الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الخميس 29 سبتمبر 2016 - 28 ذو الحجة 1437هـ

عشرة أسباب للثبات على الدين (2) "الصبر - ذكر الله"

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فمِن أعظم أسباب وعوامل الثبات والتثبيت على دين الله -تعالى-: "الصبر - وذكر الله".

 (3) الصبر

فإن مِن أعظم الأسباب للثبات على دين الله -تعالى-: "الصبر"، قال الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (البقرة:153)، وفي أيام الفتن والشدائد والمحن تزداد حاجة المسلم إلى الصبر، والتي منها كذلك يعظم الأجر، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ لِلْمُتَمَسِّكِ فِيهِنَّ يَوْمَئِذٍ بِمَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ) قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَوَ مِنْهُمْ؟ قَالَ: (بَلْ مِنْكُمْ) (رواه الطبراني في المعجم الكبير، وصححه الألباني).

- والصبر هو حبس النفس على ما تكره، والنفس تميل إلى تركه؛ ولذا فإنه لا بد مِن المجاهدة، والله يعين ويوفق إلى الصبر، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَمَنْ يَصْبِرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ مِنْ عَطَاءٍ خَيْرٌ وَأَوْسَعُ مِنَ الصَّبْرِ) (متفق عليه).

والذي لا يصبر لا يثبت، ولا يصل إلى مراده ومحبوبه؛ فالصبر ضروري لكل إنسان.

- انظر إلى الطالب كيف يصبر على المذاكرة، ويكف نفسه عن لذة الراحة، وذلك ليصل إلى مراده، وهو النجاح في الامتحانات.

- انظر إلى التاجر كيف يصبر على الأسفار، وسوء أخلاق الرجال، ويكف نفسه عن لذة الراحة، وذلك ليصل إلى مراده، وهو الأرباح وعدم الخسارة "انظر إلى الغريب، وكيف يصبر على شدة العيش في أيام الغربة؛ لأن له غاية وهدفًا، وهو أن يعود إلى بلده، وقد حقق مراده"، وهكذا كل صاحب هدف، ولو كان باطلاً، فإنه يصبر على ذلك ليصل إلى مراده، قال الله -تعالى-: (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ) (ص:6)؛ فكيف بأهمية الصبر في حقك أنت، يا صاحب أعظم هدف، وهو الفوز بالجنة، والنجاة مِن النار؟!

وهذه بعض الأسباب المعينة على الصبر:

1- تدبر ما ورد في الكتاب والسُّنة في فضل الصبر والصابرين.

2- دراسة سير الأنبياء والمرسلين.

3- العلم بأن الله قدَّر -وتقديره لحكم كثيرة-، ومنها أن يرى منك الصبر.

4- العلم بأن المصائب تفتح على العبد أبوابًا مِن العبادات: كالدعاء، والإنابة، قال الله -تعالى-: (وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ) (الروم:33).

5- العلم بأن النصر مع الصبر، والفرج مع الشدة، وأن بعد العسر يسرًا، قال الله -تعالى-: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا . إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) (الشرح:5-6).

(4) ذكر الله

إن ذكر الله -تعالى- من أعظم أسباب الثبات على الدين.

- تأمل كيف أمر الله به في أحلك الأوقات بما يدل على أنه سبيل مِن أعظم سُبل الثبات، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الأنفال:45).

- فالذكر أمان مِن السقوط والتراجع؛ لأنه تطهير للجوارح، وتأمل قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-) (رواه الترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني).

- ولمَ لا وهو أزكى الأعمال، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالوَرِقِ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟) قَالُوا: بَلَى. قَالَ: (ذِكْرُ اللَّهِ -تَعَالَى-) (رواه الترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني).

- ولكَ أن تتأمل كذلك فضل الذكر مِن خلال الفضائل والأجور المترتبة عليه، وخذ لك مثالاً على ذلك مِن ذكر "سيد الاستغفار"، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ. مَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ) (رواه البخاري)

ولأجل ذلك جعل الشرع ذكر الله محيطًا بالمسلم في كل أحواله، ووقف له أذكارًا لكل وقت ولكل حال.

- فالمسلم إذا استيقظ مِن نومه له ذكر مخصوص يذكر الله به.

- وإذا دخل الخلاء، وإذا خرج له ذكر مخصوص.

- وإذا لبس ثوبه له ذكر مخصوص.

- وإذا توضأ، وإذا خرج إلى المسجد له ذكر مخصوص، وإذا دخل المسجد أو خرج له ذكر مخصوص.

- وإذا خرج مِن بيته إلى عمله له ذكر مخصوص، وإذا رجع له ذكر مخصوص.

- وإذا ركب دابته، وإذا أكل أو شرب له ذكر مخصوص.

وهكذا في كل جوانب الحياة لا يفارقه ذكر الله؛ فمن أين يأتيه الشيطان؟! والشيطان يفر مِن ذكر الله.

فإذا كثرت مِن حولك الفتن، ونزلت بك البلايا؛ فأعظم الحصون هو ذكر الله؛ أما سمعتَ قول الله -تعالى-: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد:28)؟!

فاللهم يا مثبت القلوب، ثبت قلوبنا على طاعتك.