الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الجمعة 11 أغسطس 2006 - 17 رجب 1427هـ

لماذا تحرك حزب الله الآن؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد،

بعث النبي- صلى الله عليه وسلم- والعالم يتنازعه قوتان عظيمتان هما فارس والروم، وقد كان لكل منهما كثير من مؤهلات القيادة المادية من الثروات الكثيرة والأرض المنيعة وما يسمى بالمصطلح المعاصر العقيدة القتالية، التي جعلت الحروب بينهما لا تنقضي، وكانت أمة العرب آنذاك لا تملك من المقومات المادية للقيادة شيئاً وكان الله قد ادخرهم ليكون الإسلام عزهم، وليكون عزهم الإسلام كما قال عمر- رضي الله عنه-"إننا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله".

وبعث- صلى الله عليه وسلم-، وبعد بعثته ظهرت فارس على الروم ففرح مشركو قريش حيث رأوا أن الروم بحكم كونهم أهل كتاب أقرب من المسلمين إلى الفرس وأن انتصار الفرس دليل على نصر الله لمن ليس معهم كتاب.

ورغم أن هذا منطق مغالط ، فالدنيا جعلها الله للمؤمن والكافر، فانتصار الكافر على المسلم ليس دليل على صحة عقيدته، فما بالنا بانتصار بعض الكفار على بعض إلا أن الله عز وجل أنزل قوله تعالى (الم • غُلِبَتِ الرُّومُ • فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ • فِي بِضْعِ سِنِينَ)(الروم:1-4)، وقد كان ذلك آية من آيات صدق النبي- صلى الله عليه وسلم-، ولعل هذا الأمر أي البشرى بنصر الروم كان مندرجاً تحت حب النبي- صلى الله عليه وسلم- لموافقة أهل الكتاب في أول الأمر تأليفاً لهم، وهو الأمر الذي نُسخ بعد ذلك لما استبان عنادهم.

وبعد صلح الحديبية ومكاتبة النبي- صلى الله عليه وسلم- لملوك فارس والروم كفر كل من كسرى وقيصر إلا أن هرقل أكرم رسول رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، بينما مزق كسرى كتاب النبي- صلى الله عليه وسلم-،فدعا عليه النبي- صلى الله عليه وسلم- أن يمزق الله ملكه فكان بفضل الله عز وجل.

وخرجت أمة الفرس من التاريخ وبقيت أمة الروم على كفرها إلا أن يشاء الله زوال ملكها في ملاحم آخر الزمان مع زوال اليهود أيضاً بإذن الله تعالى.

ودخل الفرس في دين الله منهم من دخله إيماناً وتسليماً ومنهم من دخله خوفاً وتقية، فكثر فيهم المنافقون الذين حاولوا هدم الإسلام والثأر لأمتهم من الذين أسقطوها وعلى رأسهم صحابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لاسيما عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- الذي شهدت خلافته السقوط النهائي للامبراطورية الفارسية، فكانت حركة الغدر والخيانة من أبي لؤلؤة المجوسي الذي قتل عمر- رضي الله عنه- وهو يصلي بالناس إماماَ.

ثم لعبت الفرس دوراً رئيسياً في الفتن التي تلت ذلك في عهد عثمان ثم في عهد علي- رضي الله عنهما-، بعد تغيير الأسلوب فأصبحوا يحاربون الإسلام باسم الإسلام، ومن هنا كان لهم الدور الأكبر في تأسيس مذهب الشيعة، هدماً للإسلام وبغضاً وتكفيراً للصحابة- رضي الله عنهم- تحت مسمى التشيع لآل البيت، أي لعلي- رضي الله عنه- وللحسن والحسين أبناء علي وفاطمة- رضي الله عنهم أجمعين-، وإن تعجب فاعجب لجعل الشيعة الإثنى عشرية الإمامة بعد الحسن- رضي الله عنه- في أبناء علي- رضي الله عنه- عن طريق ابنه محمد بن الحنفية الذي اشتهر بنسبته إلى أمه إحدى سبايا بني حنيفة، وكانت جذورها فارسية.

الحاصل أن الشيعة مذهب قومي فارسي أكثر منه مذهب عقدي اعتنقه أصحابه لشبهة عرضت لهم.

وقد ظل مذهب الشيعة مذهباً مكبوتاًَ ليس له سلطان حتى قامت الدولة الصفوية في بلاد فارس- إيران الآن- وأظهرت هذه الدولة مذهب التشيع ، جنباً إلى جنب مع الفخر بالتاريخ الفارسي والرموز الفارسية.

