كتبه/ طارق علي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
أصل كلمة السياسة:
كلمة السياسة كلمة عربية أصيلة، وليست كلمة مغولية، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ...) (متفق عليه).
قال ابن منظور في (لسان العرب) في مادة (سوس): "السَّوْسُ: الرِّياسَةُ، يُقَالُ سَاسُوهُمْ سَوْساً، وإِذا رَأَّسُوه قِيلَ: سَوَّسُوه وأَساسوه. وسَاس الأَمرَ سِياسةً: قَامَ بِهِ، وَرَجُلٌ ساسٌ مِنْ قَوْمٍ سَاسَةٍ وسُوَّاس؛ أنشد ثعلب:
سـادة قـادة لـكـل جــميـع ساسة للرجال يوم القتال
وسَوَّسَه القومُ: جَعَلوه يَسُوسُهم. وَيُقَالُ: سُوِّسَ فلانٌ أَمرَ بَنِي فُلَانٍ، أَي: كُلِّف سِياستهم.
والسِّياسةُ: القيامُ عَلَى الشَّيْءِ بِمَا يُصْلِحه. والسياسةُ: فِعْلُ السَّائِسِ. يُقَالُ: هُوَ يَسُوسُ الدوابَّ إِذا قَامَ عَلَيْهَا وراضَها، وَالْوَالِي يَسُوسُ رَعِيَّتَه" (لسان العرب بتصرف يسير).
وعلى ذلك فالسياسة لغة: مشتقة من الفعل ساس يسُوس سياسة، وتطلق على إطلاقات كثيرة ترجع إلى معاني: القيام على الشيء وتدبيره، والتصرف فيه بما يصلحه. تقول: ساس الناس سياسة: تولى رياستهم وقيادتهم، وساس الدواب: راضها وأدبها، وساس الأمور: دبرها وقام بما يصلحها.
وبذلك تكون الكلمة عربية صحيحة، وليس كما ورد في (الخطط) للمقريزي أن كلمة (سياسة) ليست عربية؛ وإنما هي معرب الكلمة (ياسة)، وهي كلمة مغولية؛ كانت اسمًا لكتاب قرر فيه (جانكيز خان) القائم بدولة التتر في بلاد الشرق قواعد وعقوبات، ثم حرَّفها أهل مصر فزادوا بأولها سينًا فقالوا: (سياسة)، وهذا القول خطأ لا صحة له؛ لأن الكلمة عربية صحيحة بدليل ورودها في الحديث والشعر القديم -كما تقدَّم-.
وكذلك ما ورد عن أسماء -رضي الله عنها-: "كُنْتُ أَخْدُمُ الزُّبَيْرَ خِدْمَةَ الْبَيْتِ، وَكَانَ لَهُ فَرَسٌ، وَكُنْتُ أَسُوسُهُ، فَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْخِدْمَةِ شَيْءٌ أَشَدَّ عَلَيَّ مِنْ سِيَاسَةِ الْفَرَسِ" (رواه مسلم).
وورد كذلك في (حاشية فتح القدير للكمال بن الهمام) في قول هند بنت النعمان بن المنذر، وهي تتحسر على أيام العز التي كانت تتمتع بها في ظل أبيها النعمان، بعد أن زال عنها عز المُلك وأُبهته؛ إذ قالت:
فبَيْنا نَسُوسُ الناسَ والأمرُ أَمْرُنا إذا نحـنُ فيهِـمْ سُـوقَـةٌ نَتـَنَصَّـفُ
فــأفٍّ لــدنـيـا لا يَـدُومُ نَعـِـيــمـُها تَـقَـلَّـبُ تـاراتٍ بـنـا وتَـــصــَرَّفُ
وقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "قد علمت ورب الكعبة متى تهلك العرب: إذا ساس أمرهم مَن لم يصحب الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولم يعالج أمر الجاهلية" (الطبقات لابن سعد).
وقال عمرو بن العاص -وهو يصف معاوية -رضي الله عنه-: "إني وجدته ولي عُثْمَان الخليفة المظلوم والطالب بدمه، الحسن السياسة، الحسن التدبير" (تاريخ الطبري).
كل هذا يدل على أن كلمة (سياسة) هي كلمة عربية صحيحة، وأن معانيها كلها تدور حول تدبير الشيء والقيام عليه بما يصلحه.
وصلى اللهم وسلم على سيدنا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرًا.