الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الإثنين 22 سبتمبر 2025 - 30 ربيع الأول 1447هـ

نصائح وضوابط إصلاحية (60)

كتبه/ سامح بسيوني

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

أمور يجب مراعاتها عند العمل على اكتشاف الطاقات وتوظيفها:

- اختلاف الطبائع بين الأفراد:

لا شك أن الطبائع تختلف بين الأفراد وَفْقًا لاختلاف ظروف التنشئة والتربية، والمجتمع والبيئة المحيطة، والمستوى التعليمي، والوضع الأسري، إلخ؛ لذا يجب التميز بين الطبع والتطبع.

فالطبع: هو ما جُبِلَ عليه الإنسان ويمثِّل تقريبًا نسبة 3 - 10 % من الموروث، بينما التطبع: تكلُّف ما لم يُجبل عليه الإنسان، وهو مكتسب يمكن تحصيله بالتدريب والتأهيل والمجاهدة للنفس، وقد ورد بيان مثل ذلك في حديث أشج عبد القيس، ولفظه: (إِنَّ فِيكَ خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ، ‌الْحِلْمُ ‌وَالْأَنَاةُ) قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا أَتَخَلَّقُ بِهِمَا أَمُ اللَّهُ جَبَلَنِي عَلَيْهِمَا؟ قَالَ: (بَلِ اللَّهُ جَبَلَكَ عَلَيْهِمَا)، قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَبَلَنِي عَلَى خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ. (رواه مسلم).

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَإِنَّمَا الْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، مَنْ يَتَحَرَّى الْخَيْرَ يُعْطَهُ، ‌وَمَنْ ‌يَتَّقِ ‌الشَّرَّ ‌يُوقَهُ) (رواه الطبراني في الأوسط، وصححه الألباني).

وفي هذا بيان أن هناك جانبًا في الطبع مكتسبًا يمكن للإنسان تحصيله من خلال التأهيل والتدريب، والمجاهدة والمداومة على اكتسابه؛ ولذلك يجب التميز الجيد بين العادات والطبائع الجبلية المحمودة والتي يمكن الاستفادة منها مباشرة من الفرد، وبين العادات والطبائع التي تحتاج إلى تغيير عبر مسارات التدريب والتأهيل والمجاهدة؛ حتى يصل الفرد إلى المستوى المطلوب منه ككادر.

- الاهتمام بتحديد نقاط التميز في الشخصية مع حسن استغلالها:

معرفة الرجال بعمقٍ من أدق أعمال القيادة في المؤسسة الإصلاحية، وأكثرها تأثيرًا في حسن استغلال المتاح من الإمكانات البشرية وحسن التوظيف لها عبر وضعها في المكان الذي يمكنهم أن يقدموا فيه أفضل ما لديهم لخدمة الأهداف الإصلاحية للمؤسسة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- كان له قصب السبق في ذلك؛ كما مرَّ معنا من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (‌أَرْحَمُ ‌أُمَّتِي ‌بِأُمَّتِي ‌أَبُو ‌بَكْرٍ، وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالحَلَالِ وَالحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَقْرَؤُهُمْ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).

فقد بيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما لكل واحد منهم من خصلة أُفرد بها لم يلحقه فيها صاحبه، فكل واحد منهم رأس في خصلة من خصال الخير، ولهذا جيء باسم التفضيل؛ مع أن هؤلاء من رؤوس الصحابة وأعيانهم، وكل واحد منهم قد يشترك في هذه الصفات؛ إلا أنه فيما خُص به أعلى من غيره في الاتصاف بتلك الصفة، وهو في الاتصاف بما خص به غيره أنقص؛ فكون كل فرد له ميزة تميزه أكثر من غيره، فهذا مفيد جدًّا في ترتيب الأولويات في التكليف بالمهام للأفراد وَفْقًا لنقاط التميز والقوة بما يعود على الجميع بحسن الأداء والاستمرارية؛ كما كان من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- من تنظيم الأعمال وتحديد المسئوليات كما روي عنه في قوله: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ الْقُرْآنِ، فَلْيَأْتِ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ ‌يَسْأَلَ ‌عَنِ ‌الْفَرَائِضِ ‌فَلْيَأْتِ ‌زَيْدَ ‌بْنَ ‌ثَابِتٍ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ الْفِقْهِ فَلْيَأْتِ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ الْمَالِ فَلَيَأْتِنِي، فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَنِي لَهُ وَالِيًا وَقَاسِمًا" (أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه).

وللحديث بقية -إن شاء الله-.