الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الخميس 26 أغسطس 2021 - 18 محرم 1443هـ

الفساد (102) أين دور الزراعة في الاقتصاد المصري؟ (4)

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فـ(يشكل تراجع مساحة زراعات المحاصيل الإستراتيجية في مصر خلال السنوات الأخيرة على الرغم من تزايد مساحة الأراضي الزراعية أزمة؛ نتيجة لسياساتٍ زراعيةٍ تم تطبيقها والأخذ بها خلال السنوات الماضية، اتسمت بالخطأ والعشوائية، وهو ما أدَّى في النهاية إلى البدء في الاستيراد. الواقع يقول: إن مصر دولة زراعية، وليس منطقيًّا أن تستورد احتياجاتها الزراعية من الخارج!).  

(وكانت مصر بعد ثورة 23 يوليو عام 1952 قد وضعت سياسة زراعية، وخططًا خمسية وعشرية، وخططًا طويلة الأمد لتوفير ما أسمته وقتها بالمحاصيل الغذائية الصناعية أو المحاصيل الإستراتيجية، وهي المحاصيل التي تدخل في توفير غذاء المصريين، وكذلك التي كانت تقوم عليها الصناعات في مصر).

(كانت محاصيل القمح والأرز، والقطن، وقصب السكر، والذرة، والفول البلدي هي أهم الحاصلات التي تتم زراعتها في الدورة الزراعية أو ما كان يسمَّى بالتركيب المحصولي، وكان يدخل معها مساحات بسيطة من البصل والثوم والعدس، ودوار الشمس، وجانب من مساحة الخضروات التي لا تذكر) (راجع ملف: "الزراعة: طوق الخروج من عنق الزجاجة" جريدة صوت الأمة - عدد 19 يناير 2019 م، ص 5 بتصرفٍ).

ماذا فعل "يوسف والي" في الزراعة المصرية:

(لكن هذه السياسة الزراعية اختفت بعد ذلك خلال الـ 30 عامًا الأخيرة بدخول زراعة المحاصيل التصديرية أو المحاصيل الربحية في سياسة الزراعة بمساحاتٍ كبيرةٍ؛ خاصة عندما تولَّى الدكتور يوسف والي ملف الزراعة لأكثر من 22 عامًا متصلة، وخلالها تم تثبيت هذه السياسة وحلَّت محاصيل زراعية جديدة محل الحاصلات الزراعية الإستراتيجية القديمة، وبدأ المزارعون والشركات في التوسع في زراعتها، مثل: البطاطس، وبنجر السكر، والموالح والفراولة، والكانتلوب، والعنب، والمانجو، والرمان، وغيرها.

وللحقيقة فقد كانت بعض هذه المحاصيل تتم زراعتها بمساحاتٍ بسيطةٍ غير أنها شيئًا فشيئًا أخذت في التهام مساحات زراعات القمح والقصب، والفول والذرة والأرز؛ حتى تفاقمت فجوة مساحة وإنتاجية المحاصيل الرئيسية اللازمة لرغيف الخبز، وغذاء غالبية المصريين، مثل: القمح والأرز، والفول والقصب لحساب الزراعات التصديرية الربحية التعاقدية) (المصدر السابق).

ويوسف والي: هو يوسف محمد أمين موسى ميزار، وُلِد في الفيوم في 2 أبريل 1930، شغل منصب وزير الزراعة من 4 يناير 1982 حتى 2004، كما عُيِّن أيضًا نائبًا لرئيس الوزراء، ثم صار الأمين العام للحزب الوطني الحاكم في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك، فكان أحد أبرز رجاله بعد ثورة 25 يناير 2011 اتهم بقضايا فساد عديدة، لكنه حصل على البراءة من تهمة فساد الذمة المالية واستيراد مبيدات مسرطنة، توفي في 5 سبتمبر 2020.         

