الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الإثنين 21 مايو 2018 - 6 رمضان 1439هـ

المناهج الخرافية وأثرها في كبوة الأمم (2)

كتبه/ شريف طه

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فمِن سنة الله -تعالى- الدائمة أن يحدث النقص بعد الاكتمال، ومع بُعد العهد عن الوحي الشريف؛ انحسرتْ بعض آثار الرسالة، وحلت محلها الخرافة؛ فعادت مظاهر تقديس البشر والأموات والأضرحة، وصار الناس يستشفون بزيت قنديل أم هاشم، وتتمرغ طالبة الولد في مقبرة فلان وعلان مِن الأولياء، وغيرها مِن مظاهر التخلف والانحطاط.

وصار الناس يبالغون في مسألة كرامات الأولياء -الثابتة شرعًا- وغصت كتب طبقات الأولياء بآلافٍ مِن هذه الحكايات المبالغ فيها جدًّا، والتي لا يقبل العقل أكثرها؛ فضلًا عن مخالفة الشرع في كثيرٍ منها، حيث ظهرت بدعة قبيحة، وهي تقسيم الدين إلى ظاهر يتبعه العوام، وباطن وحقيقة لا يعرفها إلا الخواص، وصار المجانين والمجاذيب في نظر الناس هم أولياء الله الذين ارتفع عنهم التكليف لبلوغهم مرتبة اليقين!

وبعد أن كان نسبة شيء إلى الدين، يحتاج دليلًا مِن الكتاب والسُّنة في الأساس، توسع الناس في اختراع عبادات لا أساس لها، وكيفيات بعض العبادات خاصة حلق الذكر التي صار الناس يتمايلون ويتراقصون، بل ويقفزون فيها ذكرًا لله!

وانتشر الخطاب الوعظي الممتلئ بالأساطير والحكايات التي لا يقبلها الذوق السليم، والأحاديث الموضوعة المكذوبة حيث اندثر العلم بالحديث، والمقبول منه والمردود؛ وهذا كله ما دفع بعض رموز الإصلاح والتنوير لمقاومة هذا المنهج الخرافي والأفكار الخرافية التي كان لها تأثير كارثي على الأمة، وصل إلى حد ترك مقاومة المحتل اعتقادًا أن الولي الفلاني حامي البلد!

يحكي الشيخ "محمد رشيد رضا" شيئًا مِن جناية هذا الفكر الخرافي على الأمة، وكيف أوصلهم إلى عبادة الأموات والغلو فيهم، فيقول -رحمه الله-: "... وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْجَاهِلِينَ بِعَقَائِدِ الْقُرْآنِ إِذَا بَيَّنْتَ لَهُمْ مَا يُخَالِفُ تَقَالِيدَهُمْ مِنْهَا أَنْكَرُوهُ، وَأَوَّلُ مَا يُنْكِرُونَهُ أَسَاسُهَا الْأَعْظَمُ وَهُوَ تَوْحِيدُ اللهِ وَمَعْنَى الشِّرْكِ بِهِ مِنْهَا، إِذْ هُمْ يَظُنُّونَ أَنَّ شِرْكَ أُولَئِكَ الْأَقْوَامِ عِبَارَةٌ عَنْ عِبَادَةِ أَصْنَامٍ وَأَوْثَانٍ مِنَ الْجَمَادِ يَتَّكِلُونَ عَلَيْهَا لِذَاتِهَا.

فَإِذَا قِيلَ لَهُمْ: إِنَّ أَصْلَهُ الْغُلُوُّ فِي الصَّالِحِينَ وَلَا سِيَّمَا الْمَيِّتِينَ مِنْهُمْ، وَاعْتِقَادُ تَصَرُّفِهِمْ فِي الْكَوْنِ، وَدُعَاؤُهُمْ فِي طَلَبِ النَّفْعِ وَدَفْعِ الضُّرّ، وَأَنَّ مِثْلَهُ أَوْ مِنْهُ مَا كَانَ يُحْكَى عَنْ مُسْلِمِي بُخَارَى أَنَّ شَاهْ نَقْشَبَنْدَ هُوَ الْحَامِي لَهَا، فَلَنْ تَسْتَطِيعَ الدَّوْلَةُ الرُّوسِيَّةُ الِاسْتِيلَاءَ عَلَيْهَا!

