الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأربعاء 12 أكتوبر 2022 - 16 ربيع الأول 1444هـ

وقفات مع سورة الكهف (8)

كتبه/ خالد آل رحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فلا زلنا نواصل الحديث عن سورة الكهف، ووقفتنا الثامنة مع قوله تعالى: "سَيَقولُونَ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ"، وهؤلاء القائلون بأنهم ثلاثة أو خمسة أو سبعة، هم بعض المتنازعين في عددهم في زمن الرسول صلى لله عليه وسلم من أهل الكتاب والمسلمين. والأقرب للصواب أنهم سبعة بدلالة عدم إدخالهم في سلك الراجمين بالغيب.

قال ابن القيم رحمه الله: "إن عدة أصحاب الكهف سبعة؛ لأن الله تعالى عطف عليهم الكلب بحرف الواو، فقال: (وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ)، ولم يذكر الواو فيما قبل مِن كلامهم، والواو تقتضي تقرير الجملة الأولى" (انتهى).

قال العثيمين رحمه الله: "(رَجْمًا بِالْغَيْبِ) أي: ليس عندهم يقين، وهذا يدل على أن عددهم سبعة وثامنهم كلبهم؛ لأن الله عندما أبطل القولين الأولين وسكت عن الثالث؛ صار الثالث صوابًا" (انتهى).

ولذلك قال تعالى: "قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ"، قال عطاء: "يعني بالقليل أهل الكتاب. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: أنا من ذلك القليل، هم سبعة، إن الله عدهم حتى انتهى إلى السبعة"؛ ولهذا أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: "فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَاء ظَاهِرًا"، والمراء هو الجدال، وإن كان فلا بد أن يكون ظاهرًا، أي: بحجةٍ واضحةٍ.

قال العثيمين رحمه  الله: "أي: في شأنهم ومكانهم ومآلهم"، وكذلك "وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا": من يهود، أي: لا تسأل يهودًا عن أمر أصحاب الكهف؛ إلا ما قد أخبرتك مِن أمرهم.

ثم جاء العتاب من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: "ولا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ"؛ فهذا عتاب من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم عندما سُئِل من قريش فقال: "أخبركم غدًا"، فامتنع الوحي عنه، وهذا تأديب من الله تعالى لنبيه؛ فعهد إليه أن لا يجزم على ما يحدث من الأمور أنه كائن لا محالة إلا أن يصله بمشيئة الله؛ لأنه لا يكون إلا بمشيئته.

قال الشنقيطي رحمه الله: "والمقصود بالغد ما يستقبل من الزمان لا خصوص الغد، ومن أساليب العربية إطلاق الغد على المستقبل من الزمان".

وقوله تعالى: "وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ"؛ قال ابن الجوزي رحمه الله: "إذا نسيت الشيء؛ فاذكر الله ليذكرك إياه"، وقال ابن كثير رحمه الله: "أن تقول: إن شاء الله".

وقال ابن عاشور رحمه الله: "وقد جمعت هذه الآية كرامة للنبي صلى الله عليه وسلم من ثلاث جهات:

الأولى: أنه أجاب سؤله؛ فبيَّن لهم ما سألوه إياه على خلاف عادة الله مع المكابرين.

الثانية: أنه علَّمه علمًا عظيمًا من آداب النبوة، وهو (الاستثناء).

الثالثة: أنه ما علمه ذلك إلا بعد أن أجاب سؤله استئناسًا لنفسه".

أي: لم يعاتبه ابتداء، ولكنه أجابه أولًا.

وقوله: "وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا" أي: إذا سئلت عن شيء لا تعلمه؛ فاسأل الله تعالى فيه، وتوجَّه إليه أن يوفقك للصواب والرشد في ذلك، والرشد نوع من الهداية.

وإلى اللقاء في الحلقة القادمة.