يذكر (د. موسى فتحي عتلم) أستاذ الجغرافيا الاقتصادية المساعد بكلية الآداب جامعة المنوفية: أن الخريطة الزراعية في مصر قد شهدت في السنوات الأخيرة (تغيرات جوهرية واضحة، كان مِن أهمها: تضاؤل مساحة القطن وانكماشه في عددٍ محدودٍ من المناطق، وبالتالي: انخفاض إنتاجه والعائد منه، والزيادة الواضحة في مساحة الخضروات التي بلغت نسبة مساحتها 8و11% من المساحة المحصولية في مصر عام 2017/2018. كذلك زيادة مساحة الفواكه لتصل إلى 3و8 % في العام ذاته مقابل 5 و7 % مساحتها عام 1990)، بينما ارتفعت مكانة القمح إلى المرتبة الأولى)، (بنسبة 4 و18 % من المساحة المحصولية في مصر عام 2017/2018) مقابل نسبة 1 و16 % من المساحة المحصولية عام 1990. واحتلت الذرة (المرتبة الثانية في المساحة المحصولية بنسبة 5 و16 %)، مقابل (نسبة 2 و15 % من المساحة المحصولية عام 1989/ 1990، ويعود هذا الارتفاع في مساحة الذرة إلى تزايد الطلب عليه كعلف للحيوان ونجاح زراعته أكثر من مرة في العام، بينما مثَّل (بتشديد الثاء) البرسيم المرتبة الثالثة بنسبة 3 و13 % من المساحة المحصولية) مقابل 1و20 % من المساحة المحصولية، (ويعود هذا التناقص في الوزن النسبي لمساحة البرسيم إلى التحول الكبير في الاعتماد على الذرة كمحصول لغذاء الحيوان عن طريق الدريس، بعد أن كان جزءًا كبيرًا من إنتاجه يدخل كغذاء للإنسان)، بينما تراجع القطن حيث بلغ (نسبة 4 و1 % فقط من المساحة المحصولية عام 2017 /2018) بعد أن كانت نسبته 2 و8 % من المساحة المحصولية عام 1989/1990، بينما (جاء الأرز في المرتبة الرابعة بنسبة 3 و8 % من المساحة المحصولية) عام 2017/2018 مقابل (56 و8 % من المساحة المحصولية عام 1989/ 1990، وجاءت باقي المحاصيل في مراتب متأخرة عن المحاصيل السابقة) (انظر ما كتبه د. موسى فتحي عن كتاب: "من خريطة الزراعة المصرية" للدكتور جمال حمدان من كتاب: "التراث الفكري لجمال حمدان" تحرير د. فتحي محمد مصيلحي ط. الهيئة المصرية العامة للكتاب ط. أولى 2020، ص141 - 142 بتصرفٍ واختصارٍ).

تجريف وتبوير:

قال الأستاذ علاء ثابت رئيس تحرير جريدة الأهرام القاهرية: (مشروع مستقبل مصر يزحف على الصحراء ليعمرها، يحول رمالها إلى كنوز، على النقيض من مشاريع التجريف التي أفقدت مصر نحو مليوني فدان من أجود أراضيها، وحولتها إلى مبان عشوائية، وأحرقت طمي النيل وحولته إلى طوب أحمر في قمائن تنفث مداخنها الدخان الأسود في كل أنحاء الوادي والدلتا، وكانت الحكومات تغض البصر عن تلك الجرائم الخطيرة على مستقبل مصر؛ إما بسبب الفساد الذي استشرى في المحليات، وأنتج فئات من المستفيدين من تجريف تربة مصر وتحويل أراضيها الزراعية الخصبة إلى أرض بناء تباع بعشرات أضعاف سعر الأرض الزراعية، وأخرون تعمدوا تبوير أراضيهم، وفئات أخرى تنتفع من استخراج تراخيص بناء بالتحايل على القوانين أو تتجاوز في عدد الأدوار  ليتمدد البناء ويلتهم ثروة مصر الزراعية) (من مقال: رئيس تحرير الأهرام علاء ثابت - الأهرام - عدد الجمعة 2 يوليو 2021، ص7).

إن المأمول من قطاع الزراعة في مصر عدة أمور، أولها بالطبع: تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء والمنتجات الزراعية بتوفير المحاصيل الزراعية الأساسية لسد حاجات الأمة من الطعام، وفي مقدمتها: القمح والأرز والذرة، وتوفير المحاصيل الزراعية الداخلة في العديد من الصناعات، وفي مقدمتها: بالطبع القطن وقصب السكر والبنجر. وثانيًا: تقليل فاتورة استيراد المواد الغذائية والمنتجات الزراعية من الخارج بقدر الإمكان. وثالثًا: فتح المجال أمام المحاصيل والمنتجات الزراعية المحلية للتصدير للخارج.

