الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأحد 07 أبريل 2024 - 28 رمضان 1445هـ

لا يستوون عند الله (2)

كتبه/ أحمد مسعود الفقي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقد قال الله -تعالى-: (‌وَمَا ‌يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ . وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ . وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ . وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُور) (فاطر: 19-22).

يخبر الله -عز وجل- في هذه الآيات: أنه لا يتساوى الأضداد في حكمة الله -تعالى-، وفيما أودعه في فطر عباده، وهذا مثل ضربه الله -عز وجل- للمؤمنين والكافرين، فالمؤمن سميع بصير، في نور يمشي على صراط مستقيم في الدنيا والآخرة، حتى يستقر به الحال في الجنات ذات الظلال والعيون، والكافر أعمى وأصم في ظلمات يمشي لا خروج له منها، بل هو يتيه في غيه وضلاله في الدنيا والآخرة، حتى يفضي به الحال إلى الحرور والسموم، والحميم في الجحيم.

ويدعو الله عباده للتفكر والتعقل بضرب الأمثال لهم في القرآن الكريم؛ ليقرب لهم المعنى المراد من أنه لا يستوي العبد المؤمن والكافر بأي حال من الأحوال؛ قال -تعالى-: (‌وَيَضْرِبُ ‌اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (إبراهيم: 25)، وقال -تعالى-: (‌وَتِلْكَ ‌الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (الحشر: 21).

وقال -تعالى-: (‌ضَرَبَ ‌اللَّهُ ‌مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) (الزمر: 29)؛ هذا مثل ضربه الله -تعالى- للعبد الذي له عدة أسياد يتنازعون في ذلك العبد فهذا يأمره وهذا ينهاه؛ كذلك حال المشرك الذي يعبد آلهة مع الله، فهو في حيرة وتخبط وتردد، فلا يزال شقيًّا لا يستطيع أن يرضي واحدًا منهم، أما العبد المؤمن بالله وحده المخلص له ليس له إلا هو فهو يعبده وحده ولا يشرك به شيئًا، ويطيعه وحده، وكل عمله له وحده؛ فأين هذا من ذاك؟! يقينًا لا يستوون.

وقال تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا ‌رِزْقًا ‌حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) (النحل: 75).

قال الإمام الطبري -رحمه الله تعالى-: "يقول -تعالى- ذكره: وشَبَّه لكم شَبهًا أيها الناس للكافر من عبيده، والمؤمن به منهم؛ فأما الكافر: فإنه لا يعمل بطاعة الله ولا يأتي خيرًا ولا ينفق في شيء من سبيل الله مالًا لغلبة خذلان الله عليه، وأما المؤمن بالله فإنه يعمل بطاعة الله، وينفق في سبيل الله ماله كالحر الذي آتاه الله مالا فهو ينفق منه سرًّا وجهرًا؛ هل يستوي العبد الذي لا يملك شيئًا ولا يقدر عليه وهذا الحرّ الذي قد رزقه الله رزقًا حسنًا فهو ينفق كما وَصَف؟! فكذلك لا يستوي الكافر العامل بمعاصي الله المخالف أمره، والمؤمن العامل بطاعته الممتثل أمره، والفرق بينهما واضح وظاهر وجلي، لا يجهله إلا كل غبي.

وللحديث بقية -إن قدَّر الله البقاء واللقاء-.