الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأربعاء 25 مارس 2009 - 28 ربيع الأول 1430هـ

رسالة إلى أهل غزة: ولَنِعِمَّ الرِّبَاطُ رِبَاطُكُم

كتبه/ بهاء الدين عبد الباسط

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

أخرج البخاري في كتاب "المناقب" عن عُمَيْرٍ بْنِ هَانِئٍ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ النبي - صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ: (لاَ يَزَالُ مِنْ أمتي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ، لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلاَ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ) قَالَ عُمَيْرٌ: فَقَالَ مَالِكُ بْنُ يُخَامِرَ: قَالَ مُعَاذٌ: "وَهُمْ بالشام" فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: هَذَا مَالِكٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاذًا يَقُولُ: وَهُمْ بِالشَّامِ.

وأخرجه في كتاب "التوحيد" بلفظ: (لاَ يَزَالُ مِنْ أُمَّتِى أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ، مَا يَضُرُّهُمْ مَنْ كَذَّبَهُمْ، وَلاَ مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِىَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ)

وهذا لاشك يقوله معاذٌ رضي الله عنه عن توقيف، أو عن فَهمٍ دقيق، لا جرم فهو إمام العلماء، وعلى كلٍ فهو من باب قوله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)(آل عمران: 110)، فهي وإن نزلت في الصحابة خاصة، فهم أحق بهذا الوصف من كل أحد، ولكنها يدخل فيها من عمل بالشرط المذكور في الآية: (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)، كما ورد في الأثر عن عمر وغيره، ومع دخوله فيها لا يبلغ ما بلغوا، وكما قال تعالى: (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ)(التوبة: 100)

فهذا كذلك، فأهل الشام هم أحق بهذا الوصف من غيرهم، وهو كونهم أهل الطائفة المنصورة، وهم المقصودون بالمقام الأول في هذا الحديث، وإن كان ذلك لا يمنع أن يلتحق بهم غيرهم أو يدخلون معهم في هذا الوصف، ولكن لا يبلغون فيه ما بلغوا.

ويؤكد ذلك أن الحديث لا تظهر فائدته إلا في وقتٍ يكون فيه المسلمون في حالةٍ من الضعف، وإلا ففي حالة تكون فيها الأمة الإسلامية قويةٌ وأمرُها قائم وأهلُها جميعٌ، أي متحدون، فلا فائدة فيه، لأن المقصود بيانُ أنه مهما بلغت الأمة من الضعف والتفرق والتحزب والتشرذم والصراع فيما بينها، ومهما تكالب عليها الأعداء من كل جانب، ومهما علا فيها صوت المنافقون وأهل الباطل، ومهما بلغ تحكمهم في البلاد والعباد، ومهما خبا صوت أهل الحق وضعف، فإنه لا تزال طائفة من الأمة ظاهرة على الحق، قائمة به، لا يضرها من خالفها ولا من كذبها، ويستقيم أمرها على ذلك إلى أن تقوم الساعة، أو إلى أن يظهر أمر المسلمين مرة أخرى وتعلو كلمة الله تعالى، ويظهر أمره ويستبان الحق، وتذهب الغربة عن المسلمين، وذلك كائنٌ لا محالة.

فإذا كان ذلك كذلك، فأي وقتٍ الآن هذا ؟ أليس وقت الاستضعاف ؟ أليس هذا هو الوقت الذي تظهر فيه فائدة هذا الحديث؟ حيث ترى أمر المسلمين كيف آل إلى ضعف وذلة وهوان، وتفرق وتحزب وتشرذم، وصراع وإقبال وتكالب على الدنيا، وهروب وإدبار من أمر الآخرة، وموالاة لأعداء الله ومسارعة فيهم، ومعاداة للمسلمين وكل ما له انتماء لهذا الدين، أليس العالم الآن على اختلاف ألسنته وألوانه، وقاراته وبلدانه، حرباً على الإسلام والمسلمين، مهما كان الخلاف فيما بينهم، فأمرهم جميع على المسلمين، أليس الآن يظهر أمر هذه الطائفة واضحًا جليًا: أمرُهُم على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، مستمسكين بهدي السلف الصالح في جميع أمورهم وأحوالهم، متبعين لهم بإحسان، مستيقنين بأنه لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، قائمين بنصرة هذا الدين مهما بلغت منهم التضحيات، قائلين بالحق وبيانه صادعين به، عالمين طريق النصر لا يقبلون أن يحيدوا عنه، يوالون أولياء الله، ويعادون أعداءه، لا يداهنون ولا ينافقون ولا يتنازلون ولا يبيعون شيئا من أمر دينهم مقابل عرضٍ من الدنيا أو دراهم معدودة أو يكونوا فيه من الزاهدين.

