الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأربعاء 27 ديسمبر 2023 - 14 جمادى الثانية 1445هـ

كيف عامل النبي - صلى الله عليه وسلم- يهود؟ (موعظة الأسبوع) (1) بداية التعامل

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

مقدمة:

- الإشارة إلى الأحداث في فلسطين، وتعرُّض إخواننا في غزة للإبادة والمجازر الوحشية على يد اليهود الملاعين.

- وجوب المناصرة لهم بكل ممكن، ولو بالكلمة والمشاركة الوجدانية: كان القائد المسلم " نور الدين محمود زنكي" يقول: "إني لأستحيي من الله -تعالى- أن يراني مبتسمًا والمسلمون محاصَرون بالفرنج!". وكان "صلاح الدين الأيوبي" يقول: "كيف يطيب لي الفرح والطعام ولذة المنام، وبيتُ المقدس بأيدي الصليبين؟!" (الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية).

- من هذا الباب ستكون لنا سلسلة أحاديث من باب المناصرة لقضية المسجد الأقصى، وأرض فلسطين المباركة، بإثارة النفوس نحو زيادة البغض للمعتدين -اليهود المغضوب عليهم- من خلال عرض صفحات من تاريخهم المظلم مع نبينا الكريم -صلى الله عليه وسلم-، وكيف عاملهم النبي - صلى الله عليه وسلم- في كل الظروف؛ ليكون ذلك سراجًا لنا نسير به على طريق التعامل مع هؤلاء المغضوب عليهم.

(1) حال اليهود قبل هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة:

- كان يهود قد انحازوا بعد الاضطهاد الآشوري والروماني إلى الجزيرة العربية؛ واصطبغوا بالعربية ظاهرًا لمصلحتهم، ومع ذلك فقد كانوا يحتقرون العرب ويفتخرون عليهم: قال -تعالى- عنهم: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران:75). (وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ) (البقرة:89).

- عرفت يهود بأنهم مهرة في فنون الكسب والمعيشة، وتجارة الخمور، وأنهم رؤوس في المعاملات الربوية؛ فقد أغروا العرب بالقروض الربوية حتى أعجزوا كثيرًا منهم عن السداد، فاضطروهم إلى بيع أملاكهم وأرضهم لهم، وكانوا رؤوسًا في إشعال الحروب بين القبائل العربية؛ حتى لا يجتمع للعرب قوة موحَّدة يومًا.

- وأما الناحية الدينية فقد كانوا منغلقين على أنفسهم -بزعم أنهم شعب الله المختار!-: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) (المائدة: 18).

(2) طريقة معاملة النبي -صلى الله عليه وسلم- لهم في نقاط:

- عندما وصل النبي -صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة؛ وجد ثلاث قبائل يهودية تسكن المدينة مع أهلها؛ وهم: بنو قينقاع، وبنو النضير، وبنو قريظة، كما كان في شمال المدينة تجمع يهود خيبر.

- بدأ النبي -صلى الله عليه وسلم- في دعوتهم؛ جماعات وأفرادًا، وكان أول من جاءه من اليهود "عبد الله بن سلام "-رضي الله عنه-، وسأله عددًا من الأسئلة ليتثبت من كونه نبيًّا مرسلًا، ثم أعلن إسلامه، وأسلم من بعده عدد قليل جدًّا من اليهود، لكن الأكثر منهم ظلوا على كفرهم: فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَلَامٍ بَلَغَهُ مَقْدَمُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ، فَأَتَاهُ يَسْأَلُهُ عَنْ أَشْيَاءَ، فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا نَبِيٌّ: مَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ؟ وَمَا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ؟ وَمَا بَالُ الْوَلَدِ يَنْزِعُ إِلَى أَبِيهِ أَوْ إِلَى أُمِّهِ؟ قَالَ: (أَخْبَرَنِي بِهِ جِبْرِيلُ آنِفًا) قَالَ ابْنُ سَلَامٍ: ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، قَالَ: (أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُهُمْ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ، وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ الْحُوتِ، وَأَمَّا الْوَلَدُ: فَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ نَزَعَ الْوَلَدَ، وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ نَزَعَتِ الْوَلَدَ) قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ، فَاسْأَلْهُمْ عَنِّي قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِي، فَجَاءَتِ الْيَهُودُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: (أَيُّ رَجُلٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ فِيكُمْ؟) قَالُوا: خَيْرُنَا وَابْنُ خَيْرِنَا، وَأَفْضَلُنَا وَابْنُ أَفْضَلِنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: (‌أَرَأَيْتُمْ ‌إِنْ ‌أَسْلَمَ ‌عَبْدُ ‌اللهِ ‌بْنُ ‌سَلَامٍ) قَالُوا: أَعَاذَهُ اللهُ مِنْ ذَلِكَ، فَأَعَادَ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ عَبْدُ اللهِ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، قَالُوا: شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا، وَتَنَقَّصُوهُ! قَالَ: هَذَا كُنْتُ أَخَافُ يَا رَسُولَ اللهِ. (رواه البخاري).

