الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الخميس 24 فبراير 2022 - 23 رجب 1443هـ

العلامات الحسان على حسن الاستعداد لشهر رمضان (1) (موعظة الأسبوع) استشعار فضل إدراك رمضان

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛   

- الغرض مِن الأحاديث: شحذ الهمم للاستعداد لشهر رمضان.

مقدمة:

أهمية الاستعداد لمواسم الطاعات:

- اقترب شهر رمضان، وهو مِن أعظم الأزمنة الفاضلة، ومواسم الجود الإلهي، حيث تُعتَق الرقاب، وتوزع الجوائز على الأحباب: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ) (متفق عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلم- في رواية: (إِذَا كَانَ ‌رَمَضَانُ فُتِّحَتْ ‌أَبْوَابُ ‌الرَّحْمَةِ) (رواه مسلم)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ ‌قَامَ ‌رَمَضَانَ ‌إِيمَانًا ‌وَاحْتِسَابًا ‌غُفِرَ ‌لَهُ ‌مَا ‌تَقَدَّمَ ‌مِنْ ‌ذَنْبِهِ) (متفق عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ وَيُنَادِي مُنَادٍ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

- الأزمنة الفاضلة مِن أنسب أوقات الجد والاجتهاد في فعل الطاعات، حيث تكثر فيها الرحمات النازلة من رب الأرض والسماوات: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (افْعَلُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللهِ فَإِنَّ للَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- نَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ) (رواه الطبراني في الكبير، وحسنه الألباني).

- فجدير بالمؤمنين أن يتواصوا على تحصيل أعلى درجات الفوز بهذا الجود الإلهي بحسن الاستعداد؛ فهم أولى بذلك مِن دعاة الباطل، واللهو الفجور، الذين تتعاظم هممهم في الاستعداد لهذا الشهر: قال الله -تعالى-: (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) (الليل: 4).

- الكل يستشعر قرب إقبال رمضان، ولكن هل أعددنا أنفسنا لاستقباله، وأين نحن من عظيم استعداد السلف لقدوم رمضان: قال معلى بن الفضل -رحمه الله-: "كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم!"، وقال يحيى بن أبى كثير -رحمه الله-: "كان مِن دعائهم: اللهم سلمني إلى رمضان، وسلم لي رمضان، وتسلمه منى متقبلًا".

- حسن الاستعداد مقدمة للنتائج الحسنة والنجاح: (الطالب المتفوق - العَدَّاء الماهر - الجيش المنتصر - ... )؛ فكيف بطلاب الآخرة؟! (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) (الرحمن: 60)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللهَ يُنَزِّلُ الْمَعُونَةَ عَلَى قَدْرِ الْمَئُونَةِ) (أخرجه البزار في مسنده، وصححه الألباني).

الخطوة الأولى: استشعار فضل إدراك رمضان:

- نسائم رمضان يستشعرها المحبون من الآن، فالمخلصون يستشعرون الخير بقلوبهم قبل إدراكه بأبدانهم: قال أنس بن النضر -رضي الله عنه ـ يوم أُحُد: (إِنِّي أَجِدُ رِيحَ الْجَنَّةِ دُونَ أُحُدٍ) (رواه البخاري)، وكان يعقوب -عليه السلام- يستشعر حياة يوسف -عليه السلام- بقلبه قبل حضور القافلة بقميصه: (وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ) (يوسف: 94).

- فكيف إذا انضاف إلى استشعار القلوب نسائم الرحمات والخيرات، استحضار فضل مَن أدرك الشهر؟ لقد سبق مَن عاش رمضان وتعبَّد لله فيه مَن جاهد واستشهد؛ فأي موسم، وأي خير أعظم من هذا؟! فعن طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه-: أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ بَلِىٍّ قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَكَانَ إِسْلاَمُهُمَا جَمِيعًا، فَكَانَ أَحَدُهُمَا أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنَ الآخَرِ، فَغَزَا الْمُجْتَهِدُ مِنْهُمَا فَاسْتُشْهِدَ ثُمَّ مَكَثَ الآخَرُ بَعْدَهُ سَنَةً ثُمَّ تُوُفِّىَ. قَالَ طَلْحَةُ: فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ بَيْنَا أَنَا عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ إِذَا أَنَا بِهِمَا فَخَرَجَ خَارِجٌ مِنَ الْجَنَّةِ فَأَذِنَ لِلَّذِي تُوُفِّىَ الآخِرَ مِنْهُمَا ثُمَّ خَرَجَ، فَأَذِنَ لِلَّذِي اسْتُشْهِدَ ثُمَّ رَجَعَ إليَّ فَقَالَ: ارْجِعْ فَإِنَّكَ لَمْ يَأْنِ لَكَ بَعْدُ، فَأَصْبَحَ طَلْحَةُ يُحَدِّثُ بِهِ النَّاسَ فَعَجِبُوا لِذَلِكَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَحَدَّثُوهُ الْحَدِيثَ فَقَالَ: (مِنْ أَيِّ ذَلِكَ تَعْجَبُونَ؟!)، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا كَانَ أَشَدَّ الرَّجُلَيْنِ اجْتِهَادًا ثُمَّ اسْتُشْهِدَ وَدَخَلَ هَذَا الآخِرُ الْجَنَّةَ قَبْلَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (أَلَيْسَ قَدْ مَكَثَ هَذَا بَعْدَهُ سَنَةً؟) قَالُوا: بَلَى. قَالَ: (وَأَدْرَكَ رَمَضَانَ فَصَامَهُ وَصَلَّى كَذَا وَكَذَا مِنْ سَجْدَةٍ فِي السَّنَةِ؟) قَالُوا: بَلَى، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (فَمَا بَيْنَهُمَا أَبْعَدُ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ) (رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني).