ثم ترى الخلاف في تحديد أهل هذه الطائفة ينبني على خلاف أهل العلم في أفضل الأعمال، وبدون الخوض في ذلك، أو عرض الخلاف، فإن أصح قولين في ذلك، أن أفضل الأعمال: الجهاد والعلم، ومذهب أحمد أن الجهاد أفضل العمل، وهو كذلك لأنه به تُحفظ بيضة الإسلام والمسلمين، ولولاه لاجتاح الأعداء بلدان المسلمين وأفنوهم عن بكرة أبيهم، فلا يكون علم ولا شيء، ولكن مفهوم الجهاد في الإسلام هو الذي يرهب الأعداء ويجعلهم من المسلمين على حذر وخوف، حتى وإن كانوا في مثل هذه الحالة من الضعف، والكفار قد بلغوا من القوة ما نرى، لأن المسلم يدخل غمار الحرب والمعارك ولا يريد أن يرجع منها بشيء لا بنفسه ولا بماله ولا بأهله، يرجو الشهادة أو النصر، كما قال تعالى: (قُلْ هَلْ تَتَربَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ)(التوبة: 52).

أما الكافر فلا يدخل المعركة إلا وهو غاية في الخوف من الموت، كما قال تعالى: (لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ)(الحشر: 14)، وقال: (لأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنْ اللَّهِ)(الحشر: 13)، لذا فهم دائما منهزمون، مهما حققوا من انتصارات زائفة، وإن كانت ففي أول الأمر ولا يستمر معهم النصر أبدا.

وهذا أمر مشاهد معلوم لنا في شتى البقاع على مر الأزمان، وهو أوضح ما يكون الآن بأرض فلسطين.

وليس معنى ذلك التنقص من شأن العلم، ولكن هو بيانٌ للدرجات، فمن حقق العلم مع الجهاد فهو في أعلى المراتب، ومن قام بأمر الجهاد ففي المرتبة التالية، ومن لم يتسن له القيام بالجهاد، فأفضل العمل هو العلم، ومن وراء ذلك مراتب لا تنتهي، بل ربما يختلف الأمر باختلاف الأشخاص والبلدان والزمان، كما بين ذلك العلماء، والله أعلم.

وعليه فنرى أن أهل الطائفة المنصورة في هذا الزمان وأحق الناس بها هم أهل الشام، فهنيئا لكم أهل الشام، وهنيئا لكم أهل فلسطين، وهنيئا لكم أهل غزة.

أخرج مسلم عن يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ قَالَ سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِى سُفْيَانَ ذَكَرَ حَدِيثًا رَوَاهُ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- لَمْ أَسْمَعْهُ رَوَى عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى مِنْبَرِهِ حَدِيثًا غَيْرَهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَلاَ تَزَالُ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ).

وأخرج مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: (لَنْ يَبْرَحَ هَذَا الدِّينُ قَائِمًا يُقَاتِلُ عَلَيْهِ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ).

وهذا يؤكد أن المقصود بهذه الطائفة المنصورة عصابةٌ من المسلمين يقاتلون عليه، أي من أجله، ولا يُحْمَلُ لفظ القتال إلا على معناه الحقيقي، فالمراد بالقتال الجهاد والحرب، فهذا يفسر الأحاديث المذكورة أولا، وصرف هذا اللفظ عن ظاهره إلى معنى آخر لا يجوز إلا بدليل صحيح، وحمله على أن المراد القتال أو الجهاد بالعلم أو الحجة والبيان غير صحيح بل يخالف نص النبي صلى الله عليه وسلم، فالأمر على ما بينا أن أولى الناس بهذا الوصف هم المجاهدون المقاتلون من أجل نصرة الإسلام والمسلمين، يليهم أهل الحجة والبيان من العلماء الذين فاتهم أمر الجهاد. وعلى هذا قول أكثر شراح الحديث أن المقصود بالطائفة هذه العصابة جمعا بين الحديثين.

