الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الثلاثاء 05 نوفمبر 2024 - 3 جمادى الأولى 1446هـ

فَاستَمسِك بِالَّذي أوحِيَ إِلَيكَ

كتبه/ خالد آل رحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقد أمر الله -تعالى- نبيَّه -صلى الله عليه وسلم- بالاستمساك بالوحي بقوله: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الزخرف: 43).

والأمر من الله لنبيِّه بالاستمساك بالوحي مع التأكيد بأنَّ هذا هو الصراط المستقيم.

قال الدرويش: "أي: إن علمتَ هذا وتأكدتَ منه فاستمسك به".

وقال العثيمين: "إذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُحث على ذلك فنحن من باب أولى".

وكثيرًا في القرآن ما نبَّه -تعالى- نبيَّه على أنَّه على الصراط المستقيم، كما في قوله -تعالى-: (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ) (النمل: 79)، وقوله -تعالى-: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الشورى: 52).

وقوله: (بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ) قيل: هو القرآن. وقيل: الإسلام.

قال ابن عاشور: "والاستمساك: شدة المسك، فالسين والتاء للتأكيد، والأمر به مستعمل في طلب الدوام والثبات والتمسك به، ولذلك أُيِّد طلب الاستمساك بقوله -تعالى-: (إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)؛ ليفيد أنَّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- راسخ في الاهتداء إلى مراد الله -تعالى-، كما يتمكن السائر من طريق مستقيم لا يشوبه في سَيْرِه تردد في سلوكه، ولا خشية الضلال في بنياته".

قال السعدي: "فاستمسك أي: فعلًا واتصافًا به، ودعوةً إليه، وحرصًا على تنفيذه في نفسك وغيرك".

كما في قوله -تعالى-: (وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (المؤمنون: 73)، وقوله -تعالى-:
(ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) (الجاثية: 18).

والاستمساك بالوحي واتباعه هو معراج الوصول إلى خيري الدنيا والآخرة، ومن كان كذلك فليطمئن فإنه على الطريق الراشد والدرب القويم؛ فإن علم المؤمن وأيقن أنَّ هذا الصراط مستقيم لا اعوجاج فيه أورثه ذلك طمأنينة وراحة يواجه بها عوائق هذا الطريق.

ولذلك لمَّا كان الصحابة في جاهلية جهلاء كَبقية العرب لم يصلحهم بأمر الله -تعالى- إلا الوحي؛ فاستمسكوا به واهتدوا بهديِه، ووقفوا عند حدوده، وحكَّموه في أنفسهم، فأصبحوا صالحين مصلحين.

ومن علم صعوبة الطريق ووعورته وكثرة المخالفين، كان لا بد له من الاستمساك بالحق واليقين أنَّه هو الصراط المستقيم.

قال البقاعي: "لمَّا كان المُقام لكثرة المخالف محتاجًا إلى تأكيد يطيب خواطر الأتباع ويحملهم على حسن الاتباع؛ علَّل ذلك بقوله: (إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُستَقيمٍ) أي: طريق واسع واضح موصل إلى المقصد لا يصح أصلًا أن يلحقه شيء من عوج، فإذا فعلتَ ذلك لم يضرك شيء من نقمتهم".

والله من وراء القصد.