الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الثلاثاء 02 نوفمبر 2010 - 25 ذو القعدة 1431هـ

المربية

كتبه/ فاروق الرحماني -رحمه الله-(*)

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد كان مقالنا السابق عن: التليفزيون كعقبة في طريق التربية الإسلامية، ومعوق من معوقاتها، والتي يكون تأثيرها على الطفل في البيت في سنوات نشأته الأولى.

وقد اتفق علماء النفس والتربية على أن السنوات الأولى من حياة الإنسان هي مرحلة الصياغة الأساسية التي تُشكل شخصية الطفل.

وتتضح أهمية البيت -أيضًا عندما نعرف أن أُسس السلوك الاجتماعي تُبنى في المنزل، ويبقى هذا السلوك ثابتًا مدى العمر، فيصبح أحد سمات الشخصية الثابتة، وتنادي التربية الحديثة بأهمية الخبرات الأولى للأطفال، وآثارها في تباين ميولهم واتجاهاتهم؛ حيث يصبح من الصعوبة بمكان إزاحة بعض هذه الملامح مستقبلاً سواء كانت سوية أو غير سوية، وتشير الدراسات إلى أن إزاحة الملامح غير السوية أكثر صعوبة من السويّة.

وقد علمنا دور الأبوين، والأم بصفة خاصة في تربية الأبناء، من حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: (كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ) (متفق عليه).

وقد جرى العُرفُ أن يعتمد الأطفال غير الراشدين وإلى خمسة عشر عامًا تقريبًا على البيت، وبنوع خاص على الأم، ولذا؛ فإن تفاعل الطفل في سنوات نشأته الأولى، بل وفي شهوره الأولى، حيث يبدأ في تكوين علاقات اجتماعية بالمحيطين به منذ الشهر السادس.

ولأجل ذلك كان العرب يسترضعون لأبنائهم في ذوي الأصالة والنجابة والفصاحة من العرب، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يفخر بنسبه في الرضاع فيقول: (وَاسْتُرْضِعْت فِي بَنِي سَعْدِ) (رواه ابن إسحاق، وصححه الألباني).

وفرق كبير بين مرضعة حرة، عزيزة شريفة، أصيلة، نجيبة، فصيحة، تُرضعُ قيم المروءة، والشجاعة، والنجدة، والكرم، وغيرها من الخصال والطباع المحمودة، وبين خادمة "مربية" ذليلة، مهينة، حزينة، محرومة، جاهلة، أو كافرة حاقدة، فاسدة مفسدة، شلاَّء العقل واللسان.

وفرق أكبر وأكبر بين مرضعة يحل رضاعها ويحرم ما يحله ويحرمه النسب، تكتسب الأمومة ودوافعها في الحنان والعطف على رضيعها، وبين خادمة موظفة لا تدخل العواطف عندها ضمن صفقة الوظيفة.

مخاطر الخادمات -المربيات-:

أولاً: على العقيدة:

يولد الطفل على الفطرة، ويستصحبها وهو يتأثر بما حوله منذ ولادته، حتى إنه ليستحب التأذين في أذنه اليمنى، والإقامة في أذنه اليسرى، وفي هذا المعنى يقول ابن القيم -رحمه الله-: ".. وغير مستنكر وصول أثر التأذين إلى قلبه، وتأثره به وإن لم يشعر، مع ما في ذلك من فائدة أخرى، وهو أن تكون دعوته إلى الله وإلى دينه الإسلام وإلى عبادته سابقة على دعوة الشيطان، كما كانت فطرة الله التي فطر الناس عليها سابقة على تغيير الشيطان لها.. ".

فكيف لا تدنس، وقد أفادت إحدى الدراسات الميدانية في إحدى الدول الخليجية أن (60 - 75%) غير مسلمات، وأن (97.5%) منهن يمارسن طقوسهن الدينية، ونسبة كبيرة منهن وثنيات، كما أن (50%) منهن يقمن بالإشراف الكامل على الأطفال، وأن (25%) منهن يكلمن الأولاد في قضايا الدين والعقيدة.

