الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد كتبَ الدكتور "محمد إبراهيم السعيدي" مقالًا بعنوان: "مصر تنهي فوضى مصطلح الدولة المدنية"، تكلم فيه فضيلته عن خطورة وصف الدولة المصرية "بالمدنية"، وعن موقف نواب "حزب النور" مِن هذا الوصف وسط التوجُّه الجارف الذي كان يهدف إلى تمريرها.
وكيف أن نواب الحزب وإن لم يتمكنوا مِن إقناع البرلمان على التصويت برفض التعديل؛ لكنهم أفلحوا في إشاعة وعي برلماني وشعبي بخطورة وصف الدولة المصرية بوصف "المدنية"؛ الأمر الذي حمل رئيس البرلمان الدكتور "علي عبد العال" -وفقه الله- وهو فقيه دستوري مكين على اقتراح التصويت على ما أسماه هو "لاءات ثلاث" تُفَسِّر المراد في الدستور مِن مصطلح الدولة المدنية:
- لا للدولة العلمانية.
- لا للدولة البوليسية.
- لا للدولة الدينية الثيوقراطية.
فتم التصويت بما يشبه الإجماع على هذا التفسير للدولة المدنية.
فما كان مِن الدكتور "محمد الصغير" إلى أن كتب تغريدة معبِّرا فيها عن سخطه على موقف الدكتور "السعيدي" -وفقه الله- جاء فيها: "محمد السعيدي، أكاديمي سعودي كتب مشيدًا بسلفية حزب النور وموافقته على تعديل الدستور الذي يَصنع الفرعون ويبارك جرائمه في أكبر تعاون على الإثم، وتسويغ للظلم والعدوان، وأبى السعيدي إلا أن يشارك في الوزر بالرضا والمتابعة (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ)".
فردَّ عليه الشيخ السعيدي -حفظه الله- في تغريدة قائلًا:
"المقال: لم يتحدث عن سلفية حزب النور بكلمة؛ بل لم يرد ذكر السلفية في المقال مطلقًا.
- لم أتحدث عن تعديلات الدستور في المقال مطلقًا.
- المقال منصب على وصف الدولة بالمدنية وآثاره المحتملة، وآثار تعريف المدنية في المضابط البرلمانية.
- التغريدة عبارة عن تهييج وشخصنة معتادة لا صلة لها بالمقال.
ثم أتبع الشيخ السعيدي -حفظه الله- تغريدته بتغريداتٍ تلِّخص الداء وتصف الدواء لو كانوا بالفعل يريدون الخروج مما هم فيه فقال:
قال صديقي:
- أرى أُناسًا مِن أكثر الخلق تمجيدًا لحرية التعبير ونقمةً على الحكومات؛ بسبب التضييق على الآراء؛ لكنهم مع مَن لا يتفق معهم في الخيار السياسي وطرق التعامل مع الحكام والقوى المحلية وسبل الإصلاح أشد ضراوة مِن أعتى أجهزة الأمن فلا يبالون برمي مخالفهم بالنفاق والعمالة والتصهين... !
- بل لا يأنفون مِن الكذب على مخالفيهم وتحريف كلامهم وإخراجه عن سياقه؛ لا لشيءٍ إلا لإسقاطهم مِن أعين الجماهير، تمامًا كما تفعل أخبث الجهات الاستخباراتية في العالم، ولهم ولع بالتعالي على الجميع وكأنهم وحدهم لا غير الغُيَّر على الإسلام والحريصون على نصرِه.
- ويرون مَن خالفهم عدوًّا للأمة والدِّين والملة لا خيار عندهم إلا لسوء الظن وإساءته فيه!
قال صديقي:
- والأعجب أن أكثرهم يرفع شعار: "ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه"، لكنهم لا يطبقونه إلا مع مَن خالفهم في أصول الدين وأركان الإيمان ومصادر الدين!
- أما مَن وافقهم في كل ذلك وخالفهم في الرأي السياسي، وسبل الإصلاح، وموازين الحكم على الحاكم؛ فلا عذر، وإنما حرب وفجور في الخصومة.
قلتُ لصديقي:
حقٌ كل ما قلتَ؛ ولذا أجد أنهم لو تولوا الحكم لن يكونوا أحسن حالًا ممَن ينقمون عليهم مِن الحكام (وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة:247).
أجاب صديقي:
- أليسوا قد جُرِّبوا في السودان؛ حكموها 30 سنة، أخذوها بانقلابٍ وأُخذت منهم بانقلابٍ، أخذوها وهي قرابة الثلاثة ملايين كيلومترًا، وأُخذت منهم وهي دون المليونين! ومروا بستة انتخابات، والفائز منهم هو هو!
- وحكموا في مصر فضعفوا عن إدارتها، ونُزعت منهم بعد أول سنة.
- وحكموا في اليمن فسلموها للحوثي في أول معركة.
- وحكموا تونس وسلموها لليساريين عند أول مأزق!
قلتُ لصديقي:
ليس لنا إلا أن ندعو الله لهم بالهداية ونقول:
تواضـع تـكـن كالنجم لاح بـضوئه على صـفـحات الـماء وهو رفـيـعُ
ولا تك كالدخان يعلو بنفسه عـلى طــبـقـات الــهــواء وهــو وضيـعُ
- إن لم تعلمكم التجارب وتستفيدوا مِن عثراتكم طيلة ثمانين سنة؛ فستظلون تخسرون كل شيءٍ، وتخسر معكم الأمة ثم لا تتجاوزون نقطة الصفر.
- أقول هذا لهم ولكل مَن ينتمي لهم فكرًا، وإن لم ينتمِ لهم تنظيمًا".