الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الخميس 07 يوليه 2022 - 8 ذو الحجة 1443هـ

فضائل يوم عرفة

كتبه/ محمود عبد الحفيظ البرتاوي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فمِن أعظم فضائل الأيام العشر الأُول مِن ذي الحجة التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "‌أفضلُ ‌أيامِ ‌الدُّنْيا أيامُ العَشْرِ" (رواه البزار، وصححه الألباني)، أن فيها: "يوم عَرَفَة" -اليوم التاسع مِن ذي الحجة-.

وما أدراك ما يوم عرفة؟! 

- يوم عرفة هو: يوم التَّجَلِّي والنزول الإلهي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحاج: "فَإِنَّ لَهُ حِينَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ أَنَّ رَاحِلَتَهُ لَا تَخْطُو خُطْوَةً إِلَّا كُتِبَ لَهُ بِهَا حَسَنَةٌ أَوْ حُطَّت عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، فَإِذَا وَقَفَ بِعَرَفَةَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَنْزِلُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي شُعثاً غُبرًا اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ ذُنُوبَهُمْ وَإِنْ كَانَ عَدَدَ قَطْرِ السَّمَاءِ ‌وَرَمْلِ ‌عَالِجٍ" (رواه ابن حبان، وحسنه الألباني لغيره). وعَالِج: موضع كثير الرمال بحيث يضرب المثل بكثرتها.

- يوم عرفة هو: يوم مباهاة الرب بعباده المؤمنين الملائكة، ويوم العتق مِن النيران: عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "‌مَا ‌مِنْ ‌يَوْمٍ ‌أَكْثَرَ ‌مِنْ ‌أَنْ ‌يُعْتِقَ ‌اللهُ ‌فِيهِ ‌عَبْدًا ‌مِنَ ‌النَّارِ ‌مِنْ ‌يَوْمِ ‌عَرَفَةَ، ‌وَإِنَّهُ ‌لَيَدْنُو ‌ثُمَّ ‌يُبَاهِي ‌بِهِمُ ‌الْمَلَائِكَةَ، ‌فَيَقُولُ: ‌مَا ‌أَرَادَ ‌هَؤُلَاءِ" (رواه مسلم).

- يوم عرفة هو: اليوم المشهود الذي أقسم الله به مرتين؛ قال الله تعالى: "وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ . وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ . وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ"، وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اليَوْمُ المَوْعُودُ: يَوْمُ القِيَامَةِ، وَاليَوْمُ المَشْهُودُ: يَوْمُ عَرَفَةَ، وَالشَّاهِدُ: يَوْمُ الجُمُعَةِ" (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).

وقال تعالى: "‌وَالشَّفْعِ ‌وَالْوَتْرِ"؛ عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ الْعَشْرَ: عَشْرُ الْأَضْحَى، ‌وَالْوَتْرَ: ‌يَوْمُ ‌عَرَفَةَ، وَالشَّفْعَ: يَوْمُ النَّحْرِ" (رواه أحمد، وقال محققو المسند "مؤسسة الرسالة": "هذا إسناد لا بأس برجاله")

قال ابن كثير رحمه الله: "وَقَوْلُهُ: (وَالشَّفْعِ ‌وَالْوَتْرِ): الْوَتْرَ: يَوْمُ عَرَفَةَ؛ لِكَوْنِهِ التَّاسِعَ، والشَّفْعَ يَوْمُ النَّحْرِ؛ لِكَوْنِهِ الْعَاشِرَ. وَقَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَالضَّحَّاكُ أَيْضًا" (تفسير ابن كثير).

- ويوم عَرَفَة هو: ركن الحج الأعظم: فعن عبد الرحمن بن يعمر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "‌الحَجُّ ‌عَرَفَةُ" (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).

- ويوم عرفة هو: يوم الذِّكْر الأكبر، ويوم الدعاء الأكثر؛ فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "‌خَيْرُ ‌الدُّعَاءِ ‌دُعَاءُ ‌يَوْمِ ‌عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).