وقد أصدرت وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي تقريرًا عن إستراتيجية التنمية الزراعية المستدامة حتى عام 2030، واحتوى الجزء الأول منه على تحليل لأداء القطاع الزراعي منذ عام 1980، وحتى 2007. وأكَّد التقرير: أن المساحة المنزرعة زادت من 87 و5 مليون فدان عام 1980 إلى 12 مليون فدان عام 2007، وأن الصادرات المصرية ظلت لفترة طويلة من الزمن محصورة في 4 محاصيل رئيسية وهي القطن والأرز والبصل والموالح، ومنذ فترة التسعينيات بدأت مرحلة التحول الجذري في هيكل تجارة الصادرات الزراعية، حيث تنوعت محصوليًّا واتسعت سوقيًّا، وتضاعفت من حيث القيمة والعائد التصديري.

ومما يؤكِّد ذلك: أن جملة قيمة الصادرات الزراعية بلغت حوالي مليار و230 مليون دولار سنويًّا خلال الثلاث سنوات الأخيرة من عام 2005 - 2007، وكانت تشكل المحاصيل الـ4 وقتها حوالي 50 % من الحصيلة التصديرية، والباقي كان حصيلة تصديرية للعديد من الحاصلات الأخرى، مثل: الخضر والفاكهة، والنباتات الطبية والعطرية، كما اتسعت الدائرة التسويقية للصادرات المصرية فلم تعد قاصرة على السوق العربية والأوروبية، بل انتشرت لتصل إلى العديد من الأسواق الإفريقية وجنوب شرق آسيا، وغيرها من أسواق الاستيراد الرئيسية على النطاق العالمي، حتى بلغت الصادرات في عام 2018 وَفْق تقرير حديث لوزارة الزراعة حوالي 5 ملايين و200 ألف طن من 13 محصولًا زراعيًّا تجاوزت قيمتها 2 مليار دولار) (صوت الأمة - عدد 19 يناير، ص 5).

خريطة طريق لإعادة زراعة المحاصيل الإستراتيجية:

يرى بعض المتخصصين في شئون الزراعة في مصر أنه يمكن استعادة زراعة المحاصيل الإستراتيجية في مصر من جديد من خلال:

أولًا: إعادة العمل بالتركيب المحصولي والدورة الزراعية مرة أخرى لجدولة أعمال الزراعة المصرية بعد أن هجرناها طويلًا.

ثانيًا: تفعيل آليات وقوانين الزراعة التعاقدية، حتى يضمن الفلاح والمزارع أنه سيزرع محصولًا، ويجد من يشتريه أو مَن يتسلمه منه، أو يضمن توريده بمقابل مادي معقول ومربح، ويحصل خلال الزراعة على التقاوي، والمبيدات، والأسمدة والخدمة الزراعية في مقابل توريد المحصول.

ثالثًا: تقييم المحاصيل تقييمًا علميًّا صحيحًا، فمثلًا: كل الحديث حاليًا عن قصب السكر أنه يأخذ كميات كبيرة من المياه، فيقدم عليه البنجر.

والحقيقة: أن فدان القصب يعطي 4 طن سكر، بينما يعطي فدان البنجر 2 طن، والقصب تقوم عليه 23 صناعة أخرى، والتقاوي الخاصة بالقصب محلية مصرية، بينما البنجر يتم استيراد تقاويه، كما أن زراعة البنجر تتم أكثر من عروة فيستهلك مياها أكثر من القصب. وشبيه بذلك موضوع الأرز الذي تصفه وزارة الري بأنه يستهلك مياهًا أكثر، بينما هو محصول مهم لمحافظات شمال الدلتا؛ لأن الأرض ملوحتها زائدة، وتحتاج هذا المحصول على وجه الخصوص، علاوة على أن كمية النشا في الأرز أكثر من القمح بكثير.