ثانيًا: على الأخلاق:

أثبتت الدراسات الميدانية أن (58.6%) من الخادمات (المربيات) جئن من مجتمعات تحبذ إقامة العلاقات الجنسية قبل الزواج، فلا يتورعن عن الاختلاط بالرجال، ولا مانع لديهن من تناول الخمر والسجائر، والأغرب من ذلك أن (68.3%) منهن لا تزيد أعمارهن عن العشرين، و(42.4%) منهن لم يسبق لهن الزواج.

وفي دراسة أُخرى دلّت على أن (58.6%) منهن يحبذن ممارسة الجنس قبل الزواج، و(36.2%) منهن جئن من مجتمعات تتناول أطعمة محرمة، و(43%) منهن جئن من مجتمعات تتناول الخمور بصورة عادية، و(14%) منهن يستقبلن أصدقائهن (الرجال) في البيوت التي يعملن بها، و(51.18%) منهن يشرحن لأطفالهن عن حياة الأطفال في مجتمعاتهن.

ومع هذه الصورة السيئة فهذه هي النتائج:

1- القدوة السيئة:

فالطفل مولع بتقليد من يراه -مع ضعفه واعتماده على من حوله- من الكبار.

ومع ما ذكرناه من أحوال هؤلاء الخدم؛ هل ستناط بهم مسئولية تربية وإعداد جيل المستقبل؟!

ومَن سيكون القدوة لهم في البيوت؛ للتفريق بين الحلال والحرام عند غياب الوالدين ووجود الخادمة؟!

2- تشوه القيم وتناقضها:

ذلك لأن القيم تُصاغ في نفس الطفل منذ طفولته المبكرة، من خلال تفاعله مع ما حوله ويتشرب موازين الحكم على الأشياء والأفعال، والخير والشر، ومع ما هو معروف من أحوال الخدم والمربيات، هل نتوقع قيمًا سوية؟ فإن الخادمة قد تكافئ الطفل على أفعاله القبيحة، وتعاقبه على أفعاله الحسنة.

وإذا وجدت مؤثرات تربوية إيجابية سوية كالمدرسة، والوالدين، والمسجد، وغير ذلك.. فإنها معرضة للتشويش والنقض في نفس الطفل بتلك الأخرى السلبية.

3- افتقاد القوامة التربوية:

فالمربية -الخادمة- التي تقوم عن الطفل بجميع المهام، وهي مطالبة بأن تبادر إلى خدمته وطاعته في كل ما يريد ويرغب، فهي تريد إرضاء الطفل، ولا تفكر في لومه أو عقابه؛ لأنها "خادمة"، وحينئذٍ لا يستطيع الطفل أن يفرق بين الخير والشر، وبالتالي لا ينمو ضميره، بل إن ذلك ينسحب في نفس الطفل وفي سنواته الأولى -خاصة على مدرسيه- فقد لاحظنا بعض الأطفال -وبسذاجة وعفوية وبراءة- يتوقع من أُستاذه ما يراه من الخادمة.

4- التدليل السلبي:

والذي يؤدي إلى الاتكالية التي تنتج الإخفاق والفشل، حيث لا يعتمد الطفل على نفسه، وإنما تقوم عنه الخادمة بجميع المهام فينشأ بعيدًا عن النشاط، قريبًا من الكسل، ومن وجد كل أمر يُهيأ له دون عناء؛ أنّى له أن يسعى وأن يحاول؟! وبالتالي يتعرض للإخفاق في أول احتمال له.

كما يؤثـِّر ذلك على تفاعله وانسجامه مع المجتمع، حيث لم يتدرب على تحمل المسئولية، لذا؛ نجده عندما يخرج من بيته ويتعامل مع قوانين المدرسة والمجتمع، سرعان ما يضيق ذرعًا بما يواجهه من مواقف، أو ما يطلب منه من تكليفات.