وجعل النبي -صلى الله عليه وسلم - يقول لهم: (يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، وَيْلَكُمُ، اتَّقُوا اللهَ فَوَاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ حَقًّا، ‌وَأَنِّي ‌جِئْتُكُمْ ‌بِحَقٍّ، ‌فَأَسْلِمُوا قَالُوا: مَا نَعْلَمُهُ).

- لم يتجه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى سياسة الإبعاد والمخاصمة، حيث إنهم لم يظهروا عداوة للمسلمين، ولم يكن لهم مطالب إلا أن يتركهم النبي -صلى الله عليه وسلم- على دينهم ووضعهم، فأقر لهم ذلك؛ لا سيما وأن هناك عدوًّا يسبب للمسلمين قلقًا بصفة دائمة، وهم مشركو مكة ومَن وافقهم مِن قبائل العرب؛ فأراد أن يتفرغ لذلك.

- عمل النبي -صلى الله عليه وسلم- على تأليف قلوب اليهود بعددٍ من الأمور، نذكر منها:

1- صلاته -صلى الله عليه وسلم- إلى بيت المقدس سبعة عشر شهرًا(1): عن البراء قال: "‌صَلَّيْنَا ‌مَعَ ‌رَسُولِ ‌اللهِ -صلى الله عليه وسلم- نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ صُرِفْنَا نَحْوَ الْكَعْبَةِ" (متفق عليه).

2- صيامه -صلى الله عليه وسلم- يوم عاشوراء: عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: إنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- قَدِمَ المَدِينَةَ فَوَجَدَ اليَهُودَ صِيَامًا، يَومَ عَاشُورَاءَ، فَقالَ لهمْ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ-: (ما هذا اليَوْمُ الذي تَصُومُونَهُ؟) فَقالوا: هذا يَوْمٌ عَظِيمٌ، أَنْجَى اللَّهُ فيه مُوسَى وَقَوْمَهُ، وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا، فَنَحْنُ نَصُومُهُ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ-: (فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بمُوسَى مِنكُم) فَصَامَهُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- وَأَمَرَ بصِيَامِهِ. (رواه مسلم).

3- إبرامه -صلى الله عليه وسلم- معاهدة بينه وبين يهود؛ ومن أهم بنود هذه المعاهدة:

- أن اليهود جزء من مجتمع المدينة.

- حقُّ التّملّك وحفظ حقوقهم المالية؛ من تملك، وبيع وشراء، وغيرها.

- أن يتعاون اليهود مع المسلمين في الحفاظ على أمن المدينة وسلامتها وحمايتها من كلِّ عدوان خارجي.

- القضاء بينهم بقضاء دينهم؛ طالما لم يكن هناك طرف مسلمٌ في القضيَّة؛ فحينها يكون القضاء للإسلام.

5- أمره -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ - المُسلمين بحسن مُعاملتهم؛ فقد كان يزور مريضهم، ويقبل هداياهم، ويعفو عن المسيء فيهم، وكان يبيع ويشترى منهم، ويحاورهم ويناقشهم.