رابعًا: أن يحصل المزارع على سعر مجز لزراعة المحصول الإستراتيجي؛ لأنه لا يعقل أن يزرع الفلاح طوال الموسم دون الحصول على مقابل ما أنفقه على زراعته، ثم هامش ربح يشجعه على تكرار زراعة المحصول.

ومثال لذلك: زراعة القطن، فلدينا قطن طويل التيلة، وفائق الطول وممتاز يتلهف العالم على زراعته ومنتجاته، لكننا لا نزرعه نتيجة أن مصانع الغزل تم تصميمها على القطن قصير التيلة (الملف السابق، ص 5).

مركز الزراعات التعاقدية:

مركز صدر قرار إنشائه في 2015، دوره الرئيسي هو التسويق، ولكنه ليس له دورًا فعَّالًا؛ حيث إنه لا بد من إعلان أسعار شراء (توريد) المحاصيل الإستراتيجية من الفلاح مقدمًا قبل أو في بداية الموسم الزراعي لكل محصول، على أن تكون تلك الأسعار معلنة ومجدية للفلاح والمزارع، وألا يتم ربط سعر التوريد بالأسعار العالمية حيث من شأن ذلك أن يجعل الفلاح عرضة للخسارة بسبب تقلبات الأسعار العالمية، وانخفاضها في بعض الأحيان، حتى لو اضطرت الدولة لدعم الفلاح أو المزارع  في إنتاج تلك المحاصيل حتى لا يكون ذلك سببًا في عزوف الفلاحين والمزارعين عن زراعتها؛ مما يجعل البلاد عرضة لعدم الوفاء بالاحتياجات في مرحلة من مراحله إذا توقف استيراد تلك السلع من المصدر تبعًا لظروفه (انظر المصدر السابق،  ص 6).

مأساة زراعة القطن في مصر:

اشتهرت مصر لفتراتٍ طويلةٍ بزراعة القطن وقد كان يعد محصولًا إستراتيجيًّا يحظى باهتمام الدولة لأهميته الاقتصادية ومكانته العالمية وسمعته الطيبة؛ إذ كان محصولًا تصديريًّا يتمتع بميزة نسبية بين الأقطان، إذ كان أعلاها جودة ومتانة، وتقوم عليه -وما زالت- صناعات عديدة من منسوجات واستخلاص زيوت وأعلاف حيوان .

كان الفلاح المصري حريصًا على زراعة القطن؛ لما يعود عليه من الربح الوفير، حيث كانت تتولى الدولة له تسويقه بسعر معقول، ومَرَّت الأيام لتفقد زراعة القطن مكانتها وتتراجع المساحات المزروعة من القطن ويعزف الفلاح عن زراعته؛ لئلا يتعرض للخسارة، وتدهورت صناعة الغزل والنسيج في مصر، وقَلَّ نصيب القطن في التصدير للخارج، بل أصبحنا نستورد للقطن لاستمرار ما بقي من مصانع الغزل والنسيج عندنا! إن مأساة زراعة القطن وما آلت إليه أوضاعه نموذج صارخ لأحوال الزراعة والاقتصاد في مصر.

بدأت مساحات زراعة القطن في الزيادة التدريجية من عهد "محمد علي"، حتى بلغت نحو 2 مليون فدان في فترة الثمانينيات من القرن العشرين، ثم أخذت في الانخفاض التدريجي منذ عام 1994، بعد إيقاف التسويق التعاوني وظهور القانون رقم 210 لسنة 1994، وهو قانون التجارة الحرة للقطن المصري، والذي انتهى معه التسويق التعاوني ورفعت معه الحكومة يد العون عنه، وحل محله التسويق الحر، والذي نجم عليه العديد من المشاكل التي أخذت تتراكم عامًا بعد عام فتراجعت معها المساحات المزروعة من القطن حتى وصلت عام 2020 إلى 153 ألف فدان فقط موزعة على 7 أصناف تجارية تزرع في 14 محافظة، هي المحافظات التي يزرع فيها القطن.

ففي ظل التسويق الحر يتولى الفلاح تسويق ما زرعه من القطن بنفسه فيقع فريسة للتجار، ولا يحصل على الثمن الحقيقي لمحصوله، فيبيعه بسعر منخفض، وفي الوقت الذي يعاني فيه الفلاح من تدني سعر المحصول وصعوبة تسويقه يعاني الفلاح من عدم توفير التقاوي (بذور القطن) بالشكل الذي يلبي احتياجاته لزراعة مساحات أكبر؛ إذ لم تعد توفرها الحكومة كما كانت من قبل، بل إنها تكون مخزنة من العام الماضي مما يؤثِّر على إنتاجها، كما أن المزارعين يفتقدون الرعاية والإرشاد والمتابعة في مواجهة المشكلات التي تواجههم عند زراعة القطن كما كان الأمر من قبل، والتي مِن أهمها: ارتفاع مستلزمات الإنتاج ورش المحصول بالسماد وغياب الإرشاد الزراعي؛ هذا في الوقت الذي يعاني الريف من نقص العمالة خاصة مع هروب العمالة للعمل خارج مصر، وهجر الزراعة بعد الانفتاح الاقتصادي، مما يؤثِّر على جني القطن لقلة العمالة مما يتسبب في ارتفاع تكلفة جني القطن بذلك في ظلِّ عدم توفير الحكومة للميكنة الزراعية اللازمة لجني القطن لتعويض نقص العمالة.

وهكذا تحولت زراعة القطن من زراعة مربحة يقبل عليها الكثير من الفلاحين والمزارعين ويفرحون بها، حيث العائد منها كان مجزيًا، يستندون إليه في زواج أبنائهم أو كسوتهم والإنفاق عليهم، إلى زراعة تكبدهم خسائر؛ بسبب تدني العائد من المحصول وارتفاع تكاليف إنتاجه وخدمته، وارتفاع تكلفة العمالة وخلافه، إلى جانب صعوبة تسويقه، وبلغت المعاناة لدى بعضهم أن هناك قطنًا من العام الماضي عجز مزارعون عن توريده حتى الآن، ومنهم مَن يعاني مِن تباطؤ التجار في دفع مستحقات بيع المحصول لديهم.

ومما يزيد المشكلة تفاقمًا: أن ماكينات النسيج الموجودة في مدينة المحلة الكبرى حاليًا هي ماكينات مخصصة لصناعة القطن قصير التيلة فقط؛ مما يستلزم استيراد القطن قصير التيلة من الخارج، مع تصدير القطن طويل التيلة الذي يزرع في مصر للخارج، حيث يصدر هذا القطن المصري للخارج في صورته الخام. وجانب كبير من حل الأزمة يكمن في تقديم الدولة الدعم لزراعة القطن، ومعاونة الفلاح في تسويقه، وتطوير ماكينات النسيج للعمل على القطن طويل التيلة مرة أخرى؛ مما يقلل من استيراد القطن قصير التيلة من الخارج، ويمنع تصدير القطن طويل التيلة وهو خام، بل يتم تصنيعه في مصر وتصديره في صورة غزول أو منسوجات للاستفادة من القيمة المضافة بتصنيعه بدلًا من بيعه خامًا.  

خطوات على الدرب:

بدأت الحكومة المصرية حاليًا في محاولة إعادة زراعة القطن وصناعة الغزل إلى سابق عهدها بعدة خطوات في الاتجاه الصحيح، ولكن ما زال الطريق طويلًا لإصلاح ما فسد، واستعادة ما فات.

ومن الجهود التي اتخذتها الحكومة للنهوض بالقطن المصري:

أعلنت وزارة قطاع الأعمال في بيانٍ لها: أن هناك خطة شاملة تقودها الوزارة لتطوير وتحديث صناعات القطن والغزل من خلال إعادة هيكلة وتطوير شركات الحلج والغزل والنسيج، بتكلفة استثمارية تبلغ 21 مليار جنيه لوقف نزيف خسائر الغزل والنسيج وتحويلها إلى ربحية، وتعظيم القيمة المضافة للقطن المصري وإعادته للمنافسة العالمية من جديد خاصة في ظل ما يتميز به.

ويشمل التطوير السلسلة الصناعية بداية من مرحلة تطوير محالج القطن وهي الأهم، حيث يشمل التطوير توريد ماكينات حديثة، وأعمال إنشائية لمبانٍ جديدة تتمشى مع متطلبات الآلات الحديثة بتكلفة تقديرية تبلغ 400 مليون جنيه، مع التنسيق بين وزارتي: الزراعة والتجارة والصناعة؛ لتطبيق منظومة جديدة لتجارة القطن.

