الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الإثنين 16 أغسطس 2021 - 8 محرم 1443هـ

ضوابط السفر إلى بلاد الكفر

كتبه/ محمود دراز

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فهناك الكثير من الأفكار العفنة تُصدِّر لنا: أن مصر ليست لها قيمة، أو بلاد المسلمين عمومًا، وترسِّخ كره الوطن في نفوس الشباب؛ لذا تجد هناك مَن يقول: لو أتيحت لي الهجرة إلى بلد أوروبي لهاجرت، الحقيقة غير ذلك تمامًا؛ لماذا؟!

لأن الوطن كالأم التي تحتضن صغيرها، فيشعر بالدفء والحنان خلاف احتضان امرأة أخرى لصغيرٍ ولو حتى كانت تشعره بالحنان.

أيها الشباب... حينما نتكلم نعلم تمامًا المعناة التي يعانيها الكثير مِن شباب اليوم من ارتفاع المهور والأسعار، والغلاء بكل أشكاله، ولكن قف كي تتدبر قليلًا: هل كل مَن هاجر مِن بلده عاش في رغدٍ مِن العيش وشعر بالأمن والاستقرار، وعبد الله كما كان يعبد الله في بلده بين إخوانه من المسلمين، الحقيقة لا، لأن مَن هاجر شاهد المعاناة؛ إما في العمل أو مِن أصحاب الأعمال، وهناك مَن رأى الذل والهوان وعاد إلى وطنه ساجدًا لله في أرض المطار.

ونقول ذلك لمَن افتتن بتقدم الغرب؛ لكثرة أموالهم، فالهجرة لها ضوابط، وطبعًا الأغلبية لا يبحث ولا يكلِّف نفسه أن يسأل عن الحكم وضوابطه طمعًا في الغنى السريع، فالهجرة من بلاد الإسلام إلى بلاد الكفر لها ضوابط شرعية، ومِن العلماء مَن قال بعدم الجواز استنادًا لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ)، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ؟ قَالَ: (لَا تَرَاءَى نَارَاهُمَا) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني).  

وقال الحق في محكم تنزيله: (الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا) (النساء:97).

قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره لهذه الآية: "هذه الآية عامة في كلِّ مَن أقام بين ظهراني المشركين، وهو قادر على الهجرة، وليس متمكنًا من إقامة الدِّين، فهو ظالم لنفسه، مرتكب حرامًا بالإجماع".

وقال الشيخ ابن باز -رحمه الله-: "السفر إلى بلادهم مع قلة العلم، وقلة البصيرة فيه ضرر كبير، وخطر عظيم، فإن الشرك بالله بينهم ظاهر، والمعاصي بينهم ظاهرة من الزنا، وشرب الخمور وغير ذلك، فالسفر إلى بلادهم ولا سيما مع قلة العلم، وقلة الرقيب، مِن أعظم الأسباب في الوقوع في الباطل، واتباع ما يدعو إليه الشيطان من الشبهات الباطلة، والشهوات المحرمة.

فالهجرة إلى بلاد الكفر لابد للمهاجر أن يكون على علمٍ شرعي حتى لا يقع في الشبهات والمحرمات، وأن يقدر المهاجر أن يقيم شعائر دينه بحرية، فلو علمت حقيقة الدنيا وزوالها؛ لعلمت أن الهجرة لابد أن تكون لله لا للدنيا، أي تذهب داعيًا للإسلام؛ فهذا هو الفوز والغنى الدائم.

اختصارًا مهما عانيت مِن ضيق العيش لن تجد مثل وطنك المسلم أو بلاد المسلمين عمومًا، وطنك حافظ عليه وتمسك به!