(3) عداوة اليهود للنبي -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ - وللإسلام والمسلمين باطنًا وظاهرًا:

- لم يكونوا يتجاسرون على إظهار العداوة في أول مجيء النبي -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ-: روى ابن إسحاق عن أم المؤمنين صفية بنت حيي -رضي الله عنها- قالت: "كُنْتُ ‌أحَبَّ ‌وَلَدِ ‌أَبِي ‌إلَيْهِ، ‌وَإِلَى ‌عَمِّي ‌أَبِي: ‌يَاسِرٍ، لَمْ ألْقَهما قَطُّ مَعَ وَلَدٍ لَهُمَا إلَّا أَخَذَانِي دُونَهُ، قَالَتْ: فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْمَدِينَةَ، وَنَزَلَ قُبَاء فِي بَنِي عَمرو بْنِ عَوْفٍ غَدَا عَلَيْهِ أَبِي، حُيي بْنُ أَخْطَبَ، وَعَمِّي أَبُو يَاسِرِ بْنِ أَخْطَبَ، مُغَلَّسَيْن. قَالَتْ: فَلَمْ يَرْجِعَا حَتَّى كَانَا مَعَ غُرُوبِ الشَّمْسِ. قَالَتْ: فأتَيا كَالَّيْن كَسْلَانَيْنِ سَاقِطَيْنِ يَمْشِيَانِ الهوينَى. قَالَتْ: فهشِشْتُ إلَيْهِمَا كَمَا كُنْتُ أَصْنَعُ، فَوَاَللَّهِ مَا التفتَ إليَّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، مَعَ مَا بِهِمَا مِنْ الغَمِّ. قَالَتْ: وَسَمِعْتُ عَمِّي أَبَا يَاسِرٍ، وَهُوَ يَقُولُ لِأَبِي، حُييّ بْنِ أخْطَب: أَهُوَ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ وَاَللَّهِ: قَالَ: أَتَعْرِفُهُ وتُثْبته؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَمَا فِي نفسِك مِنْهُ؟ قَالَ: عداوتُهُ والله ما بَقِيتُ" (السيرة النبوية لابن هشام).