ثالثًا: على الثقافة والمفاهيم:

فالمربية أتت من مجتمعات مختلفة في ثقافتها ولغتها، وهي نفسها قد تكون ضائعة بين ثقافتين، حائرة بين نظامين، فلا هي تجيد اللغة العربية حتى تنقل ثقافتنا العربية الإسلامية للطفل، ولا هي تستطيع نقل ثقافتها الأجنبية، والنتيجة عزلة عن ثقافته.

ولا شك أن الخادمات والمربيات يحاولن تنشئة الأبناء حسب قناعاتهم، فهي إن كانت مثقفة -كما هو الحال في الأسر الغنية- فإنها تؤثر في الأطفال أكثر من والديهم؛ لانشغال الوالدين وتخليهما عن مهمة التربية للخادمة -المربية-، بدعوى أنها مثقفة ومتخصصة في التربية، كما أن لهؤلاء المربيات -في تلك الأسر- مقدرة على الإقناع والتأثير على الوالدين، فضلاً عن الأبناء.

وبالتالي تنقل عدوى المفاهيم غير الإسلامية إلى البيوت المسلمة، فالمربية هي التي تختار ملابس الأطفال -وبخاصة البنات-، وهي التي تؤثر عليهن في نظرتهن إلى الحجاب والأزياء، وغير ذلك من الآداب والأخلاق.

رابعًا: على اللغة:

من المعلوم أن المربية تلازم الطفل في مرحلة نموه الأولى والتي يكتسب فيها اللغة، ومن البديهي أن الطفل يلتقط منها ما يسمعه من ألفاظ؛ فيها من العربية الركيكة، والإنجليزية الركيكة، والأوردو، وغير ذلك.. مما يعتبر حاجزًا يعوّق نمو الطفل اللغوي؛ إذ يضطر إلى محاكاتها.

وقد دلّت الدراسات على أن (8%) من مجموعة المربيات في بعض دول الخليج لهن إلمام باللغة العربية، وفي بعض الدول الأخرى (6.2%) فقط، وأن (25%) من أطفال الأسر الغنية يقلدون المربيات في اللهجة، وأكثر من (40%) منهم تشوب لغتهم لغة أجنبية، ويتعرضون لمضايقات من أقرانهم بسبب ذلك، ومما نلاحظه على الأطفال، بل والكبار عبارات: "بابا في؟"، "في بابا"، "بابا نوم"، "ماما نوم"، وهكذا..

خامسًا: على التكوين النفسي والشخصي:

- إن المربية -الخادمة- غير مؤهلة لإشباع عاطفة الأمومة عند الأطفال، فالعواطف لا تدخل ضمن وظيفة المربية، وإنما تفيض تلقائيًّا من قلب الأم إلى أبنائها، والنتيجة أن ينشأ الطفل في حياة ينقصها الحب والعطف؛ فتتولد عنده الميول العدوانية.

- كما أن وجود المربية يُضعف علاقة الطفل بوالديه، فإن عاطفة الطفل توزع على من يرعاه ويُحسن إليه.

- إن للطفل حاجات في أن يكون موضع تقدير ومحبة الآخرين، وأن يبادلهم نفس المشاعر والانفعالات، والخادمة غير مؤهلة لذلك.. فمن يستطيع أن يجبرها على أن تكون سعيدة ومبتسمة دائمًا في وجهه، كما هو شأن الأم مع أبنائها؟!

ومَن الذي يطالبها أن تتكلف ما لا تستطيع، وهي البعيدة عن أسرتها وموطنها، تفتقر إلى الأمن النفسي، وفاقد الشيء لا يعطيه؟!

وبعد:

فهذه أهم المخاطر التي تترتب على وجود هؤلاء مع أبناء المسلمين.

فكيف يتم لك المرتقى          إذا كنت تبني وهم يهدمون

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) هذه المقالة من تراث الشيخ -رحمه الله-، وقد كتبها أثناء إقامته بدولة "قطر".