الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الخميس 10 أبريل 2008 - 4 ربيع الثاني 1429هـ

قراءة في كتاب "العدوان على العربية عدوان على الإسلام" (1-2)

كتبه/ محمد سرحان

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

التعريف بالكاتب:

هو عبد الرحمن رأفت الباشا رائد من رواد الأدب الإسلامي، وممن اجتهدوا في الدعوة إليه نظرياً وتطبيقاً، ولد -رحمه الله- عام 1920م في بلدة أريحا شمال سورية، وتلقى دراسته الابتدائية بها ثم في المدرسة الخسروية بحلب، أما دراسته الجامعية فتلقاها في القاهرة حيث نال الشهادة العالية لكلية أصول الدين في الأزهر، وشهادة الليسانس في الأدب العربي في كلية الآداب جامعة فؤاد الأول "جامعة القاهرة حالياً"، ثم درجتي الماجستير والدكتوراه من هذه الجامعة.

اشتغل مدرساً فمفتشاً ثم كبيراً لمفتشي اللغة العربية في سوريا، ثم مديراً لدار الكتب الظاهرية، وأستاذاً ومحاضراً في كلية الآداب جامعة دمشق، ثم انتقل إلى السعودية للتدريس في كلية اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود.

أشهر مؤلفاته:

صور من حياة الصحابة، صور من حياة الصحابيات، صور من حياة التابعين، كتاب البطولة، الطريق إلى  الأندلس، أرض البطولات، العدوان على العربية عدوان على الإسلام وهو الذي نقوم بتعريفه.

التعريف بالكتاب:

يقع هذا الكتاب القيم في 89 صفحة من القطع الصغير قسمه المؤلف إلى خمسة فصول وملحق.

في الفصل الأول: يبين -رحمه الله- أهمية اللغة في بعث ونهضة الأمم والشعوب؛ ليظهر من خلال ذلك أهمية لغتنا العربية وشدة الحاجة إليها في نهضة أمتنا من جديد.

 فبدأ هذا الفصل بقوله:

"يقول الإمام أبو منصور عبد الملك بن محمد الثعالبي إمام اللغة والأدب: "من أحب الله -تعالى- أحب رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-، ومن أحب الرسول العربي أحب العرب، ومن أحب العرب أحب العربية التي نزل بها أفضل الكتب على أفضل العجم والعرب، ومن أحب العربية عني بها وثابر عليها وصرف همته إليها، ومن هداه الله للإسلام وشرح صدره للإيمان اعتقد أن محمداً -صلى الله عليه وسلم- خير الرسل، والإسلام خير الملل، والعرب خير الأمم، والعربية خير اللغات والألسنة. والإقبال على تفهمها من الديانة؛ إذ هي أداة التعلم ومفتاح التفقه في الدين". أ.هـ. من كتابه "فقه اللغة".

ثم بين منشأ لغة العرب ودورها في الحياة فقال:

"لقد كانت أرض جزيرة العرب منبتاً للعربية منذ القدم، ومهداً للقرآن منذ هَلَّ القرآن بنوره على الأرض وستبقى بإذن الله -حصناً منيعاً- لذلك الكتاب ولغته، فما أهمية هذه اللغة التي بذل لها أسلافنا ما بذلوا وجاهدوا من أجل حفظها وبقائها ما جاهدوا فضربوا إليها أكباد الإبل ليتناقلوها بالرواية، وأراقوا على عتباتها نور عيونهم ليحفظوها بالتدوين وتبتلوا لها ما تبتلوا ليجمعوها في المعاجم التي تحفظ متونها، ويحوطوها بالقواعد التي تضبط نظامها ثم استغلوا ذلك كله في جنب هذه اللغة الكريمة.

