الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأحد 19 مايو 2019 - 14 رمضان 1440هـ

ركـِّز!

كتبه/ جمال فتح الله

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فعندما شُرعت الصلاة لم تأتِ بأفعال عبثيّة دون تنسيقٍ أو ترتيب، بل كانت أفعالها منتظمة مرتبة، فلا يجب تقديم فعلٍ منها على آخر، كما ينبغي الإتيان بها على أتمِّ وجهٍ حتى تكون الصلاة تامةً صحيحة، فإنَّ أول ما يُحاسب عليه المسلم هو الصلاة، فإن كان قد أدّاها تامةً قُبلت، وقُبل باقي عمله بناءً عليها، وإن كان فيها أو في أعمالها أو متعلقاتها نقصٌ فقد وقع في عمله الباقي نقصٌ،

تكبيرة الإحرام: تعد تكبيرة الإحرام واجبة، وأحد أركان الصلاة، وفرض من فروضها، حيث لا تصحّ الصلاة دونها، علمًا أنها عُرفت بهذا الاسم؛ لأنها تُحرم على المصلي ما كان حلالًا له قبلها مِن مفسدات الصلاة، مثل: الأكل، والشراب، وغيره، ولابدّ مِن الإشارة إلى أنّه لا تنعقد الصلاة في حال تركها سهوًا أو عمدًا، أو جهلًا، وشرعها الله -تعالى- لجعل المصلي يستحضر عظمة الله حين يقف بين يديه، فيستحيي أن ينشغل بغير صلاته، ويخشع له، ويستحضر عظمته.

 تكبيرة الإحرام تعني: قول المصلّي عند افتتاح الصلاة: (الله أكبر)، أو هي: كلّ ذِكرٍ يُصبح به المُصلّي شارعًا في الصلاة وداخلاً فيها، فتكبيرة الإحرام هي تلك الألفاظ التي ينطق به المصلي ليُعلن دخوله في الصّلاة ويُعلن البدء بها، ولها ألفاظ خاصة لا تصحُّ إلا بها وهو قول المصلي: (الله أكبر)

وردت مجموعة من النصوص النبوية الصحيحة التي تؤيّد إجماع الفقهاء على ركنية تكبية الإحرام وعدم جواز الصلاة بدونها، ومِن تلك النصوص: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني).  

ويرى جمهور الفقهاء (المالكية والشافعية والحنابلة): أن هيئة تكبيرة الإحرام هي: أن يقول المسلم إذا وقف لأداء الصلاة معلنًا افتتاحها، فيقول: (الله أكبر)، بعد أن يرفع يديه حذو منكبيه أو حذو شحمتي أذنيه.  

شروط تكبيرة الإحرام:

هناك عدّة شروط لتكبيرة الإحرام، ومنها: "أدائها بعد الانتصاب في الفرائض - أن تكون بلفظة الجلالة، أي بلفظة الله أكبر بحيث يتوجّب تقديم لفظة الجلالة على أكبر - عدم مد همزة الجلالة، أو تشديد أو مد باء أكبر - تجنب الوقوف وقفة طويلة بين لفظة الجلالة وكلمة أكبر أو قبل كلمة الله - الابتعاد عن زيادة واو ساكنة أو متحركة بين لفظ الله وأكبر - تأخيرها عن تكبيرة الإمام في حق المصلين - تأديتها في حال الاستقبال - أن يُسمع نفسه كافة حروف تكبيرة الإحرام".

ومِن أفعال الصلاة المخصوصة التي ينبغي على المصلِّي إتمامها: أن يدعو بدعاء الاستفتاح بعد البدء بالصلاة مباشرة، والاستفتاح سنة مستحب، ولو صلى ولم يستفتح صلاته صحيحة عند جميع العلماء، والاستفتاح سنة مستحبة، وهو أن يقول بعد التكبيرة الأولى: "سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك"، فهذا يسمى الاستفتاح بعد التكبيرة الأولى تكبيرة الإحرام، وهو ثابت عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الصحيحين وغيرهما، فعن أبي هريرة قال: كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا كَبَّرَ فِي الصَّلَاةِ، سَكَتَ هُنَيَّةً قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَرَأَيْتَ سُكُوتَكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ، مَا تَقُولُ؟ قَالَ: أَقُولُ: (اللهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالثَّلْجِ وَالْمَاءِ وَالْبَرَدِ) (متفق عليه).

وهذه الصيغة لدعاء الاستفتاح هي أصحُّ ما ورد في الدعاء بعد تكبيرة الإحرام (دعاء الاستفتاح) عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كما يقول الإمام ابن حجر العسقلاني، فينبغي على المسلم أن يؤديها ويركِّز على قراءتها بعد أداء تكبيرة الإحرام وقبل قراءة الفاتحة

إنّ المسلم مُخيَّرٌ بقراءة أي الصيغ الواردة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لدعاء الاستفتاح بعد تكبيرة الإحرام، فإن التزم بواحدةٍ من بين تلك الأذكار فلا شيء عليه، والأفضل والأقرب للكمال والأزيد في الأجر أن يبدِّل بين تلك الصيغ من وقتٍ لآخر، فيجمع الخير كله، وهذا ما أشار إليه ابن تيمية في كتابه "مجموع الفتاوى".

ومِن السُّنة أن تكون القراءة في الأولى أطول مِن القراءة في الثانية كما ورد في صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، والله -تعالى- يقول: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (الأحزاب:21)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي) (رواه البخاري).

ففي الركعة الأولى خير كثير مِن دعاء الاستفتاح وغيره؛ فلنركِّز جيدًا في ذلك لعل الله أن يرحمنا.