الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 8 شوال 1445هـ

خذوا ما آتيناكم بقوة (من تراث الدعوة)

كتبه/ محمد عبد الفتاح أبو إدريس  

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فإننا إذا تأملنا ما يجري للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وتدبرنا ما يعد ويحاك من مؤامرات ضدهم، والأمثلة في ذلك كثيرة: كحرب الخليج وما تلتها من نتائج، والقضية الأفغانية، وما يراد لها من نهاية يقطف فيها الثمرة من لم يزرعها ولم يروها.

والقضية الفلسطينية وعرضها على موائد اللئام وما يجري في بورما وأريتريا، والبوسنة والهرسك، والجزائر وليبيا، وسائر بلاد المسلمين؛ لوجدنا أن مجتمعاتنا الإسلامية تنحدر إلى هاوية سحيقة في عقائدها.. في ولائها.. في عباداتها.. في أخلاقها.. في كل شئون حياتها، وذلك على حسب نصيبه وما يقرر له في النظام العالمي الجديد؟!

إن نظرة واحدة لما جرى في شهر الصوم، وكيف قضي المسلمين أوقاتهم بلا وعي أمام جهاز الافساد دون شعور منهم بما يدمره في عقولهم وأخلاقهم وقلوبهم، لكافية في التأمل في حال المسلمين.

لقد أصبحت الفاحشة ترتكب علانية في ميدان عام أمام العشرات، بل المئات.. بلا خوف أن يتحرك ساكن لمن ينظر إليها، ثم يقال عن ذلك: إنه أمر عادي يتكرر!

إن كثيرًا من شباب الأمة يترنح بين الفيديو والمخدرات وأصدقاء السوء من شياطين الإنس والجن، ويلهث  نساؤها خلف موضات الغرب الملحد دون أن يجد هذا أو ذاك من يرده إلى صوابه وإلى طريق مستقيم.

أمتنا في أزمة:

يشعر بهذا كل مسلم ويتألم قلبه إن لم ينفطر حزنًا وكمدًا ثم يمر على هذه الظواهر كأن شيئًا من ذلك لا يعنيه، نحن جميعًا نحتاج إلى رحمة الله حتى لا يصيبنا الشيطان في مقتل، وكأن القلوب على شفا الغرق في أمواج الفتن فإن كنا قد استشعرنا بمدى المصائب والآلام والنكبات التي ألمت بأمتنا، فلا شك أن عطاء الدعوة إلى الله لا يتناسب مع هذه المحنة.

أين أثر الصحوة في المجتمع؟

هل يتصور أن يوجد مصباح منير في مكان مظلم ثم لا يستنير المكان مهما حاولتْ بعض ذرات التراب أن تخفي ضوءه؟

لقد حكم الله في هذه القضية حكمًا لا يتبدل ولا يتغير، فطالما وجد الحق فلا بد أن يظهر أثره وينير الطريق لمن ضل، (‌يُرِيدُونَ ‌أَنْ ‌يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (التوبة: 32)، (‌وَقُلْ ‌جَاءَ ‌الْحَقُّ ‌وَزَهَقَ ‌الْبَاطِلُ ‌إِنَّ ‌الْبَاطِلَ ‌كَانَ ‌زَهُوقًا) (الإسراء: 81)، (قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ ‌الْبَاطِلُ ‌وَمَا ‌يُعِيدُ) (سبأ: 49).

انظر حولك فإن كنا حقًّا أصحاب هذا الحق، وحاملي هذا النور -نور الكتاب والسنة- فلينظر كل منا حوله ليعرف أثره في مجتمعه الصغير والكبير، وهل ظهر أثر لوجوده بينهم أم لا؟

انظر في أسرتك وأقاربك: كم رجل وامرأة منهم لا يزال أسير شهواته بعيدًا عن الإسلام الصحيح، وأنت لم تبلغه وتكرر عليه دعوة الحق والالتزام بالهدي الظاهر والباطن؟!

انظر إلى جيرانك: كم رأيت من بعضهم انحرافًا في السلوك ولم يتحرك لسانك لدعوتهم ولا همتك لإنقاذهم؟

انظر إلى الشباب على ناصية كل طريق: وأنت غاد ورائح أمامهم، هل فكرت في دعوتهم؟

هل فكرت في وسيلة لدعوة عشرات المتبرجات للاحتشام والتستر من غير فتنة نفسك؟

كم ترى في وسائل المواصلات من منكرات وأنت ساكت عنها ولم تزد على الحوقلة والاسترجاع؟

انظر في مسجدك الذي تداوم فيه على صلاة الجماعة، هل تهتم بالرواد الجدد؟! تتعرف عليهم، وتتفقدهم إذا غابوا لمرض -أو غيره- فتذهب لزيارتهم، وتشد من أزرهم، وطلب العلم وحفظ القرآن؟

ثم انظر إلى حال نفسك: منذ متى لم تزد حصيلتك من القرآن حفظًا وتلاوة ومراجعة وفهمًا وتدبرًا؟ هل لك منهج علمي وعملي في أفرع العلم المختلفة؟ هل قرأت كتابًا إلى نهايته في السُّنة أو الفقه أو التوحيد؟ هل أنت مواظب على حضور دروس العلم؟ هل تصطحب في طريقك إلى الدرس أخًا جديدًا للاستفادة والتعود على المواظبة في طلب العلم الشريف؟

وداعًا للسلبية...

لا بد لنا من وقفة مع أنفسنا لنغير ما بنا ليغير الله ما نزل بنا من بلاء: (‌إِنَّ ‌اللَّهَ ‌لَا ‌يُغَيِّرُ ‌مَا ‌بِقَوْمٍ ‌حَتَّى ‌يُغَيِّرُوا ‌مَا ‌بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد: 11)، نريد أن نلتزم هذا الأمر الإلهي: (‌خُذُوا ‌مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ) (البقرة: 63)، نريد قوة في العلم، حفظًا للقرآن، علمًا بالسنة، تطبيقًا للمعاملات الشرعية، نريد قوة في الدعوة إلى الله، أمرًا بالمعروف ونهيًا عن المنكر -بالحكمة والموعظة الحسنة-، ولا يخدعنك الشيطان بالتوقف عن النصح بالموعظة الحسنة خوفًا من الفتنة، فأي فتنة هذه في الكلمة الطيبة، والأسلوب المهذب مع التبسم في وجه من تدعوه، بعيدًا عن الممارسات التي نرفضها ونأباها من البعض؟!

- نريد قوة في روابط الأخوة والمحبة بيننا ليشتد تماسكنا وتعاطفنا وترابطنا وتنصحنا.

- نريد أن نصدع بالحق في كل مكان مع الصدق والإخلاص في القول والعمل.

- نريد ألا ننسى أن الأجيال القادمة أمانة في أعناق الأجيال الحاضرة، فإما أن نتركهم فريسة سهلة للعدو، وإما أن نسلمهم أمانة الإسلام عزيزة مرفوعة ناصعة لا غش فيها ولا دخن.

وأخيرًا: لا تلقِ باللوم على الآخرين، نحن جميعًا المقصودون بهذا الحديث، ولنبدأ في تغير أنفسنا

من هذه اللحظة، ولننطلق إلى عمل صالح من غير تسويف.

تقبل الله منا ومنكم.