- لكنهم مع الوقت، ورؤيتهم مشاهد المجتمع الإسلامي، وانتشار تعاليم الإسلام، بدأوا يعملون بالمكر والوقيعة والدسائس: روى ابن إسحاق بسنده في السيرة، قال: "وَمَرَّ شَأس بْنُ قيْس، وَكَانَ شَيْخًا قَدْ عَسَا -أي: كبر-، ‌عَظِيمَ ‌الْكُفْرِ، ‌شَدِيدَ ‌الضّغْن ‌عَلَى ‌الْمُسْلِمِينَ، شَدِيدَ الْحَسَدِ لَهُمْ، عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ الأوْس وَالْخَزْرَجِ فِي مَجْلِسٍ قَدْ جَمَعَهُمْ، يَتَحَدَّثُونَ فِيهِ، فَغَاظَهُ مَا رَأَى مِنْ أُلْفَتِهِمْ وَجَمَاعَتِهِمْ، وَصَلَاحِ ذَاتِ بَيْنِهِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ، بَعْدَ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُمْ مِنْ الْعَدَاوَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَقَالَ: قَدْ اجتمع ملأ بني قَيْلة بهذه البلاد، وَاَللَّهِ مَا لَنَا مَعَهُمْ إذَا اجْتَمَعَ مَلَؤُهُمْ بِهَا مِنْ قَرَارٍ. فَأَمَرَ فَتًى شَابًّا مِنْ يَهُودَ كَانَ مَعَهُمْ، فَقَالَ: اعمدْ إلَيْهِمْ، فَاجْلِسْ مَعَهُمْ، ثُمَّ اُذْكُرْ يومَ بُعاث وَمَا كَانَ قَبْلَهُ، وَأَنْشِدْهُمْ بَعْضَ مَا كَانُوا تَقَاوَلُوا فِيهِ مِن الأَشْعَارِ... فَتَكَلَّمَ الْقَوْمُ عِنْدَ ذَلِكَ وَتَنَازَعُوا وَتَفَاخَرُوا، حَتَّى تَوَاثَبَ رَجُلَانِ مِنْ الْحَيَّيْنِ عَلَى الرُّكب، أوْس بْنُ قَيْظِي، أَحَدُ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ، مِنْ الأوْس، وجَبَّار بْنُ صَخْر، أَحَدُ بَنِي سَلمة مِنْ الْخَزْرَجِ، فَتَقَاوَلَا ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: إنْ شِئْتُمْ رَدَدْنَاهَا الْآنَ جَذَعة، فَغَضِبَ الْفَرِيقَانِ جَمِيعًا، وَقَالُوا: قَدْ فَعَلْنَا مَوْعِدُكُمْ الظَّاهِرَةُ -وَالظَّاهِرَةُ: الْحرَّةُ- السلاحَ السلاحَ. فَخَرَجُوا إلَيْهَا. فَبَلَغَ ذَلِكَ رسولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَخَرَجَ إلَيْهِمْ فِيمَنْ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ الْمُهَاجِرِينَ حَتَّى جَاءَهُمْ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهَ اللَّهَ، أبدعْوى، الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَنَا بينَ أظهرِكم بَعْدَ أَنْ هَدَاكُمْ اللَّهُ لِلْإِسْلَامِ، وَأَكْرَمَكُمْ بِهِ، وَقَطَعَ بِهِ عَنْكُمْ أَمْرَ الْجَاهِلِيَّةِ وَاسْتَنْقَذَكُمْ بِهِ مِنْ الْكُفْرِ، وألَّف بِهِ من قُلُوبِكُمْ؟! فَعَرَفَ الْقَوْمُ أَنَّهَا نَزْغة مِنْ الشَّيْطَانِ، وَكَيْدٌ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَبَكَوْا وَعَانَقَ الرِّجَالُ مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ بعضُهم بَعْضًا، ثُمَّ انْصَرَفُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- سَامِعِينَ مُطِيعِينَ، قَدْ أَطْفَأَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَيْد عَدُوِّ اللَّهِ شَأس بْنِ قَيِّس" (السيرة النبوية لابن هشام).

وقال بعض المفسرين: وأنزل الله: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ? (آل عمران: 103).

- غيظهم بعد نصر بدر: فلما انتصر المسلمون أرسلوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقالوا: "يا محمد، لا يغرنك من نفسك أنك قتلت نفرًا من قريش كانوا أغمارًا لا يعرفون القتال، إنك لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس، وأنك لم تلقَ مثلنا" (السيرة النبوية لابن هشام).

- وهكذا مع كل ما سبق، من حسن معاملة النبي -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين لهم، فاليهود هم اليهود... لم يحفظوا عهدًا ولا عقدًا: (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (البقرة:100)، (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ) (الأنفال:55-56).

خاتمة:

- في الأحاديث القادمة -إن شاء الله- سنقف كل مرة على صفحة مظلمة من صفحات هذه الفئة الخبيثة التي قال الله -تعالى- عنها: (مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ...) (النساء:46). وقال: (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (البقرة:75).

 فاللهم أنجِ المسلمين المستضعفين في فلسطين، وأهلِك اليهود ومَن عاونهم يا قوي يا متين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) قال الطبري في تفسيره: "اختلف أهلُ العلم في ذكر السبب الذي كان من أجله يُصلِّي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نحو بيت المقدس، قبل أن يُفرض عليه التوجُّه شطرَ الكعبة. فقال بعضهم: كان ذلك باختيار من النبي -صلى الله عليه وسلم-" وأسند تحت هذا القول أثرًا عن عكرمة والحسن البصري، فيه: "فاستقبلها النبي -صلى الله عليه وسلم- سبعةَ عشر شهرًا، ليؤمنوا به ويتبعوه، ويدعو بذلك الأميين من العرب. وعن أبي العالية قال: إنّ نبيّ الله صلى الله عليه وسلم خُيِّر أن يوجِّه وجهه حيث شاء، فاختار بيت المقدس؛ لكي يتألَّف أهلَ الكتاب" (انظر: تفسير الطبري).