كتبه/ محمد خلف
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فعن مطرف عن أبيه: أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يَقُولُ: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ) قال: (يَقُولُ ابْنُ آدَمَ: مَالِي مَالِي، وَهَلْ لَكَ مِنْ مَالِكَ إِلَّا مَا تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ، أَوْ أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ؟!) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
قوله -صلى الله عليه وسلم-: (وَهَلْ لَكَ مِنْ مَالِكَ) أي: هل يحصل لك من المال وينفعك في المال ( إِلَّا مَا تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ) أي: فأمضيته وأبقيته لنفسك يوم الجزاء، قال -تعالى-: (مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ) (النحل: 96)، وقال -عز وجل-: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (البقرة: 245). (انظر: تحفة الأحوذي).
وفي الحديث أيضًا عن عائشة -رضي الله عنها-: أَنَّهُمْ ذَبَحُوا شَاةً، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: (مَا بَقِيَ مِنْهَا؟) قَالَتْ: مَا بَقِيَ مِنْهَا إِلَّا كَتِفُهَا. قَالَ: (بَقِيَ كُلُّهَا غَيْرَ كَتِفِهَا) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، فعلَّمها النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الذي تبقى هو الذي تُصدق به والذي سيفنى الذي سيأكل، فمن أراد ادخارًا واستثمارًا دائم الأجل -بإذن الله-، عظيم الأثر ليس في الآخرة وحسب، بل في الدنيا؛ فعليه بالصدقة، كما قال -سبحانه وبحمده-: (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (سبأ: 39).
(فَهُوَ يُخْلِفُهُ) فلا تتوهموا أن الإنفاق مما ينقص الرزق، بل وعد بالخلف للمنفِق، الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، (وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) فاطلبوا الرزق منه، واسعوا في الأسباب التي أمركم بها. (تفسير السعدي).
وكذا في الحديث الذي رواه البخاري -رحمه الله- في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (مَا مِن يَومٍ يُصْبِحُ العِبادُ فِيهِ، إلّا مَلَكانِ يَنْزِلانِ، فيَقولُ أحَدُهُما: اللَّهُمَّ أعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، ويقولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا) (متفق عليه).
فما أحوجنا في أيامنا هذه التي كثرت فيها الحاجة، وشاع وفشى فيها الغلاء إلى كثرة الصدقة ومساعدة المسلمين، والسعي في حوائجهم ولو بالقليل؛ فلا تحقرن من المعروف شيئًا ولو بالقليل؛ فقد يسبق القليل غيره من الكثير، كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: (سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ)، قَالُوا: وَكَيْفَ؟ قَالَ: (كَانَ لِرَجُلٍ دِرْهَمَانِ تَصَدَّقَ بِأَحَدِهِمَا، وَانْطَلَقَ رَجُلٌ إِلَى عُرْضِ مَالِهِ فَأَخَذَ مِنْهُ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَتَصَدَّقَ بِهَا) (رواه النسائي، وحسنه الألباني).
وهذا القليل ينميه ويضاعفه لك الغني الكريم لك حتى تصير صدقتك كالجبل في الأجر والوزن، كما في الحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَن تَصَدَّقَ بعَدْلِ تَمْرَةٍ مِن كَسْبٍ طَيِّبٍ، ولا يَقْبَلُ اللَّهُ إلّا الطَّيِّبَ، وإنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُها بيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيها لِصاحِبِهِ، كما يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، حتّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ) (متفق عليه).
فاللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وأغننا بفضلك عمَّن سواك، وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.