وَمَا كَانَ يُحْكَى عَنْ مُسْلِمِي الْمَغْرِبِ الْأَقْصَى مِنْ حِمَايَةِ مَوْلَايَ إِدْرِيسَ لِفَاسَ وَسَائِرِ الْمَغْرِبِ أَنْ تَسْتَوْلِيَ عَلَيْهَا فَرَنْسَةُ، أَنْكَرُوا عَلَى الْقَائِلِ: إِنَّ هَذَا كَذَاكَ، وَقَالُوا: إِنَّمَا هُوَ تَوَسُّلٌ بِجَاهِ الْأَوْلِيَاءِ عِنْدَ اللهِ، وَلَيْسَ مِنَ الْمُنْكَرِ أَنْ يَدْفَعُوهَا بِكَرَامَتِهِمْ، فَكَرَامَةُ الْأَمْوَاتِ ثَابِتَةٌ كَالْأَحْيَاءِ، وَقَدْ بَيَّنَّا لَهُمْ جَهْلَهُمْ هَذَا بِتَبَدُّلِ الْأَسْمَاءِ، وَمُخَالَفَتِهِ لِكِتَابِ اللهِ -تَعَالَى- وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، وَسِيرَةِ السَّلَفِ الصَّالِحِ مِنَ الْأُمَّةِ فِي فُتُوحَاتِهِمْ وَتَأْسِيسِ مُلْكِهِمْ وَحِفْظِهِ، وَخَصَّصْنَا إِخْوَانَنَا أَهْلَ الْمَغْرِبِ الْأَقْصَى بِالْإِنْذَارِ مُنْذُ أُنْشِئَ الْمَنَارُ، وَأَرْشَدْنَاهُمْ إِلَى تَنْظِيمِ قُوَّاتِهِمُ الدِّفَاعِيَّةِ الْعَسْكَرِيَّةِ، وَطَلَبِ الضُّبَّاطِ لَهُ مِنَ الدَّوْلَةِ الْعُثْمَانِيَّةِ، وَإِلَى الْعُلُومِ وَالْفُنُونِ الْمُرْشِدَةِ إِلَى الْقُوَّةِ وَالثَّرْوَةِ وَالنِّظَامِ، وَإِلَّا ذَهَبَتْ بِلَادُهُمْ مِنْ أَيْدِيهِمْ قَطْعًا.

فَقَالَ الْمُغْوُونَ لَهُمْ مِنْ أَهْلِ الطَّرَائِقِ الْقِدَدِ بِلِسَانِ حَالِهِمْ أَوْ مَقَالِهِمْ: إِنَّ صَاحِبَ الْمَنَارِ مُعْتَزِلِيٌّ مُنْكِرٌ لِكَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ! وَمَا هُوَ بِمُعْتَزِلِيٍّ وَلَا أَشْعَرِيٍّ، بَلْ هُوَ قُرْآنِيٌّ سُنِّيٌّ، وَهَا هِيَ ذِي فَرَنْسَةُ اسْتَوْلَتْ عَلَى بِلَادِهِمْ كَمَا أَنْذَرَهُمْ، وَظَهَرَ أَنَّ أَكْبَرَ مَشَايِخِ الطَّرِيقِ نُفُوذًا وَدَعْوَى لِلْكَرَامَاتِ بِالْبَاطِلِ كَالتِّيجَانِيَّةِ، كَانُوا وَمَا زَالُوا مِنْ خِدْمَةِ فَرَنْسَةَ وَمُسَاعِدِيهَا عَلَى فَتْحِ الْبِلَادِ، وَاسْتِعْبَادِ أَهْلِهَا أَوْ إِخْرَاجِهِمْ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ إِلَى الْإِلْحَادِ أَوِ النَّصْرَانِيَّةِ مِنْ حَيْثُ يَدْرُونَ أَوْ لَا يَدْرُون" (تفسير المنار ??/ 203).

فهل ستنهض أمتنا عبْر هذا المنهج الخرافي الذي يُراد بعثه مِن مراقده؟!