الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الخميس 05 أبريل 2012 - 13 جمادى الأولى 1433هـ

خروج المعتدة من وفاة إلى عملها

السؤال:

توفي والدي، وأمي تعمل مدرسة، وتريد ألا تخرج من البيت لمدة أربعة أشهر وعشرة أيام، وبناءً على ذلك سوف تأخذ إجازة طوال هذه المدة، ونحن متوسطين الحال، ومن الممكن أن تكون هذه الإجازة بدون مرتب؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فيجوز للمعتدة من وفاة الخروج لحاجتها نهارًا، وللضرورة ليلاً، وتمنع بلا حاجة ولا ضرورة.

قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: " فَصْلٌ: وَلِلْمُعْتَدَّةِ الْخُرُوجُ فِي حَوَائِجِهَا نَهَارًا، سَوَاءٌ كَانَتْ مُطَلَّقَةً أَوْ مُتَوَفًّى عَنْهَا؛ لِمَا رَوَى جَابِرٌ قَالَ: طَلُقَتْ خَالَتِي ثَلاثًا، فَخَرَجَتْ تَجُذُّ نَخْلَهَا، فَلَقِيَهَا رَجُلٌ، فَنَهَاهَا، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (اُخْرُجِي، فَجُذِّي نَخْلَك، لَعَلَّك أَنْ تَصَّدَّقِي مِنْهُ، أَوْ تَفْعَلِي خَيْرًا) (رواه أبو داود والنسائي، وصححه الألباني)... إلى أن قال: وَلَيْسَ لَهَا الْمَبِيتُ فِي غَيْرِ بَيْتِهَا، وَلا الْخُرُوجُ لَيْلاً، إلا لِضَرُورَةٍ؛ لأَنَّ اللَّيْلَ مَظِنَّةُ الْفَسَادِ، بِخِلافِ النَّهَارِ، فَإِنَّهُ مَظِنَّةُ قَضَاءِ الْحَوَائِج وَالْمَعَاشِ، وَشِرَاءِ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ.

وَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهَا حَقٌّ لا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ إلا بِهَا: كَالْيَمِينِ وَالْحَدِّ، وَكَانَتْ ذَاتَ خِدْرٍ، بَعَثَ إلَيْهَا الْحَاكِمُ مَنْ يَسْتَوْفِي الْحَقَّ مِنْهَا فِي مَنْزِلِهَا، وَإِنْ كَانَتْ بَرْزَةً؛ جَازَ إحْضَارُهَا لاسْتِيفَائِهِ، فَإِذَا فَرَغَتْ رَجَعَتْ إلَى مَنْزِلِهَا" انتهى.

وقال الشوكاني -رحمه الله- في نيل الأوطار: "وَظَاهِرُ إذْنِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهَا بِالْخُرُوجِ لِجَدِّ النَّخْلِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ لِتِلْكَ الْحَاجَةِ، وَلِمَا يُشَابِهُهَا بِالْقِيَاسِ. وَقَدْ بَوَّبَ النَّوَوِيُّ لِهَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: "بَابُ جَوَازِ خُرُوجِ الْمُعْتَدَّةِ الْبَائِنِ مِنْ مَنْزِلِهَا فِي النَّهَارِ لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ وَلا يَجُوزُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ"... وَيَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ الْغَرَضِ الدِّينِيِّ أَوْ الدُّنْيَوِيِّ تَعْلِيلُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالصَّدَقَةِ أَوْ فِعْلِ الْخَيْرِ. وَلا مُعَارَضَةَ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَبَيْنَ قَوْله -تَعَالَى-: (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ) (الطلاق:1)، بَلْ الْحَدِيثُ مُخَصِّصٌ لِذَلِكَ الْعُمُومِ بِالْمَشْعُورِ بِهِ مِنْ النَّهْيِ فَلا يَجُوزُ الْخُرُوجُ إلا لِلْحَاجَةِ لِغَرَضٍ مِنْ الأَغْرَاضِ" انتهى.

وقال أيضًا: "وَقَدْ رُوِيَ جَوَازُ خُرُوجِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا لِلْعُذْرِ عَنْ جَمَاعَةٍ، مِنْهُمْ: عُمَرُ، أَخْرَجَ عَنْهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ "أَنَّهُ رَخَّصَ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا أَنْ تَأْتِيَ أَهْلَهَا بَيَاضَ يَوْمِهَا" وَأَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ رَخَّصَ لَهَا فِي بَيَاضِ يَوْمِهَا. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ ابْنَةٌ تَعْتَدُّ مِنْ وَفَاةِ زَوْجِهَا فَكَانَتْ تَأْتِيهِمْ بِالنَّهَارِ فَتُحَدِّثُ إلَيْهِمْ، فَإِذَا كَانَ بِاللَّيْلِ أَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ إلَى بَيْتِهَا. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي نِسَاءٍ نُعِيَ إلَيْهِنَّ أَزْوَاجُهُنَّ وَتَشَكَّيْنَ الْوَحْشَةَ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: يَجْتَمِعْنَ بِالنَّهَارِ ثُمَّ تَرْجِعُ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ إلَى بَيْتِهَا بِاللَّيْلِ... وَرَوَى الْحَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ: "أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ أُمَّ سَلَمَةَ بِأَنَّ أَبَاهَا مَرِيضٌ وَأَنَّهَا فِي عِدَّةِ وَفَاةٍ فَأَذِنَتْ لَهَا فِي وَسَطِ النَّهَارِ".

وَأَخْرَجَ الشَّافِعِيُّ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مُجَاهِدٍ مُرْسَلاً: "أَنَّ رِجَالا اُسْتُشْهِدُوا بِأُحُدٍ، فَقَالَ نِسَاؤُهُمْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَسْتَوْحِشُ فِي بُيُوتِنَا أَفَنَبِيتُ عِنْدَ إحْدَانَا؟ فَأَذِنَ لَهُنَّ أَنْ يَتَحَدَّثْنَ عِنْدَ إحْدَاهُنَّ، فَإِذَا كَانَ وَقْتُ النَّوْمِ تَأْوِي كُلُّ وَاحِدَةٍ إلَى بَيْتِهَا" انتهى.