الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
السبت 16 مايو 2020 - 23 رمضان 1441هـ

فضائل الصيام في سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-

كتبه/ أحمد فريد

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛   

1- عن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: قلت يا رسول الله، مرني بعمل، قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مُرْنِي بِعَمَلٍ، قَالَ: (عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا عَدْلَ لَهُ)، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْنِي بِعَمَلٍ، قَالَ: (عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا عِدْلَ لَهُ) (رواه النسائي، وصححه الألباني).  

2- وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ هُوَ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، إِذَا كَانَ يَوْمُ صِيَامِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ شَاتَمَهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَرِحَ بِصَوْمِهِ) (متفق عليه).   

قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: "خلوف الفم: رائحة ما يتصاعد منه من الأبخرة، لخلو المعدة من الطعام بالصيام، وهي رائحة مستكرهة في مشام الناس في الدنيا، ولكنها عند الله طيبة، حيث إنها ناشئة عن طاعته وابتغاء مرضاته، كما أن دم الشهيد يجيء يوم القيامة يثغب دمًا، لونه لون الدم، وريحه ريح المسك، وفي ريح خلوف فم الصائمين عند الله -عز وجل- معنيان:

أحدهما: أن الصيام لما كان سرًّا بين العبد وبين ربه في الدنيا أظهره الله في الآخرة علانية للخلق ليشتهر بذلك أهل الصيام، ويُعرفون بصيامهم بين الناس جزاءً لإخفائهم صيامهم في الدنيا.

والمعنى الثاني: أن مَن عبد الله وأطاعه وطلب رضاه في الدنيا بعمل، فنشأ من عمله آثار مكروهة للنفوس في الدنيا، فإن تلك الآثار غير مكروهة عند الله -عز وجل-، بل هي محبوبة له وطيبة عنده؛ لكونها نشأت من طاعته واتباع مرضاته، فإخباره بذلك للعاملين في الدنيا تطييب لقلوبهم؛ لئلا يكره منهم ما وجد في الدنيا؛ ولهذا المعنى كان دم الشهيد ريحه يوم القيامة كريح المسك، وغبار المجاهدين في سبيل الله ذريرة أهل الجنة، والذريرة: نوع مِن الطيب مجموع من أخلاط، فكل شيء ناقص في عرف الناس في الدنيا إذا انتسب إلى طاعته ورضاه فهو الكامل في الحقيقة.

- خلوف أفواه الصائمين له أطيب من ريح المسك.

- عري المحرمين لزيارة بيته أجمل من لباس الحلل.

- نوح المذنبين على أنفسهم من خشيته أفضل من التسبيح.

- انكسار المخبتين لعظمته هو الجبر.

- ذل الخائفين من سطوته هو العز.

- بذل النفوس للقتل في سبيله هو الحياة.

- جوع الصائمين لأجله هو الشبع.

- عطشهم في سبيل مرضاته هو الري.

 نصيب المجتهدين في خدمته هو الراحة.

قال بعضهم:

تـذلـل أرباب الهوى في الهوى عز                 وفـقـرهم نحو الحـبـيب هـو الكـنـز

وسـتـرهـم فـيـه الـسـرائـر شهرة                   وغير تلاف النفس فيه هو العجز

وقال آخر:

ذل الفتى في الحب مكرمة                وخـضـوعه لحبيـبه شرف

3- عن سهل بن سعد -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِنَّ فِي الجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ) (متفق عليه).

قال العز بن عبد السلام -رحمه الله-: "أما تحصيص دخولهم الجنة بباب الريان، فإنهم ميزوا بذلك الباب؛ لتميز عبادتهم وشرفها".

وقال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في الريان: "وقعت المناسبة فيه بين لفظة ومعناه؛ لأنه مشتق من الري، وهو مناسب لحال الصالحين".

قال القرطبي: "اكتفي بذكر الري عن الشبع؛ لأنه يدل عليه من حيث إنه يستلزمه".

وقال الحافظ: "أو لكونه أشق على الصائم من الجوع".

4- عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصيَامُ: أَيْ رَب مَنَعْتُهُ الطعَامَ وَالشهَوَاتِ بِالنهَارِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِالليْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).

قال الألباني: "أي: يشفعهما الله فيه، ويدخله الجنة".

5- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ثلاثُ دَعَواتٍ مُسْتَجاباتٌ دَعْوَةُ الصَّائِمِ وَدَعْوَةُ المُظْلُومِ ودَعْوَةُ المُسافِرِ) (رواه البيهقي، وصححه الألباني).

6- قوله -صلى الله عليه وسلم-: (لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- فَرِحَ بِصَوْمِهِ) (متفق عليه).

قال العلامة ابن رجب -رحمه الله-: "أما فرحة الصائم عند فطره: فإن النفوس مجبولة على الميل إلى ما يلائمها من مطعم ومشربٍ ومنكح، فإذا مُنعت من ذلك في وقتٍ مِن الأوقات، ثم أُبيح لها في وقتٍ آخر، فرِحت بإباحة ما منعت منه؛ فإن النفوس تفرح بذلك، وأما فرحه عند لقاء ربه، فيما يجده عند الله من ثواب الصيام مدخرًا، فيجده أحوج ما كان إليه؛ كما قال -تعالى-: (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا) (المزمل:20).

7- قال -صلى الله عليه وسلم-: (الصَّوْمُ جُنَّةٌ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَجْهَلْ، وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ) (متفق عليه).

وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ) (متفق عليه).

قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: "الجُنَّة: الوقاية والستر، وتبين بالروايات متعلق هذا الستر، وأنه من النار، وبه جزم ابن عبد البر".

وقال ابن العربي -رحمه الله-: "وإنما كان الصوم جنة من النار؛ لأنه إمساك عن الشهوات، والنار محفوفة بالشهوات".

وقال المناوي -رحمه الله-: "إنما شرع الصوم كسرًا لشهوات النفوس، وقطعًا لأسباب الاسترقاق والتعبد للأشياء، فإنهم لو داموا على أغراضهم لاستعبدتهم الأشياء وقطعتهم عن الله، والصوم يقطع أسباب التعبد لغيره، ويورث الحرية من الرق للمشتهيات؛ لأن المراد مِن الحرية أن يملك الأشياء ولا تملكه؛ لأنه خليفة الله في ملكه، فإذا ملكته فقد قلب الحكمة وصيَّر الفاضل مفضولًا، والأعلى أسفل"، (أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِي) (الأعراف:140)، والهوى إله معبود، والصوم يورث قطع أسباب التعبد لغيره.

8- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ خُتِمَ لَهُ بِصِيَامِ يَوْمٍ دَخَلَ الجَنَّةَ) (رواه البزار، وصححه الألباني).

قال المناوي -رحمه الله-: "أي: مَن ختم عمره بصيام يوم، بأن مات وهو صائم، أو بعد فطره من صومه، دخل الجنة مع السابقين الأولين، أو من غير سبق عذاب".

وقال ابن خزيمة -رحمه الله-: "باب ذكر إيجاب الله -عز وجل- الجنة للصائم يومًا واحدًا، إذا جمع مع صومه صدقة، وشهود جنازة، وعيادة مريض".

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا؟) قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَا، قَالَ: (فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً؟) قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَا، قَالَ: (فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِينًا؟) قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَا، قَالَ: (فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضًا؟) قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ، إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ».

ومَن ترك لله في الدنيا طعامًا وشرابًا وشهوة مدة يسيرة، عوضه الله عنده طعامًا وشرابًا لا ينفد، وأزواجًا لا يمتن أبدًا.

مهور الحور العين طول التهجد، وكثرة الصيام:

أتطـلب مثـلـي وعني تـنـام               ونـوم المحبـين عـنـا حرام

لأنا خـلـقـنـا لــكــل امــرئ                كثير الـصـلاة بَرَاه الـصيام

9- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ، تُكَفِّرُهَا الصَّلاَةُ وَالصَّدَقَةُ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ) (متفق عليه).

قال المناوي -رحمه الله-: "(فِتْنَةُ الرَّجُلِ) أي: ضلاله ومعصيته، أو ما يعرض له مِن الشرِّ ويدخل عليه من المكروه في أهله مما يعرض له معهم من نحو همّ وحزن، أو شغله بهم عن كثيرٍ مِن الخير وتفريطه فيما يلزمه من القيام بحقهم، وتأديبهم وتعليمهم، وماله بأن يأخذه مِن غير حله ويصرفه في غير حله ووجهه، أو بأن يشغله لفرط محبته له عن كثيرٍ مِن الخيرات".