احذر التسويف بالاستعداد:

- المقصود بذلك: تأخير الاستعداد لرمضان بغير مسوغٍ أو مقتضى(1).

- وهذا هو التسويف الذي وَقَع فيه الثلاثة الذين خُلِّفوا -رضي الله عنهم-: قال كعب بن مالك -رضي الله عنه-: "وَتَجَهَّزَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَالمُسْلِمُونَ مَعَهُ، فَطَفِقْتُ أَغْدُو لِكَيْ أَتَجَهَّزَ مَعَهُمْ، فَأَرْجِعُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، فَأَقُولُ فِي نَفْسِي: أَنَا قَادِرٌ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ يَتَمَادَى بِي حَتَّى اشْتَدَّ بِالنَّاسِ الجِدُّ، فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَالمُسْلِمُونَ مَعَهُ، وَلَمْ أَقْضِ مِنْ جَهَازِي شَيْئًا، فَقُلْتُ: أَتَجَهَّزُ بَعْدَهُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، ثُمَّ أَلْحَقُهُمْ، فَغَدَوْتُ بَعْدَ أَنْ فَصَلُوا لِأَتَجَهَّزَ، فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، ثُمَّ غَدَوْتُ، ثُمَّ رَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، فَلَمْ يَزَلْ بِي حَتَّى أَسْرَعُوا وَتَفَارَطَ الغَزْوُ، وَهَمَمْتُ أَنْ أَرْتَحِلَ فَأُدْرِكَهُمْ، وَلَيْتَنِي فَعَلْتُ، فَلَمْ يُقَدَّرْ لِي ذَلِكَ" (متفق عليه).

لقد حَثَّ الشرع على المبادرة بالأعمال الصالحة وعدم التسويف بها: قال الله -تعالى-: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) (الأنبياء: 90)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغُلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ) (رواه الحاكم، وصححه الألباني)، وقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "القوة في العمل ألا تؤخر عمل اليوم إلى الغد".

خاتمة: مَن زرع حصد(2):

ازرع من الآن لتحصد في رمضان: (وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً) (التوبة: 46).

وللحديث بقية عن خطوات أخرى على طريق الاستعداد لرمضان -إن شاء الله-.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كحال بعضهم في قوله: "لا داعي للتعجيل بالاستعداد، فسأكون جاهزًا مع أول يوم!"، وهذا شأنه شأن الطالب البليد الذي يفتح الكتب ليلة الامتحان! أو العَدَّاء الفاشل الذي يقوم مِن النوم على السباق! وهكذا كل مَن لم يحسن الاستعداد قبل الأمور العظيمة، فالنتيجة غالبًا محسومة، وهي المجيء في الترتيب متأخرًا، أو عدم إكمال الأمر والعجز؛ بسبب سوء الاستعداد.

(2) إشارة إلى بعض الأعمال التي هي خطوات ومعالم على طريق الاستعداد، حتى يأتي الحديث عليها تفصيلًا إن شاء الله، مثل: (تحقيق التوبة الصادقة ـ مطالعة أحكام الصيام وأسراره وحِكَمه ـ كثرة صيام النوافل قبل رمضان ـ مصاحبة الصالحين ومطالعة سير السلف في رمضان ـ الإقبال على القرآن ـ الإقبال على المساجد ـ تعويد الجوارح على الاستقامة ـ تعويد البدن على القيام ـ ... ).