كتبه/ إسلام صبري
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فترى كثيرًا من العتاب واللوم يلقيه الكثيرون؛ فهذا يشكو جراحَ صديق، وهذا يتألم من جفاء حبيب، وذاك يتحسّرُ من قِلَّة المنفِقين، وآخر يتمنى أن يكون الأتباعُ له مطيعين، وغيره يتبرم من قسوة قائده وعدم رعايته له بالرفق واللين، وغير ذلك كثير مما لا تخطئه عين الفطن اللبيب.
وليس المقصود بحث هذا الشعور؛ أهو شعورُ مخطئٍ أو مصيب، بل البحث عن أسباب ذلك والوصول إلى طرق الوقاية، وسبل العلاج والتهذيب.
فسبب الشكوى هو الطمع فيما عند الناس من مالٍ، أو جاهٍ، أو منصبٍ، أو ما ينتظره منه من مبادلته الحب والمودة والبذل والعطاء.
وعلاج ذلك هو اليأس عمَّا في أيدي الناس؛ أن تقطع رجاءك بما عند الناس فإن أثنَوْا فقد كنتَ لا تنتظر ثناءهم، وإن ذمَّوا فلا تلتفتن إلا إلى مكانك عند الله ما هو؟ وإن رقُّوا فخيرٌ ساقه الله إليك، وإن قسَوْا فرحمة الله بك خيرٌ لك وأوسع.
وقد أرشدنا إلى ذلك رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم-، كما في الحديث عن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه-: أن رجلًا طلب من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يعلمَه ويوجز، فقال: عِظْنِي وَأَوْجِزْ، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا قُمْتَ فِي صَلَاتِكَ فَصَلِّ صَلَاةَ مُوَدِّعٍ، وَلَا تَكَلَّمْ بِكَلَامٍ تَعْتَذِرُ مِنْهُ غَدًا، وَاجْمَعِ الْإِيَاسَ مِمَّا فِي يَدَيِ النَّاسِ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).
ولك أن تتدبر تلك القصص التالية لتدرك سببًا آخر من أسباب تلك الشكوى وهذه الأوجاع؛ جاء في قصص العرب: أن سائلًا ألح على أعرابي أن يعطيه حاجةً لوجــه الله، فقال الأعرابي: والله ليس عندي ما أعطيه للغير... فالذي عندي أنا أولى الناس به وأحق! فقال السـائل: أين الذين كانوا يؤثرون الفقير على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة؟ فقال الأعرابي: ذهبوا مع الذين لا يسألون الناس إلحافًا.
وهذه القصة وإن كانت مشهورة في قصص العرب بلا إسناد؛ إلا أن موقف عبد الرحمن بن عوف مع سعد بن الربيع لما آخى بينهما النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما يدل على المقصود؛ حيث إن عبد الرحمن رضي الله عنه- قابل إكرامَ سعدٍ الجزيلَ الذي لا يمكن أن يُتصوَّر -لولا صحة السند- بعفةٍ منقطعةِ النظير، واعتماد على النفس، وسعي على أسباب الرزق، فيوجد نموذج سعد المعطاء الباذل مع وجود نموذج عبد الرحمن العفيف المتعفف -رضي الله عنهما- وعن سائر الصحابة أجمعين.
ومن هنا تعلم فطنة المرأة العاقلة التي نصحت ابنتها عند زواجها، فقالت لها: "كوني له أمةً يكن لك عبدًا"، وقول البعض ناصحًا أخاه عند زواجه: "إذا أردتها خديجة فكن لها محمدًا" أي: في الاقتداء في الخُلُق والمعاملة.
فقبل أن تشكوَ آلام مَن فارقك، انظر هل آلمتَه أنت قبل دون أن تشعر، وارجع على نفسك باللوم والعتاب، واستغفر من ذنب ومن تقصير ثم ايْأسنَّ عما عند الناس تكن أغنى الناس.
وإذا أردت من زوجتك بذل حقوقك؛ فابذل حقوقها أنت كذلك فلهن مثل الذي عليهن بالمعروف.
وإذا أردت رؤيةَ قائدٍ رفيق، فعليك أن تكون جنديًا مطيعًا.
وإذا شكى الناس ظلم حاكمٍ أو ضيق رزقٍ، فنبههم إلى التوبة وترك الذنوب، وبذل الحقوق التي يستطيعون بذلها ولا يفعلون؛ فكما روي: "كيفما تكونوا يولَّ عليكم".
وهلمّ جرًّا، والقائمة تطول، والإشارة تكفي لذوي الألباب والعقول.
والمقصود: أن تكامل الأخلاق في المجتمع بين أفراده، وتكاملها عند الشخص نفسه، ثم اليأس مما عند الناس يُذهب الشكوى لغير الله، ويُغني المرء عما سوى الله.