كتبه/ جمال فتح الله عبد الهادي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
قصة أبي خيثمة -رضي الله عنه-:
إن أبا خيثمة رجع بعد أن سار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أيامًا إلى أهله في يوم حارّ، فوجد امرأتين له في عريشين لهما في حائطه (بستانه) قد رشَّتْ كل واحدة منهما عريشها، وبردت له فيه ماء، وهيأت له فيه طعامًا، فلما دخل قام على باب العريش، فنظر إلى امرأتيه، وما صنعتا له، فقال: رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الضح (الشمس) والريح والحر، وأبو خيثمة في ظل بارد، وطعام مهيأ، وامرأة حسناء، في ماله مقيم! ما هذا بالنَصَف (العدل)!
ثم قال: والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهيِّئا لي زادًا، ففعلتا، ثم قدم ناضحه (جمله) فارتحله، ثم خرج في طلب رسول الله حتى أدركه حين نزل تبوك، وقد كان أدرك أبا خيثمة عميرُ بن وهب الجمحي في الطريق، يطلب رسول الله فترافقا، حتى إذا دنوا مِن تبوك، قال أبو خيثمة لعمير بن وهب: إن لي ذنبًا، فلا عليك أن تخلف عني حتى آتي رسول الله ففعل حتى إذا دنا مِن رسول الله وهو نازل بتبوك، قال الناس: هذا راكب على الطريق مقبل. فقال رسول الله: "كُنْ أَبَا خَيْثَمَةَ"، فقالوا: يا رسول الله، هو والله أبو خيثمة، فلما أناخ أقبل فسلم على رسول الله، فقال له رسول الله: "أوْلى لك يا أبا خيثمة"، ثم أخبر رسولَ الله الخبر، فقال له رسول الله خيرًا، ودعا له بخير.
هذه القصة فيها الكثير مِن الدلالات والعبر، أهمها:
- حكمة النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كُنْ أَبَا خَيْثَمَةَ" يدل على معرفته بأصحابه، ومعرفة خصال الرجال ومعادنهم.
- الدلالة على حب النبي لأصحابه، وحرصه عليهم، فهو كما قال عنه ربه -عز وجل-: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) (التوبة:128).
- توجيه صاحب الخطأ إذا أخطأ، إذ قال النبي لأبي خيثمة: "أوْلى لك يا أبا خيثمة"، وهي كلمة فيها عتاب وتربية، ومعناها: دنوتَ مِن الهلكة، وكان الأجدر بك ألا تفعل ذلك، وهذا منهج نبوي كريم في تعليم القادة والمُرَبِّين عدم السكوت على الخطأ؛ لأن ذلك يضر صاحبه ويلحق الضرر بغيره، مع توجيه المخطئ برفق.
كم مِن المسلمين تأخر عن التوبة، وعن صلاة الجماعة، وعن طلب العلم وعن حفظ القرآن، وعن قيام الليل، وعن الإنفاق في سبيل الله، وعن صلة الأرحام، وعن الدعوة إلى الله، وعن بر الوالدين، وعن كثيرٍ مِن الأعمال الصالحة؛ فلا بُد مِن ندمٍ ومراجعةٍ لأنفسنا، مثل أبي خيثمة، لعلنا ندرك الخير.
وفي قصة أبي خيثمة درس لكل مسلم أن لا يتخلف أو يتردد عن عملٍ يقتضيه دينه؛ فالراحة والسعادة لا معنى ولا طعم لهما مع مخالفة أمر الله، أو أمر رسول الله، فالتخلف عن القيام بواجباتنا نقص في الإيمان، وخلل في الدين، لابد فيه مِن التوبة الصادقة مع الله؛ ولذلك سارع أبو خيثمة إلى إصلاح خطئه، فهذا سلوك المتقين الذين تمر عليهم لحظات ضعف يعودون بعدها أقوى إيمانًا مما كانوا عليه إذا تذكروا وحاسبوا أنفسهم، وفي ذلك يقول الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) (الأعراف:201).
والحمد لله رب العالمين.