هذا وقد علمنا أن الجهاد يكون بالسيف والسنان ويكون باللسان والحجة والبيان، وحمله على المعنى الأول حقيقي والثاني مجازي، والذي يقوم بالأول أعظم من الذي يقوم بالثاني، وأعظم منهما الذي جمع بينهما.

قال تعالى: (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ)(التوبة: 19)، وقال تعالى: (لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً)(النساء: 95).

وربما يختلف ذلك أيضا باختلاف الأشخاص والبلدان والزمان، فلربما يكون النصر في موطن من المواطن لا يتأتى إلا بالجهاد، وفي آخر بالحجة والبيان والعلم، وفي آخر بهما، وهكذا، ولكن أعظم ذلك الجهاد، وهذا أظهر ما يكون في هذا الزمان وحالة الأمة الإسلامية ما نرى، وعليه أقوال أهل العلم في آخر الزمان، أن هذه الطائفة تكاد تنحصر في أرض الشام، والله أعلم.

والمقصود أنه ربما يكونُ فرد ٌ أو أفرادٌ شتى في مواطن شتى في زمن واحد أو في أزمان مختلفة من أفراد الطائفة المنصورة، أو ينتمي إليها بسبب، ولكنهم في ذلك على درجات قربًا وبعدًا من تحقيق الوصف الأكمل والمثال الأعلى للطائفة المنصورة. ويختلف استحقاقهم لهذا الوصف على مدى تمكنهم من تحقيق شروطه واستيفاء متطلباته. وقد يكون العلم في زمان هو المطلوب، وفي آخر الجهاد هو المطلوب، وفي ثالث كلاهما مطلوب، ولاشك أن الأول في زمان قوة الأمة مقدم، والثاني في زمان توسطها مطلوب، وفي الثالث كلاهما هو المقدم والمطلوب.

فإذا نظرنا إلى وقتنا هذا علمنا أن ذلك متحقق على أتمه وكماله في أرض فلسطين الشام، بل وفي غزة بالتحديد في هذه الأيام، فهم القائمون بالجهاد والقتال، غير تاركين للعلم والشريعة، وإلا فإن الجهاد لا يتصور حصوله على وجه الحقيقة بدون العلم، فلابد من وراء هذه الطائفة من علم صحيح يجري على أصول أهل السنة والجماعة، ولعله من أجل ذلك ابتدأ النبي صلى الله عليه وسلم الحديث بذكر العلم والفقه في الدين وأهميته، ثم عقب ذلك بذكر هذه الطائفة المنصورة التي تقاتل من أجل هذا الدين.

فهم القائمون بالجهاد والقتال، غير تاركين للعلم والشريعة، الحافظين لبيضة المسلمين، فهم في حومة الوغى، وبؤرة الصراع، ومحط أنظار وتوجه أعداء الأمة، واجتمعت عليها مخططاتهم، فكل منهم يرى له فيها حقا، وأنه لا إقامة لملكه إلا بالاستيلاء عليها، بدءا من اليهود ومرورا بالنصارى وانتهاء بالشيعة الرافضة، واتفق الجميع وغيرهم على حرب الإسلام والمسلمين، واعتمدوا هذه المنطقة حلقة الوصل في لب الصراع، والله المستعان.

وكذلك إذا أمعنا النظر علمنا أن الجهاد اليوم لا يقف بمعزل عن العلم، وكلاهما قد أصيب في مقتل في زماننا هذا، ولابد للأمة من النهوض بهما جميعا إذا ما أرادت يوما لنفسها أن تنهض، ولابد من الأخذ بهما بقوة، في محل بؤرة الصراع وفي غيرها من بقاع أرض المسلمين وبلدانهم.

