الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الخميس 22 أغسطس 2013 - 15 شوال 1434هـ

تعليق د."ياسر برهامي" على محاولات محو مواد الهوية في الدستور، وإلغاء الأحزاب القائمة على أساس ديني

السؤال:

بعد أن كنتُ مطمئنًا لوعود الجيش التي نقلتها "الدعوة السلفية" و"حزب النور"، وكنت أشعر أن مواد الهوية في الدستور في أمان، وأننا ما زال بإمكاننا المشاركة السياسية واستعادة ما خسرناه... فإذا بالصورة تتضح أكثر فأكثر، ويظهر المشهد كاملاً أنها بالفعل حرب على الإسلام؛ بدليل نقض العهود والمواثيق والالتفاف على إرادة الأمة في كل ما عبرت فيه عن نفسها ومن ذلك الدستور، فأريد أن أسأل:

1- قبل أي شيء آخر سأوجه لك هذا السؤال: وأنت الشيخ الجليل القدر عندنا الذي لا يخاف في الله لومة لائم... هل سلمتَ الآن يا شيخنا العزيز -شيخ ياسر- أنها حرب على الإسلام، وأن فضيلتك -وهذا لا يعيبك أبدًا- أخطأت في الاجتهاد لما أحسنت الظن "بالـسيسي" وغيره؟! هل آن الأوان أن تقول: إنها حرب على الدين؟!

2- ما موقف "الدعوة السلفية" من الاعتداء الأثيم والإغارة على مواد الهوية في الدستور ومحو المادة (219) المفسرة للمادة الثانية؛ إضافة إلى مواد الحريات المنضبطة بالشريعة الإسلامية؟ هل يمكننا الاعتراض أو حشد الناس أو عمل أي شيء يكون في خانة التأثير؟

3- ما موقف "الدعوة السلفية" من إلغاء الأحزاب القائمة على أساس مرجعية دينية؟ هل يعني هذا استقالتنا من العمل السياسي تمامًا بإعلان أنه لا فائدة منه وأن الليبرالية والديمقراطية -على ما فيهما- لا مكان لهما في مصر التي لا تعترف إلا بالحديد والنار وحكم العسكر، ويكون في هذه الاستقالة إبراء للذمة أمام الله وأمام الناس وإحراج هؤلاء المجرمين وإظهارهم على صورتهم الحقيقية أمام الشعب أنهم لا يريدون أي راية تعلو للإسلام؟

4- أم أن الأكرم لنا أن نترك العمل السياسي ونعتزله من باب أننا أصبحنا بالفعل مجرد صورة وديكور تمامًا كالأحزاب في زمن "مبارك"، ونكون بهذا أقررنا بالحقيقة الواقعة من أن العمل السياسي بعد منع إقامة الأحزاب على أساس ديني أصبح ينسحب عليه حكم المشاركة في العمل السياسي قبل "25 يناير" من أن مفاسده أكبر من مصالحه، ولا فائدة منه، بل هو تضييع للأوقات، وتنازل عن مسلَّمات الشريعة في كثير من المواقف؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

1- فأنا أقول دائمًا أن هناك قوى كثيرة في المجتمع؛ فهناك علمانية متطرفة تحارب الإسلام وتكرهه، وهناك قوى علمانية أقل تطرفًا تقبل التعايش وتقر بالمبادئ العامة للدين، لكنها لا تفهم شموله للدين والدولة والحياة كلها.

وهناك المدرسة القومية التي ترى الدين جزءًا من الشخصية، لكن المهيمن عليها حب الوطن "وهذه هي التي ينتمي إليها الجيش"، ولا يصح أن نجعل الكل في سلة واحدة وخندق واحد فنكثـِّر الأعداء ونعجز عن مقاومتهم، بل علينا أن ندعو الجميع ونختار أقربهم إلى الدين، وما زلتُ أرى أن "الجيش" أهون هذه القوى علينا، وما زلتُ أرى أنهم أقرب إلى الدين من غيرهم.

