الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فتتقدَّم "الدعوة السلفية بمصر" بخالص العزاء للأشقاء في ليبيا في وفاة مَن توفي في الإعصار: "لله ما أخذ ولله ما أعطى، وكل شيء عنده بمقدار؛ فلتصبروا ولتحتسبوا".
وقد أحسن اللهُ عزاءَ الأمة الإسلامية فيمَن يموت منها بمثل هذه الحوادث، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: الْمَطْعُونُ، وَالْمَبْطُونُ، وَالْغَرِيقُ، وَصَاحِبُ الْهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللهِ) (متفق عليه).
كما ترجو الدعوة السلفية الشفاء والعافية لكلِّ المصابين، سائلين الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يشفيَ المصابين شفاءً لا يغادر سقمًا، وأن يجعل معاناتهم مِن روعة الحادث سببًا لمغفرة ذنوبهم، ورفع درجاتهم، وتأمينهم من روعة وأهوال يوم القيامة.
وبالتالي فالدعوة السلفية تناشد كل الدول الإسلامية والهيئات الإسلامية أن لا يكون ما ساهموا به في مساعدة المغرب الشقيقة مانعًا من تكرار هذه المساعدات، بل وأكثر تناسبًا مع حجم الضرر الذي خَلَّفه الإعصار في ليبيا.
ولأن مصر الشقيقة الكبرى للدول العربية، ثم هي الأقرب جوارًا لليبيا، بل إن كثيرًا من القبائل العربية المصرية تربطها أواصر قرابة أو مصاهرة؛ ولذلك -وبفضل الله- بادرت القيادة السياسة -ولها جزيل الشكر- بمبادرة كبيرة ومدَّت يد العون للأشقاء في ليبيا؛ رغم ما يعانيه الاقتصاد المصري من ضغوطات -ونحمد الله على ذلك-، ونأمل أن يكون هذا التعاون والتآزر سببًا لكي يقدِّر الله لنا الخروج من هذه الصعوبات.
وسبحان الله! فهذه آيات يرسلها الله -عز وجل- واحدة بعد الأخرى، فقبل بضعة أشهر كان زلزال سوريا وتركيا، ثم كان زلزال المغرب وأعمال رفع الأنقاض الناجمة عنه لم تنتهِ بعد، ثم أعقبه هذا الإعصار، وهذا يذكرنا بقول الله -تعالى-: (أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ) (التوبة: 126).
والله -عز وجل- يأمرنا أن نتذكر بهذه الآيات لنراجع أنفسنا ونتوب إلى ربنا؛ لا سيما من المعاصي والذنوب التي انتشرت حتى غلبت على بعض جوانب حياتنا، وقد نبهنا على بعضها في بياننا بشأن زلزال المغرب، ولكن ثمة نصيحة خاصة للأشفاء في ليبيا.
الله الله... في الدماء.
إن مَن يُتوفَّى في إعصار أو نحوه نحزن عليه، ولكن نتسلى عن هذا الحزن بما نرجوه له من أن يبلغ درجة الشهداء، ولكن مَن يُقتل بيد أخيه، فالحزن على الطرفين عميق لا يسلي عنه شيء؛ لكونهما متوعدين بالنار طالما كان هذا في قتال فتنة، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا، فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ). فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا الْقَاتِلُ، فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: (إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ) (متفق عليه).
ونحن في مصر قد رحمنا الله -عز وجل- فوصل إلينا الإعصار بعد أن فقد قوته التدميرية، ولا بد من شكر الله على دفع هذا البلاء عنا، وهذا يكون بالعمل بطاعة الله كما قال -تعالى-: (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا) (سبأ: 13).
ومِن شكر هذه النعمة: أن نحافظ على تلك البلاد التي تعد هي الدولة العربية الوحيدة التي تملك جيشًا قادرًا على ردع الأعداء الذين وإن تركوا حربنا العسكرية فترة، فما زالوا يعتدون على إخواننا في فلسطين جنبًا إلى جنب مع حربنا بصورة أخرى، وتدشين مشروعات غرضها خنق مصر اقتصاديًّا، وإفقادها كثيرًا مِن فرص الدخل القومي لها؛ فنداء إلى كل دُعَاة التغريب: كفوا عن إفساد هويتها.
ولأن معظم هؤلاء يدعون أيضًا لزعزعة استقرار الدولة، فنقول لهم: ارفعوا أيديكم عن البلاد، ومَن أراد إصلاحًا حقيقيًّا شكلًا وموضوعًا فمرحبا به، وأما دعوى: "هدم البلاد لإعادة بنائها!" فلا يتم منها إلا شقها الأول فقط.
ولكلِّ مَن يغازل هؤلاء بفعل شيء مما يسخط الله أو منابذة شيء مما يحب الله، نذكِّره بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ أَرْضَى اللَّهَ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ ،وَمَنْ أَسْخَطَ اللَّهَ بِرِضَا النَّاسِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ) (رواه ابن حبان، وصححه الألباني).
ومع أن الإعصار لم يكن مدمرًا في بلادنا -بفضل الله-؛ إلا أنه وُجِد عدد من المتضررين، وإذا ضممنا هذا إلى التضرر العام الناشئ من غلاء الأسعار، وبالتالي فلا بد أن يسعى القادرون والجمعيات الخيرية في بلادنا إلى مدِّ يد العون لكل محتاج.
ونحن -كغيرنا- مطالبون بالتوبة إلى الله من الربا ومن الفواحش، ومن تضييع حدود الله، عسى الله أن يرفع مقته وغضبه عنا، ويفرج عنا ما نحن فيه.
نسأل الله أن يقي مصر وسائر بلاد المسلمين شرَّ الفتن، ما ظهر منها وما بطن.
الدعوة السلفية بمصر
الثلاثاء 27 صفر 1445هـ
13 سبتمبر 2023م