إنها لغتنا التي حفظت علي شخصيتنا عبر التاريخ، وربطت شعوب أمتنا برباطها الوثيق، وقربت بين أمزجة مواطنينا ومشاعرهم وواءمت بين تقاليدهم وأفكارهم. وهي الحصن الذي لاذ به العرب طوال خمسة عشر قرناً فصان كيانهم من أن يتمزق، وحفظ شملهم من أن يتفرق، ووحد كلمتهم على دفع العدوان كلما تعرضوا للعدوان، وهي فوق ذلك كله لغة قرآننا العظيم، ووعاء ديننا القويم، ومستودع حضارتنا الزاهرة، وخزانة تراثنا الروحي والعقلي، وليست لغتنا بدعاً في حفظ كيان الأمم وجمع شمل الشعوب وإنما هو شأن اللغات جميعاً".

وضرب أمثلة على كلامه هذا بـ"أيرلندا" و"ألمانيا" فقال:

"أيرلندا التي رزحت تحت وطأة الاحتلال الانكليزي منذ أوائل القرن الثاني عشر الميلادي وذاقت من ويلاته فلقد أعمل "كرومويل" السيف في رقاب "الأيرلنديين" وباع عشرين ألفاً من شبابهم عبيداً في أمريكا، ونفى أربعين ألفاً من رجالهم خارج البلاد، وسعى هو ومن تلاه في الحكم لمحو شخصية "أيرلندا" بالقضاء على لغتها حتى تم للإنكليز ما أرادوا واندثرت اللغة الأيرلندية، وغدت شيئاً أثرياً لا يعرفه إلا حفنة من الرجال، وأدمجت أيرلندا في الكيان البريطاني.

ولما تنبه الشعور الوطني لدى بعض رجالها وحاولوا أن يبعثوا أمتهم من جديد، وأن يحققوا لها شخصيتها المتميزة، وأن يفصلوها عن الشعب البريطاني رأوا أن منطق الحياة لا يقبل منهم ذلك مادامت لغتهم هي الإنكليزية، ومادام شعبهم يجهل لغته التي تميز شخصيته، وتبرز كيانه، وتحقق وحدته، وأُسعفِوا بمعلم يتقن لغة الآباء والأجداد، ومعه شعوره بواجبه إلى وضع الكتب السهلة التي تيسر لمواطنيه تعلم اللغة، فهبوا يساعدونه على نشرها ويؤازرونه في تعليمها حتى استعادت مكانها من ألسنة المواطنين، وعمت بينهم وشاعت وكانت عاملاً قوياً في إحياء أمتهم، واستقلال بلادهم، واستعادة كيانهم.

ولما تم "لأيرلندا" ذلك قدر المواطنون للمعلم هذا يده عليهم، وأكبروا أثره في تحرير بلادهم؛ فكافئوه على صنيعه بأن انتخبوه ليكون أول رئيس لجمهورية "أيرلندا" الحرة". وقريباً من هذا حدث في "ألمانيا".

ثم أعقب بقوله:

"ولذلك فأنت لا تجد قومية من القوميات إلا وتجاهد في سبيل بعث لغتها وفرضها على شبعها، ومحاولة إجبار الحكومات على الاعتراف بها وجعلها هي لغة التعليم لهم.

ولغتنا العربية ليست قومية فحسب، وإنما هي لغة دين أيضاً، فهي كما تجمع الشعوب العربية حولها تجمع حول الشعوب العربية قلوب المسلمين من غير العرب، وتجعل منهم سنداً قوياً لها في كل مكان، وظهيراً يدعم قضاياها في كل مجال، وعرف العدو المتيقظ أثر هذه اللغة في جمع الشمل الشتيت ولم الشعث المتفرق، واستيقن من قدرتها على حفظ كيان هذه الأمة ودفعها إلى النهوض على قدميها لتقف في وجهه ووجه مطامعه، فشن هجوماً عليها في جميع الميادين....".

في الفصل الثاني: تكلم المؤلف -رحمه الله- عن العدوان على اللغة العربية، وجهود الكفار والاحتلال والمخدوعين والمتآمرين على لغة القرآن، وما فعلوه لإقصاء لغة القرآن عن الحياة، وإبعاد الأمة عن لغتها كنوع من محو شخصية الأمة، وفصل ماضيها عن حاضرها ومستقبلها، وجزء من الحرب على الإسلام والقرآن. فكان مما قال:

"عرف أعداء الإسلام أثر اللغة في بناء حياة العرب والمسلمين، وقيمتها في حفظ الإسلام، وفهم القرآن فجندوا لحربها طائفة كبيرة من دهاقينهم واندفع وراء هؤلاء نفر من أبناء أمتنا -عن علم أو عن غير علم- يؤيدونهم في دعوتهم، ويظاهرونهم في ربهم، ويدعون للأخذ بخططهم ومشروعاتهم.