فينبغي أن يكثر فيه المسلم من الذكر -خصوصًا الذِّكر السابق-، وأن يكثر فيه من الدعاء، وهو عظيم الرجاء في الله تعالى أن يتقبله ويغفر له في هذا اليوم العظيم.  

وَإِنِّي لَآتِي الذَّنْبَ أَعْرِفُ قَدْرَهُ … ‌وَأَعْلَمُ ‌أَنَّ ‌اللَّهَ ‌يَعْفُو ‌وَيَغْفِرُ

لَئِنْ عَظَّمَ النَّاسُ الذُّنُوبَ فَإِنَّهَا … وَإِنْ عَظُمَتْ فِي رَحْمَةِ اللَّهِ تَصْغُرُ

قال ابن المبارك: "جئتُ إلى سفيان الثوري عشية عرفة، وهو جاثٍ على ركبتيه وعيناه تهملان، فقلت له: مَن أسوأ هذا الجمع حالًا؟ قال: الذي يطن أن الله لا يغفر لهم!" (لطائف المعارف).  

- وفي يوم عرفة ساعة إجابة لا يُردُّ فيها الدُّعَاء: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ يَدْعُو اللَّهَ بِخَيْرٍ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ، وَلَا يَسْتَعِيذُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْهُ" (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).  

قال النووي رحمه الله: "وبلغنا عن سالم بن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهم-: أنه رأى سَائِلًا يسألُ الناسَ يوم عَرَفَةَ! فقال: يا عاجزُ! في هذا اليوم يُسألُ غيرُ الله عز وجل؟!" (الأذكار للنووي).

- صيام يوم عرفة يكفِّر سنتين: عن أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ" (رواه مسلم).

ومعلوم أن جنسَ الصيام مِن أفضل الأعمال، وهو مما اصطفاه الله لنفسه، كما في الحديث القدسي: "الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ" (متفق عليه)، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا بَاعَدَ اللَّهُ بِذَلِكَ الْيَوْمِ وجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا" (متفق عليه).

وعن حذيفة رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَقُولُ: "فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ ومَالِهِ ونَفْسِهِ ووَلَدِهِ وجَارِهِ، يُكَفِّرُهَا الصِّيَامُ، والصَّلَاةُ، والصَّدَقَةُ، والْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ والنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ" (رواه أبو داود، وصححه الألباني).

فصوم يوم عرفة متأكَّد صومه لغير الحاج، ويشرع صومه مطلقًا ولو وَافَق يوم جمعة أو يوم سبت؛ فلا يلزم أن يصام معه يومًا قبله؛ وأما الحاج فالسُّنَّة في حقه أن لا يصوم يوم عرفة وأن يفطره، كما أفطر فيه النبي صلى الله عليه وسلم؛ وذلك ليتقوَّى الحاج على الذِّكْر والدعاء في هذا اليوم المبارك.

- يوم عرفة يوم إكمال الدِّين وإتمام النعمة: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ‌أَنَّ ‌رَجُلًا ‌مِنَ ‌الْيَهُودِ ‌قَالَ ‌لَهُ: ‌يَا ‌أَمِيرَ ‌الْمُؤْمِنِينَ، ‌آيَةٌ ‌فِي ‌كِتَابِكُمْ ‌تَقْرَؤونَهَا، لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا. قَالَ: أَيُّ آيَةٍ؟ قَالَ: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا"، قَالَ عُمَرُ: قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ وَالْمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ" (متفق عليه).

- يوم عرفة بداية التكبير المُقيَّد: فيبدأ هذا التكبير الذي يكون عقب الصلوات المفروضات مِن فجر يوم عرفة بعد السلام مِن الفريضة إلى عصر آخِر أيام التشريق (رابع أيام عيد الأضحى)، وهذا لغير الحاج؛ أما الحاج فيبدأ التكبير المُقَيَّد في حَقِّه مِن ظُهر يوم النَّحْر.