ومما يعزز مِن دعم هذه المنظمة: مشروع (جسور) الذي أطلقته الوزارة؛ لتعزيز التجارة الخارجية بين مصر وإفريقيا (انظر في ذلك: مقال: "خطة لاستعادة عرش القطن" هاني البنا - مجلة الأهرام الزراعي - عدد مارس 2021م، ص 46).   

وضع وزارة الزراعة خطة إستراتيجية طموحة للوصول بمساحة القطن المزروعة في مصر إلى 450 ألف فدان بحلول عام 2025 والوصول بها إلى 700 - 800 ألف فدان بحلول عام 2030، للنهوض بزراعة القطن وصناعة المنسوجات إلى جانب حل مشكلة نقص إنتاجية الزيوت بمصر، حيث ننتج نحو 3 % من إجمالي استهلاك الزيوت.

الدفع بعددٍ مِن الأصناف الجديدة ذات الإنتاجية المرتفعة من القطن، ومِن أهمها:

صنف جيزة 94: وهو مرتفع الإنتاجية، مبكر في نضجه، موفر في مياه الري، له معدل تصافي ووزن لوزة عال، ويزرع في نحو 70 % من إجمالي المساحة المزروعة قطن في مصر.

صنف جيزة 95: وهو طويل التيلة، يزرع في الوجه القبلي بإنتاجية مرتفعة، مبكر النضج، موفر جدًّا لمياه الري.

صنف جيزة 96: وهو فائق الطول يزرع في فوة ومطوبس في كفر الشيخ، غزله فائق النعومة، محصوله مرتفع.

صنف جيزة 97: من أحدث الأصناف، يعد من الأصناف الطويلة في وجه بحري، نضجه مبكر، موفر لمياه الري، يمكن زراعته بعد المحاصيل الشتوية دون أن يؤثر على الإنتاجية، وهو يزرع لأول مرة على النطاق التجاري هذا العام (راجع في ذلك: الأهرام الزراعي، ملف: "عزوف المزارعين عن زراعة القطن: أسباب وحلول" منى عبد العزيز وفاروق الحاج - عدد مارس 2021م، ص 6- 9).

صدور التوجيهات الرئاسية بالتوسع في المدن النسيجية، ومنها: "مدينة النسيج" التي ستُقَام بمحافظة المنيا، ومدينة السادات، إلى جانب المصانع التي افتتحها الرئيس في منطقة الروبيكي، والتي بها مصانع غزل رفيع.

صدور التوجيهات الرئاسية بعمل منظومة جديدة لتسويق محصول القطن من خلال التعاون بين وزارة الزراعة، ووزارة التجارة والصناعة، ووزارة القطاع العام، تكون خليطًا ما بين نظام التجارة الحر ونظام التسويف التعاوني، يمكن للمزارع من خلالها بيع محصوله والحصول على أعلى سعر عن طريق المزاد المباشر بعيدًا عن التجار، إلى جانب وضع رتبة وتصافي لكل قطن؛ للتفريق بين القطن الجيد، والقطن منخفض الرتبة.

وقد تم تطبيق هذه المنظومة موسم 2019 بمحافظتي: الفيوم وبني سويف، ثم إضافة محافظتي: البحيرة وكفر الشيخ موسم 2020 على أن يتم التسويق في كلِّ المحافظات التي تزرع القطن في موسم 2021.

التطلع إلى إنشاء صندوق لدعم المحاصيل الزراعية، ومنها: صندوق لموازنة أسعار القطن.

التطلع إلى إعادة نظام الدورة الزراعية، والعودة لزراعة التقاوي الجيدة وتوفير كمياتها وضبط أسعارها، (ويقوم مركز البحوث الزراعية حاليًا بتوفير أول دفعة من التقاوي لزراعة الوسم الجديد ، وهي 200 شيكارة بسعر 260 جنيها للشيكارة، ووزنها 24 كيلو جرام، والشيكارة تكفي لزراعة فدانٍ واحدٍ) (راجع المصدر السابق، ص 7).