كتبه/ إسلام صبري
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فإذا بلغ الإنسان من العمر أربعين ربيعًا، انتابه شعور بأنه قد غادر مرحلة الشباب ودخل في مرحلة جديدة، وهذا قد يسبب -أحيانًا- للبعض ممن بلغ عمر الأربعين بعض ما يسميه الأطباء: (أزمة منتصف العمر)؛ فيبدأ يشعر بشيء من اللا مبالاة، أو فقدان الشغف، وفقدان الرضا، وغير ذلك مما أطال الأطباء في ذكره، وأطنبوا في توضيحه وشرحه.
وإذا نظرنا إلى الآية التي في سورة الأحقاف والتي تحدثت عن هذا العمر في قوله تعالى-: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (الأحقاف: ??)؛ وجدنا أن المؤمن يشعر بنعم الله عليه الكثيرة المتتابعة من نعم الدِّين والدنيا، من الهداية والعافية، وكمال العقل، ووفور الحكمة، ووجود الأولاد والأهل والأموال، وغير ذلك؛ فإذا به يطلب من ربه -تبارك وتعالى- أن يلهمه الشكر على هذه النعم التي أنعم الله بها عليه وعلى والديه من الغنى والثروة، ومن التحنّنِ عليه منهما حتى ربياه، وغير ذلك من عموم النعم -كما ذكر المفسِّرون ذلك-.
والآية الكريمة تحدثت عن مراحل الإنسان: مرحلة الحمل ووضعه جنينًا ومن ثَمّ طفولته، ثم مرحلة بلوغ الأشدّ؛ قيل فيها: عمر الثمانية عشرة عامًا. وقيل: هي نفسها عمر الأربعين، ثم عمر الأربعين، ثم ما زاد على ذلك في قوله -تعالى-: (وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ) قال المفسرون: أي: في المستقبل.
الإنسان يبلغ غالبًا عند عمر الخامسة عشرة سنة أو حوله، فالذي بلغ الأربعين عاش خمسة وعشرين عامًا تقريبًا مكلفًا بتكاليف الإسلام، وعمر أمته -صلى الله عليه وسلم- ما بين الستين إلى السبعين وقليل من يتجاوز ذلك، ومتوسط ما بين الستين والسبعين هو خمسة وستون، أي: خمسة وعشرون عامًا أخرى بعد الأربعين؛ ولذلك -كما قلنا- يسمي الأطباء بعض الأعراض غير المستقيمة قليلًا عند عمر الأربعين من فقدان الشغف، أو قلة الرضا، وتعكر المزاج: بـ"أزمة منتصف العمر"؛ لأن عمر الأربعين هو منتصف عمر الإنسان.
لكن في القرآن أن بلوغ الأربعين يستوجب شكر النعمة، فبلوغ الأربعين في الحقيقة هو في حد ذاته نعمة من الله -عز وجل-؛ فقد بلغ الإنسان عمرًا يمتاز بكمال العقل ووفور الفهم وسعة الحلم؛ لذلك علينا أن نسمي هذه المرحلة: "فرصة منتصف العمر"؛ لأن من بلغها فقد جمع بين خبرة السابق وكمال الفهم، ووفور العقل، والقوة والعزيمة في الأداء والجهد؛ فهو عمر الانطلاق، ومزيد العطاء، وكثرة الاجتهاد، وحب الاستدراك، والحرص على صلاح القلب، والسعي في إرضاء الربِّ، والزهد في الدنيا، والإقبال على الآخرة، وتذكر الموت بظهور الشيب، والاستعداد للرحيل بترْك العيْب.
هو عمر بعث فيه النبي صلى الله عليه وسلم -وقيل: وكذلك الأنبياء-؛ فبدأ رحلة الدعوة إلى الله -تعالى-، فقام ودعا، وصلى وصام، وصبر على الأذى، وهاجر وجاهد في سبيل الله، وعلَّم وقضَى، ودعائمَ الدولة قد وضع وأرْسى، وراسل الملوك، وحج واعتمر، وخطب ووعظ، وبذل كل ما في وسعه في طاعة الله -تعالى- حتى مات صلى الله عليه وسلم وقضى.
والمقصود أن عمر الأربعين فرصة عظيمة لمن أراد التوبة والاستدراك، والبذل والعطاء.
فشمِّر أيها المسلم.. يا مَن بلغت الأربعين -أو قاربت- عن سواعد الجد والاجتهاد، وقم واعمل وابذل كل ما في الإمكان، فإنك في فرصة منتصف العمر، والتي كان يبعث فيها الأنبياء، ولا تركنن للدنيا ولا تترك نفسك للوساوس والتهيؤات؛ فأنت في فرصة ذهبية تستطيع استغلالها في التعلُّم والتعليم، والدعوة إلى الله -تعالى-، والسير في طريقه المستقيم.
وفقنا الله وإياك إلى ما يحبه الله ويرضاه.