ولا أشك أن ما حدث في "30 يونيو" وخروج الملايين إلى الشوارع للمطالبة بعزل الدكتور "مرسي" لم يكن لأن هذه الملايين تكره الإسلام، بل لأجل سوء أداء الحكومة والرئاسة وعدم الاستجابة للمطالب الحياتية للناس متمثلة في أزمة: "الوقود - والكهرباء - والمياه - وانخفاض العملة -الأزمة الاقتصادية عمومًا- وظهور روح السيطرة على كل مفاصل الدولة لدى جماعة الإخوان - واستعداء معظم الفصائل السياسية والقوى الفاعلة في المجتمع: كالجيش - والشرطة - والمخابرات - والقضاء - والإعلام - ورجال المال".

وقد استغل هذا العلمانيون المتطرفون، وصوروا أن الشعب ساخط على المشروع الإسلامي والإسلاميين بصفة عامة؛ ولذلك ضغطوا لتغيير الدستور؛ فهذا الصراع الحالي جزء منه الذي تقوم به هذه الطائفة حرب ضد الدين، والجزء الأكبر منه صراع سياسي وأزمة اقتصادية؛ وهذا لدى العامة.

- وإلى الآن لم يتم حسم معركة الدستور، ولا تنسَ أننا في وقت ما سمينا قبول الإعلان الدستوري في "19 مارس" نصرًا؛ لأنه تتضمن المادة الثانية، وفرحنا به لما كان هناك دعاوى لإلغائها وتغييرها.

- وأما مسألة الخطأ في الاجتهاد: فكلنا معرَّض لذلك، ولكني أرى أن ما اجتهدنا فيه كان "عين الصواب"، وقد تبيَّن كيف أدى الصدام الذي حذرنا منه إلى سفك الدماء المسلمة بلا ثمن، بل بالسلب على العمل الإسلامي كله!

فما كنتَ تريد منا أن نفعل: أن نشارك في إلقاء أنفسنا وإخواننا إلى حفرة صراع محسوم العاقبة ضد أهل الالتزام وأصحاب العمل الإسلامي، كان المستهدف -"من الغرب خصوصًا"- أن يدفع الجميع إليه؛ لتتم مجزرة أكبر يتخلص فيها من الجميع مع معاداة الشعب كله، ثم يتخلصون بعد ذلك من الجيش ويقسِّمونه، ثم يقسمون البلاد؟!

فماذا كنتَ تريد أن نفعل أفضل من تحريز عباد الله المؤمنين، والمحافظة على رأس المال، والمحافظة على ما يمكن من مساحة الدعوة والقبول لدى الناس؟!

2- بالنسبة للدستور: فالذي يلزمك أن تتوجه إليه باللوم مَن تسببوا في إضعاف العمل الإسلامي حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه، لكن الأمر لم يتعد بعد مرحلة الاقتراحات إلى "لجنة الخمسين"، ثم هناك الاستفتاء؛ فإن تم تمرير إلغاء المادة (219) فسنحث الناس في كل مكان على رفض التعديلات ليبقى الدستور كما هو إذا رفضت.

وعلى أي حال فالدعوة إلى الله لابد أن تظل في تواصل مع الناس، تستعيد الثقة المفقودة، والمنزلة الضائعة بسبب الخطاب المنحرف والتصرفات غير المسئولة، أما التفكير في مظاهرات واعتصامات في هذه الفترة فمعناه إهلاك ما بقي من الإخوة والدعوة، ولكن يمكن مؤتمرات وندوات ينصرف الناس بعدها، وليس الآن، ولكن بعد زوال الأزمة.

3- أظن أن الانسحاب وما سميتَه استقالة إبراءً للذمة: هو غاية أماني القوم المتطرفين! ولماذا أُسلم ما في يدي إن أخذ مني شيء؟! فإن عجزتُ عن شيءٍ؛ فلا يكلف الله نفسًا إلا وُسعها.

وعلى أي حال فالأمور كلها مطروحة للتشاور، ولكن دعْ عنك التشنج والمواقف الإعلامية التي لا تنظر للأمور إلا بعين واحدة؛ وإلا فهل ترى في الانسحاب إحراجًا لهم مع هذه "الآلة الإعلامية الجهنمية"، ومع الحشد الشعبي ضد ما هو إسلامي بسبب ما ذكرتُ من الخطاب المنحرف المسمى بالإسلامي، والأفكار التكفيرية، والتصرفات غير المسئولة المستهينة بالدماء التي تدفع إلى مسارات الفوضى والدمار؟!

4- لا تنسَ أن تعديلات الدستور لم تُقر بَعْد.