كتبه/ سعيد محمود
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-) (رواه مسلم).
ومدح الله -عز وجل- المؤمنين العاملين بما كان منهم مِن رجاء رحمته إذا عملوا، فقال: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا) (الإسراء:57).
تعريف الرجاء:
فالرجاء هو الاستبشار بجود الله وفضل الرب -تعالى-، والارتياح لمطالعة كرمه ومنته، فيعمل المؤمن العمل ويرجو القبول مِن الله، وإذا أذنب الذنب تاب ورجا التوبة وقبولها مِن الله.
الفرق بيْن الرجاء والتمني:
- الراجي: كمن يشق أرضه ويفلحها ويبذرها ويرجو طلوع الزرع.
- والمتمني: كحال مَن يتمنى أن يكون له أرض يبذرها ويأخذ زرعها.
- وجاء في بعض الآثار: "ليس الإيمان بالتمني، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل، وإن قومًا ألهتهم أماني المغفرة حتى خرجوا مِن الدنيا ولا حسنة لهم، ويقولون: نحن نحسن الظن بالله، فلو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل"، فالرجاء لا يصح إلا مع العمل.
مَن هم أهل الرجاء؟!
1- يرجون قبول أعمالهم: قال الله -تعالى-: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (الأحزاب:21)، وقال: (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) (الكهف:110).
2- يرجون مغفرة ذنوبهم: قال الله -تعالى- في الحديث القدسي: (يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلا أُبَالِي) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، وقال -تعالى-: (وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ) (الإسراء:57).
ما جاء في الرجاء من الكتاب والسنة:
قال الله -تعالى-: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر:53)، قال علي -رضي الله عنه-: "هي أرجى آية في كتاب الله". وقيل هي: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ) (فاطر:32).
وعن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- قال: قرأ النبي -صلى الله عليه وسلم- قول الله في إبراهيم -عليه السلام-: (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (إبراهيم:36)، وقوله في عيسى -عليه السلام-: (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (المائدة:118)، فرفع يده وقال: (اللهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي)، وَبَكَى، فَقَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: (يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، وَرَبُّكَ أَعْلَمُ، فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ؟) فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-، فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَا قَالَ، وَهُوَ أَعْلَمُ، فَقَالَ اللهُ: (يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ، وَلا نَسُوءُكَ) (رواه مسلم).
فاللهم إنا نرجو رحمتك، ونخشى عذابك، ونسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك مِن سخطك والنار.