وقد رأى هؤلاء أن السيطرة على الأقوام لا تكون بالحديد والنار فحسب، وإنما تكون بالسيطرة على العقول، ومن السبل إلى ذلك إضعاف لغة الأمة ومحوها حتى تبعد الشقة بين الشعوب وماضيها، وتتقطع الأسباب بينها وبين تراثها؛ فتغدوا كإنسان فقد ذاكرته، وأصبح لا يملك من قوة ماضيه ما يعينه على دعم حاضره، ولا يجد من تراث أمسه ما يسد به حاجة يومه وبذلك يستكين لسلطانها ويخضع لطغيانها بعد أن بات شعباً لا ماضي له.

بدأت هذه الحرب في مختلف بلاد المسلمين:

ففي "الجزائر" مثلاً: فرض الفرنسيون على أبناء "الجزائر المسلمة" لغتهم الفرنسية، وحرموا تدريس العربية في المدارس والمعاهد، وحاربوا القرآن على أنه كتاب العربية الأكبر وحارسها الأمين وركنها الركين، وكذلك لأنه دستور وقانون المسلمين وسبيل نصرتهم وهدايتهم، حتى لم يبق لهذه اللغة وقرأنها إلا الكتاتيب وبعض المدارس الدينية الفقيرة، ولكن أنعم الله على الجزائر بجمعية علماء المسلمين وعلى رأسها العالم المجاهد المصلح الشيخ/ عبد الحميد بن باديس فهبت تنشئ المكاتب لتحفيظ القرآن والمدارس لتعليم الدين واللغة ولولا ذلك لأصاب العدو منها مقتلاً.

وفي مصر: حاول الإنجليز فرض اللغة الإنجليزية، وجعلها لغة التعليم منذ السنة الأولى في المرحلة الابتدائية إلى نهاية التعليم العالي، واستقدموا لذلك معلمين "إنكليز" يعملون على صهر أبناء المسلمين في البوتقة التي أعدوها لهم ويفتنونهم عن دينهم وحضارتهم ومثلهم، ويرغبونهم بحضارة "إنجلترا" وتراثها، وقد عمل الإنكليز في السودان على إبعاد العربية عن ميادين التعليم وعزلها عن ألسنة الطبقة المثقفة والمعدة لتولي القيادة في مختلف الميادين، ولولا المعهد الديني في "أم درمان" والمعاهد المصرية التي فتحت صدرها رحيباً للإخوة الأشقاء لكان للسودان اليوم شأن آخر يـُفرح العدو ويُـترح الصديق.

وفعلت فرنسا مثل ذلك في سوريا."

 ثم أعقب بقوله:

"ومما يلقي الضوء على هذا المخطط العدواني أن نعلم أن هؤلاء الأعداء الذين كانوا يحاربون العربية بكل سلاح ويكيلون التهم جزافاً، كانوا في الوقت نفسه يشجعون تعليم اللغة الكردية في فوارس العراق، ويحيون اللغة البربرية في أرض الجزائر.

ولقد قامت حروب ودعوات أخرى نشطت إليها الأيدي الآثمة، وهبت لها النيات المشبوهة تكيد للغة القرآن تحت شعار التجديد والإصلاح ومنها:

الدعوة إلى إحلال العامية محل الفصحى وهي دعوة مازالت قائمة يدندن حولها أصحابها إلى لحظة قراءتك هذه".

ومنها إحلال الحرف اللاتيني محل الحرف العربي.

ومنها الدعوة إلى دراسة الأدب العربي على أساس إقليمي بحيث يصبح بين أيدينا أدب شامي، وآخر عراقي، وثالث مصري، وهكذا... ودعوات ودعوات غير ما ذكر كثير."

ولرحلتنا مع الكتاب بقية بإذن الله تعالى.