وهذا يبين بشدة صحة ما ذكرنا أن أهل الشام هم أحق الناس بهذا الوصف، لاسيما في هذا الزمان، ويتأكد ما ذكرنا بما يلي من الأحاديث:

أخرج مسلم عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (لاَ يَزَالُ أَهْلُ الْغَرْبِ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ).

قال أبو العباس القرطبي، المتوفى سنة: 656 هـ، في "المفهم " (3/763-764) بعد أن ذكر جملة من الأقوال المذكورة في المراد بهذه الطائفة وذكر روايات حديث سعد قال: "وهذه الروايات تدل على بطلان التأويلات المتقدمة، وعلى أن المراد به أهل المغرب من الأرض، لكن أول المغرب بالنسبة إلى المدينة – مدينة النبي صلى الله عليه وسلم – إنما هو الشام، وآخره: حيث تنقطع الأرض من المغرب الأقصى وما بينهما، كل ذلك يقال عليه غرب، فهل أراد المغرب كله أو أوله ؟ كل ذلك محتمل، لا جرم قال معاذ في الحديث الآخر: هم أهل الشام. ورواه الطبري وقال: هم ببيت المقدس."اهـ.

ولاشك أن قول معاذ رضي الله عنه أولى ما فسر به المراد من هذا الحديث، وقد ورد مرفوعا كذلك صريحا، ولنا فيه مقال آخر، نجمع فيه روايات الحديث ونذكر كلام أهل العلم في هذه المسألة، إن شاء الله.

وكذلك قال الإمام أحمد رضي الله عنه فيما نقل عنه ابن تيمية في الفتاوى (4/446) قال: قال الإمام أحمد: وأهل الغرب هم أهل الشام. وذلك أن النبي كان مقيمًا بالمدينة، فما يغرب عنها فهو غربُهُ، وما يشرق عنها فهو شرقُهُ، وكان يُسمى أهل نجد وما يشرق عنها أهل المشرق ...... وكان أهل المدينة يسمون أهل الشام أهل المغرب، ويقولون عن الأوزاعي أنه إمام أهل المغرب، ويقولون عن سفيان الثوري ونحوه إنه مشرقي إمام أهل المشرق. اهـ.

وأخرج الإمام أحمد، والترمذي، وابن حبان، عَنْ شُعْبَةَ حَدَّثَنِى مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (إِذَا فَسَدَ أَهْلُ الشَّامِ فَلاَ خَيْرَ فِيكُمْ، وَلَنْ تَزَالَ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى مَنْصُورِينَ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ). وهذا حديث صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين سوى صحابيه، وفيه دليل على ما ذكرنا من قبل من أن أهل الشام هم الآن الذين يحفظون بيضة الإسلام، فقد قصدها الأعداء على اختلاف عقائدهم، وتعلقت مخططاتهم بها، فمتى سقطت كانت محطة انتقال لما وراءها، لاسيما وغرضهم المعلن غير الخفي القضاء على الإسلام وأهله.

وفيه أن سقوطها كما بين الحديث بفساد أهلها، وفساد أهلها لا يكون إلا بضد ما تقوم به الأمة من القيام بالحق، أي التمسك بالسنة والجماعة، والطهارة من البدع والإحداث في الدين، والاقتفاء لآثار من مضى من السلف الصالح (1).

وفيه إشارة إلى أن المراد بالطائفة المنصورة هم أهل الشام، أفاد ذلك التعقيب بذكرها عقب ذكر فسادهم.

وفيه الإخبار بأن فسادهم علامة على ذهاب الخير من الأمة، لقوله: "فيكم "، وبوب عليه ابن حبان: ذكر الإخبار على أن الفساد إذا عم في الشام يعم ذلك في سائر المدن. اهـ.ففيه التنبيه الشديد للأمة على أهمية الاعتناء بأمر الشام، وتوجيه الأنظار إليها، ولا يكون ذلك إلا بإعلاء كلمة الإسلام فيها وفي أهلها، والله المستعان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) انظر "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (3/764) لأبي العباس القرطبي.