الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأربعاء 20 ديسمبر 2023 - 7 جمادى الثانية 1445هـ

الطريق إلى المسجد الأقصى (5) طريق الطائفة المنصورة (موعظة الأسبوع)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

الغرض مِن الموضوع:

إحياء قضية المسجد الأقصى في نفوس المسلمين، وبيان معالِم طريق تحريره مِن الأيدي الغاصبة، مِن خلال التعرض لصفحاتٍ مِن تاريخ الاعتداءات على بيت المقدس على مرِّ التاريخ، وكيف كان الطريق لتحريره في كل مرة.

المقدمة:

- الإشارة إلى أن أرض فلسطين "وعلى الخصوص المسجد الأقصى"، قد تعرضتْ للاعتداءات الكثيرة على مرِّ التاريخ، وفى كل مرة يقيض الله -عز وجل- لذلك مَن يقوم على تحريرها مِن الأيدي الكافرة الغاصبة.

- التذكير بما جاء في المرة السابقة في عبارةٍ وجيزة، وأن المسجد الأقصى ظل بعد فتح "صلاح الدين" في أيدي المسلمين إلى أن بدأت تظهر فيهم الانحرافات عن دين الله، فكانت سنة الله الماضية: قال تعالى-: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الأنفال: 53).

- تنبيه على أن الاعتداء في هذه المرة مِن الكفار على المسجد الأقصى كان على يد "شرذمة يهودية" برعاية أحفاد قادة الحملات الصليبية الأوربية.

- وأما التحرير والتطهير فغير معلوم الأشخاص، لكنه سيكون على يد "الطائفة المنصورة" التي قال عنها النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى قَائِمَةً بِأَمْرِ اللَّهِ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ) (متفق عليه).

مجمل أحداث الاعتداء في نقاط:

- ضعف دولة الخلافة العثمانية (الانحراف عن تعاليم الدين الإسلامي، وزيادة صور موالاة غير المسلمين).

- سقوط كثير من البلاد العربية والإسلامية تحت وطأة الدول الاستعمارية، ومنها فلسطين التي كانت تحت ما يسمى بالانتداب البريطاني.

- بداية التحركات اليهودية الصهيونية نحو فلسطين من أنحاء أوروبا والعالم، والإعانة من جهات غربية على إنشاء وطن لهم في فلسطين بوسائل مختلفة (شراء الأراضي - بناء المستوطنات - إنشاء منظمات صهيونية في كل أوروبا والغرب لجمع المال لليهود - التحركات السياسية لدعم إنشاء الدولة المزعومة على أرض الأجداد - تكوين عصابات يهودية مسلحة داخل فلسطين - استغلال غفلة العرب والمسلمين واختلافاتهم - وغير ذلك).

- وفجأة في عام 1947م، إعلان دولة يهودية تسمَّى: "اسرائيل" (اسم ديني، وشعار ديني).

- العرب (مصر - الأردن - سوريا - فلسطين - لبنان) ينتفضون لمنع ذلك، ولكن بعد معارك شديدة هُزِموا في حرب قادتها (بريطانيا وفرنسا) عسكريًّا إلى جانب العصابات اليهودية المسلحة، ومعهم أمريكا بإمدادات السلاح التي وصلت وقتها إلى (1، 3 مليار دولار).

- خلال الحرب (1947-1949م) طرد حوالي 80% من السكان الفلسطينيين يومئذٍ وتم تحويلهم إلى لاجئين في الدول العربية والعالم، كما اشتملت الأحداث على عشرات المجازر والفظائع، وتدمير المدن الفلسطينية الرئيسية وتحويلها إلى مدن يهودية، ومحو الأسماء الجغرافية العربية وتبديلها بأسماء عبرية.

- وهكذا اكتملت مأساة المسجد الأقصى وبيت المقدس، باغتصاب أرض فلسطين المباركة كلها تقريبا! ومن يومها إلى يومنا هذا والأقصى تحت وطأة العصابة اليهودية، برعاية وتبن كامل (عسكري - اقتصادي - سياسي) من أحفاد قادة الحملات الصليبية (أمريكا والغرب).

تساؤل بين يدي هذا الواقع المرير: هل يعود المسجد الأقصى؟!

- والجواب: نعم، سيعود -بإذن الله- على يد الطائفة المنصورة كما أخبر نبينا الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- بعد ملحمة مع اليهود، قال -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ المُسلِمُونَ اليَهُودَ فَيَقتُلَهُمُ المُسلِمُونَ، حَتَّى يَختَبِئَ اليَهُودِيُّ مِن وَرَاءِ الحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولَ الحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسلِمُ يَا عَبدَ اللَّهِ: هَذَا يَهُودِيٌّ خَلفِي فَتَعَالَ فَاقتُلهُ، إِلَّا الغَرقَدَ فَإِنَّهُ مِن شَجَرِ اليَهُودِ) (متفق عليه).