ثم خلفها في العصر الحديث دولة إيران البهوية أثناء حكم آل بهوي فازداد الكلام على النصرة الفارسية جداً وقل الكلام على المذهب الشيعي- تمشياً مع موجة اللادينية التي كانت في أوجها في ذلك الوقت- وفي مجال السياسة فكل شئ وارد وكل التحالفات ممكنة، فتناسى كل من الغرب وإيران الخلاف القديم بين الروم وفارس ليكون شاه إيران هو رجل أمريكا الأول في المنطقة، ولما بدأت أمريكا تغير سياستها الخارجية، وتتحول من التفاوض إلى إصدار الأوامر، أرادت التخلص من كل أصدقائها الأقوياء، ومنهم شاه إيران الذي كان يمتلك طموحاً عسكرياً كبيراً وفي عهده بدأ المشروع النووي الإيراني فرأت أمريكا أن مساندة زعيم ديني شيعي كالخوميني للوصول إلى سدة الحكم في إيران قد يشغله الصراع المتوقع بين العلمانية والدينية من جهة وبين الشيعة والسنة من جهة عن أي طموحات عسكرية فقامت أمريكا بالتخلص من الشاه بطريقة وصفها هو في مذكراته بأنها ألقته خارج إيران كما يلقى"الفأر الميت".

وغالب الظن أن أمريكا توقعت أن يكون الخوميني أشبه ما يكون ب"قرضاي" أفغانستان الآن، إلا أن الخوميني لم يكن ذلك الرجل، بل اتضح أنه أكثر قدرة على المناورة من الشاه- هذا هو التصور الأقرب من وجهة نظرنا وقد يرى البعض أن عناد الخوميني بل ونظام ثورته ككل مع أمريكا هو جزء من سيناريو متفق عليه لتلميع صورتهم عند المسلمين-.

لا شك أنها كانت صدمة بالنسبة لأمريكا، وكان الرد فورياً بتأليب نظام صدام حسين على إيران ودفعه لحرب شرسة معهم ومن خلفه آبار بترول العرب تضخ فيما أسموه بقادسية صدام، ومنذ ذلك التاريخ والحرب الباردة بين إيران وأمريكا قائمة ولكنها لا تمنع وجود مفاوضات ومساومات ومواجهة أعداء مشتركين كأهل السنة الذين يمثلون عدواً مشتركاً بين الأمريكان والشيعة، وإلا فما كان لأمريكا أن تتمكن من دخول أفغانستان ومن بعدها العراق إلا بالصمت بل بالمعاونة الإيرانية.

ومن الأوراق التي ألقتها إيران في الحلبة السياسية العلاقة الخاصة التي ربطتها بسوريا، وبشيعة لبنان ثم تكوين حزب الله الذي يمثل إحدى الأذرع العسكرية لهذا الحلف.

وقد سبق وأن أشرنا إلى أن الخصومة السياسية لا تمنع من المفاوضات وبالتالي فقد كان حزب الله أحد أهم مواد هذه المفاوضات مما أثمر عن واقع عمل يفوق الإتفاقات المكتوبة يتمثل في:

1- اعتبار المرجعية العليا لحزب الله دينياً وسياسياً وعسكرياً هي إيران.

2- انعكاس العلاقة الخاصة بين سوريا وإيران على علاقتها بحزب الله.

3- ومن البديهيات وجود العلاقة بين أمريكا واسرائيل.

إذن فإذا كانت المواجهة على أرض الواقع بين حزب الله واسرائيل ولكنها لا تعدو أن تكون إحدى صور المواجهات بين أمريكا وإيران، ومن أهم من ظهر لكل متأمل، أن اسرائيل امتنعت عن ملاحقة حزب الله داخل الأراضي اللبنانية في مقابل أن حزب الله منع كل فصائل المقاومة الأخرى لاسيما الفلسطينية من استخدام الأراضي اللبنانية في شن هجمات على اسرائيل، وأن حزب الله واسرائيل قد التزما إلى حد كبير بالمواثيق الدولية في شأن الحرب.

وفي السنوات الأخيرة بدأ حزب الله يقدم نفسه إعلامياً على أنه يمثل المسلمين ككل في الحرب ضد اسرائيل، وإنه ليس ممثلاً لإيران فقط بل ولا للشيعة فقط، ولكنه فشل في تقديم الدليل العملي على ذلك، عبر أحداث كثيرة اشتعلت فيها فلسطين، لم يكن لحزب الله فيها أي دور سوى البوق الإعلامي مما حدى بكثير من المحللين أن يقرروا أن حزب الله لا يتحرك إلا إذا كانت إيران في حاجة إلى أن تلقي حجراً في الماء الراكد لمصلحتها الشخصية أو على أقصى تقدير لمصلحة حليفتها سوريا.

وهذا ينطبق على الأحداث الأخيرة التي تحرك فيها حزب الله لحساب إيران ثم سوريا، فكان التصريح الأمريكي المباشر بالسعي إلى حل المشكلة النووية الإيرانية بطريقة سليمة.

ولقد كانت هذه محاولة للإجابة على سؤال لماذا يتحرك حزب الله الآن؟

وثمة سؤال آخر، هل خدم هذا التحرك القضية الفلسطينية بصورة أو بأخرى؟

الواقع المشاهد، نعم لقد خفت بلا شك حدة الحملة الاسرائيلية الشرسة على فلسطين، يوماً أو يومين ثم عادت الحملة الاسرائيلية على غزة أشد شراسة وسط تركيز إعلامي على صراع حزب الله مع اسرائيل.