الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الخميس 22 نوفمبر 2012 - 8 محرم 1434هـ

قبول النبي -صلى الله عليه وسلم- بالشروط الجائرة في صلح الحديبية وإسقاط ذلك على التأسيسية

السؤال:

الآن لا ندري ما ستسفر عنه الأحداث في التأسيسية والدستور كيف سيخرج لنا، ونحن في حيرة يا شيخ إذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد وافق على صلح الحديبية بشروط المشركين الجائرة وتنازل تنازلاً جائزًا، وأذن لعمار -رضي الله عنه- أن ينطق بالكفر في لحظة الاضطرار وهذا من التنازل... فما هو إذن التنازل الجائز وما هو التنازل غير الجائز؟ وما الفرق بينهما؟ وما هي شروطه؟ وما هي موانعه؟ ومتى يجب ومتى يحرم ؟

وخصوصًا: هل يمكن للدعوة السلفية أن تظهر بعض الملاينة كما وقع في صلح الحديبية ونقبل بما يريدون حتى نخرج مما نحن من أزمات، وتتفرغ الدولة لشؤون البلاد والعباد؟ فمتى تأتي اللحظة التي لا نسمع فيها عن البلطجة والاغتصاب والسرقة وتصادم القطارات وعن الحوادث المريعة؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فالنطق بكلمة الكفر أو فعله لا يجوز إلا عند الإكراه، وأما ما كان من "تنازل شكلي" من نحو ما قَبِل النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يكتب: "باسمك اللهم" بدلاً من "بسم الله الرحمن الرحيم"؛ فهذا يمكن قبوله للمصلحة.

وكذلك ما كان من قبول لشرط جائر -"وليس تنازلاً شكليًّا"- مثل: قبول رد من جاءه مسلمًا وعدم رد المشركين من جاءهم مرتدًا "ومثله إقامة حد الردة"، وقبول الرجوع عن العمرة والتحلل بالإحصار، فهذا يكون عند المصلحة الراجحة والعجز عن تحقيق هذه المصلحة بدون مفاسد أكبر منها في ميزان الشريعة؛ أما أن نكون قادرين على تجنب الكفر ثم نقبل به فهذا خطر على اعتقاد المسلم وإيمانه وإسلامه.

وتحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله هو من الشرك الذي لا يسع مسلمًا أن يقبله إلا مضطرًا وعند الإكراه، وهذا ليس بحاصل في التأسيسية -والحمد لله-.

وما نقبله مما يُسمى "تنازلات" إنما هو في صياغة عبارات فيها إجمال -كنا نريد أن تكون واضحة حاسمة في جانب الشريعة- أو الاكتفاء بقيود على ما يتضمن عمومه كفرًا أو قبولاً به أو تحريمًا لما أحل الله أو تحليلاً لما حرَّم بألفاظ عامة فيها بعض الاحتمال؛ حتى نجتنب بها هذا العموم الباطل كنحو: حرية الفكر والرأي والتعبير فنقيدها بنحو "النظام العام" و"قيم المجتمع" و"المقومات الأساسية للدولة والمجتمع" المنصوص عليها في الدستور وهي تتضمن الشريعة الإسلامية وإن لم تنص عليها، لكن هي ضمنها قطعًا، فهذا نقبله.

وأحذرك -ومن يوافقك- على ما تشير إليه من الملاينة لنخرج من الأزمات... من أن الأزمات ليس سببها التزامنا، بل محاولات إفشال المشروع الإسلامي، وعلى رأس ذلك: "إفشال الرئيس ومحاولة إسقاطه"، وأعظم فشل في هذا الأمر التخلي عن الشريعة التي من أجلها انتخبه الناس.

واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرًا، واعلم أن الله -تعالى- يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد:7).