- والظاهر أن الطائفة المنصورة ستطرد اليهود من المسجد الأقصى وأرض فلسطين قبل هذه الملحمة، وقبل المهدى والمسيح -عليه السلام-: ففي رواية أحمد، قال -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظاهِرِينَ، لِعَدُوَّهِمْ قَاهِرِينَ، لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ -إِلاَّ مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لأْوَاءَ- حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ الله وَهُمْ كَذلِكَ) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَأَيْنَ هُمْ؟ قالَ: (بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ)(1). (خطوات على طريق الفتح المنتظر على يد الطائفة المنصورة).

(1) إقامة أمر الله:

- قال -صلى الله عليه وسلم-: (لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى قَائِمَةً بِأَمْرِ اللَّهِ) (متفق عليه)، فهذه الطائفة المنصورة تعرف أن النصر يستلزم إقامة "أمر الله" في كل نواحي الحياة (العقائد - العبادات - الحكم - المعاملات - السلوك والأخلاق - ...)، فهي تعمل بذلك وعلى ذلك، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) (النساء: 58، 59)، وقال -تعالى-: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (النساء: 65).

- هذه الطائفة المنصورة تعرف أن ذلك يستلزم أيضًا اجتناب النواهي، والتوبة من المخالفة (الشركيات - البدع والخرافات - مولاة الكفار والتشبه بهم - مظاهر المعاصي والفساد المنتشرة في الإعلام والتعليم والاقتصاد وغيرها - التضييق على الدعاة والدعوة إلى الله -...)، قال -تعالى-: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (الحشر: 7)، وقال -تعالى-: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (البقرة: 85).

(2) تصحيح عقيدة الولاء والبراء:

- قال -صلى الله عليه وسلم-: (لِعَدُوَّهِمْ قَاهِرِينَ) هذه الطائفة المنصورة أصحاب عقيدة صحيحة في الولاء والبراء، وبها يعرفون من هم الأعداء، ويسعون في تحقيق ذلك في حياة المسلمين، قال -تعالى-: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) (البقرة: 120)، وقال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ) (الممتحنة: 1).

- هذه الطائفة المنصورة تعرف أن الأعداء لم يحفظوا عهدًا على مرِّ الزمان، حتى مع الأنبياء، فلا ينتظرون منهم أن يحفظوه معهم! وعلى ذلك بنو عقيدتهم في هذا الصراع: قال -تعالى-: (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (البقرة: 100)، وقال -تعالى-: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ) (الأنفال: 55، 56).

(3) إحياء روح الجهاد في الأمة:

- قال -صلى الله عليه وسلم-: (حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ)، فهذه الطائفة المنصورة تعرف أن إقامة أمر الله سيتبعه حرب وتسلط من الأعداء من كل مكان، فلا بد من إحياء روح الجهاد في الأمة لمواجهة هذه الحرب، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا)، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: (بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، ‌وَلَيَقْذِفَنَّ ‌اللَّهُ ‌فِي ‌قُلُوبِكُمُ ‌الْوَهْنَ)، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: (حُبُّ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني). وقال -تعالى-: (وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (البقرة: 195)، قال أبو أيوب الأنصاري: "نزلت فينا معشر الأنصار، وذلك أن الله -تعالى- لما أعز دينه ونصر رسوله -صلى الله عليه وسلم-، قلنا فيما بيننا: إنا قد تركنا أهلنا وأموالنا حتى فشا الإسلام ونصر الله نبيه، فلو رجعنا إلى أهلينا وأموالنا فأقمنا فيها فأصلحنا ما ضاع منها، فأنزل الله -تعالى-: (وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) (تفسير البغوي).

- ولذا... فإن هذه الطائفة المنصورة تعرف أنه يجب على المسلمين الأخذ بأسباب القوة والإعداد لمواجهة أعدائهم، وعدم الاعتماد على الإعداء في مدهم بالسلاح والعتاد وغيره؛ لأن ذلك من أعظم أسباب الذل والتبعية، قال -تعالى-: (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُم) (الأنفال: 60).

خاتمة:

- إن زمان النصر والفتح قد اقترب لمن تأمل الأحداث من حولنا (حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ)، وسيكون على يد "الطائفة المنصورة" التي تسلك طريق موسى ويوشع -عليهما السلام-، وطريق طالوت وداود -عليهما السلام-، وطريق نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه -رضي الله عنهم-، وطريق صلاح الدين وآل زنكي -رحمهم الله-، فعلى الجميع العمل لذلك، وترك تحديد الزمان إلى القوى العلام -سبحانه وتعالى- (انظر مقالة: المستقبل للإسلام).

اللهم طهِّر الأقصى مِن دنس اليهود، واجمع كلمة المسلمين، ووحِّد صفهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) قال الإمام النووي في شرح مسلم: "ويحتمل أن هذه الطائفة مفرَّقة بين أنواع المؤمنين، منهم شجعان مقاتلون، ومنهم فقهاء، ومنهم محدثون، ومنهم زهاد، وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر، ومنهم أهل أنواع أخرى من الخير، ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين، بل قد يكونون متفرقين في أقطار الأرض".