفي الإخواني الشهير محمد عبد القدوس يتسأل: هل حسن نصر الله يدين بنفس هذه الاعتقادات أم أنه غير هؤلاء الشيعة المشار إليهم ؟ أجاب القرضاوي: "لا بل مثلهم تماما متعصبا لمذهبه وبدعته ..... وكل شئ عنده يا علي يا علي يا حسين يا حسين"

إن طريقة تعامل الدكتور العوا مع تصريحات الدكتور القرضاوي تبين لنا بجلاء حقيقة المدرسة العقلانية .

فلما استدرك عليه أحد الجالسين بجواره قائلا: أليس أحسن من –كلمة غير مفهومة أظنها حكام العرب-؟" قال القرضاوي: "أحسن بكثير من القاعدين" فهل كل هذا فلتة لسان؟

وأما أن هذا يختلف عن توجهات د. يوسف القرضاوي التي تدعوا إلى التقريب، وتروج له على اعتبار أن الشيعة المعاصرين قد تراجعوا عن أخطاء اسلافهم، فهذا لا يملك الإجابة عليه إلا د.القرضاوي نفسه. والأمر من الناحية العقلية لا يتصور معه نفي الوقائع التي حكاها القرضاوي في إجاباته بالأشخاص والأمكنة والأزمنة. ولكن لا يخرج الأمر عن صورتين: إما أن يكون أحسن الظن بالشيعة المعاصرين حتي رأى منهم ما حمله على التصريح بأنهم يدينون بمذهب أسلافهم. وإما أنه كان يعلم ذلك ويحاول نفيه تشجيعا وإغراء لهم على التجاوب مع هذا النفي، ولكن لما لم يحدث صرح.

مع أنه يؤخذ على د.القرضاوي أنه مع امتلاكه المنابر الكثيرة منها موقع "إسلام أون لاين" لم يصرح بحقيقة الشيعة إلا في لقاء مع الصحفيين، ولم  يعقب بعد على الجدل الدائر حول هذه التصريحات.

إن طريقة تعامل الدكتور العوا مع تصريحات الدكتور القرضاوي تبين لنا بجلاء حقيقة المدرسة العقلانية التي ينتمي إليها وبشدة الدكتور العوا وتكشف حقيقة دعوتهم المستمرة إلى إخضاع النص للعقل مع أنه لا يمكن تعارض نص شرعي مع دليل عقلي متى صحا واستقاما. وإذا تعارض دليلان أحدهما شرعي، والآخر عقلي فإما أن التعارض وهمي، وإما أن أحدهما غير صحيح في نفسه. وهذا الذي بينه شيخ الإسلام ابن تيمية في معظم مؤلفاته حيث كان موضوع درء تعارض العقل والنقل هو القاسم المشترك بين معظم كتاباته وحمل احد كتبه المهمة هذا الاسم .

الحاصل أن المدرسة العقلانية التي تدعي إخضاع النص للعقل هو في واقع الأمر تخضع النص الشرعي لنص آخر وضعي أو لإملاء موقف أو مصلحة. وما يصنعه الدكتور العوا مع كلام الدكتور القرضاوي خير مثال على ذلك، فعلى الرغم من أن القرضاوي حي يرزق إلا أن الدكتور العوا دفاعا عن رسالة هيئة العلماء المسلمين في التقريب العاطفي بين المذاهب الإسلامية  لجأ الدكتور العوا إلى تأويل كلام الدكتور القرضاوي بأن وصفه لحسن نصر الله بالتعصب هو على سبيل المدح لا الذم، وأن محاولات الاختراق الشيعية لبلاد السنة يعني بها المحاولات الفردية الغير مسئولة لبعض أفراد الشيعة، مع أن القرضاوي ذكر شأن المصري المتشيع وأنه دائم التردد بين مصر وطهران. ولما وجد أن تصريحات القرضاوي بشأن عقيدة الشيعة الايرانيين في القرآن والصحابة تستعصي على التأويل أعرض عنها ولم يتعرض لها، وهذه هي الحيدة قرينة التأويل عند المعتزلة القدماء منهم والمعاصرين، ولا تختلف طريقة تعاملهم مع أي نص كان من نصوص الوحي أو من نصوص غيره.

 فتذكر جيدا ملخص طريقتهم، وهو تقديم نص دخيل على نص يزعمون الخضوع له، ثم تأويل ذلك النص الأصل ليخضع للنص الدخيل، ومتى عجزوا عن التأويل حادوا عن الجواب، وما يزيدون على ترديد نصهم الدخيل الذي تمليه عليهم شبهات عقلية أو مصالح متوهمة.