كتبه/ محمد سعيد الشحات
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
قال جابرُ بنُ عبدِ اللهِ رضي الله عنهما: كُنَّا فِي غَزَاةٍ، فَكَسَعَ (فضَرَب) رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: يَا لَلأَنْصَارِ، وَقَالَ المُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ: "مَا بَالُ دَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ؟"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: "دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ"، قَالَ جَابِرٌ: وَكَانَتِ الأَنْصَارُ حِينَ قَدِمَ النَّبِيُّ أَكْثَرَ، ثُمَّ كَثُرَ المُهَاجِرُونَ بَعْدُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ: أَوَقَدْ فَعَلُوا؟! وَاللَّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ: دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا المُنَافِقِ، قَالَ النَّبِيُّ: "دَعْهُ، لاَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ. (متفق عليه).
- مآلات الأمور: عَوَاقِبُ الأمور ونتائجها المُتوَقَعَة.
- "دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ" أي: اترُكُوا دَعَوى الجاهلية؛ فإنها قبيحة مُؤذية.
- عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ: رأسُ المنافقين، وهو مِن أهل المدينة.
- أَوَقَدْ فَعَلُوا؟! أي: تكاثروا علينا في بلادنا وقَاتَلُونا.
الدروس المستفادة:
1- المنافقونَ في المدينة كانوا يُظهِرون الإسلام، ويُبطِنون الكُفر.
2- الحكمةُ مِن عدم قتل النبيِّ صلى الله عليه وسلم للمنافقين: أنه خَشِيَ أن يقع بسبب ذلك، تنفيرٌ لكثيرٍ مِن الناس عن الدخول في الإسلام.
3- حِلْمُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وصبره عَلَى بَعْض الْمَفَاسِد؛ خَوْفًا مِنْ أَنْ تَتَرَتَّب عَلَى ذَلِكَ مَفْسَدَةٌ أَعْظَم؛ بأن يُقال: "إِنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ".
وبالتالي:
- فالمفاسد الأقل: هي عدم قتل المنافقين والصبر على فجورهم.
- والمفسدة الأعظم: هي الخوف مِن تنفير الناس عن الدِّين.
4- لا يجوز الإقدام على فِعلِ شيء إلا بعد النَّظَر في عَوَاقبه ونتائجه:
- فإذا كانت المصالح أكثر أقدَمَ على فعله.
- وإذا كانت المفاسد أكثر أحجَمَ عن فعله.
قال الإمام الشاطبي: "لا يحكُمُ المُجتَهِدُ عَلَى فِعلٍ مِن الأفعَالِ بِالإقدَامِ أوْ بِالإحجَامِ؛ إلا بَعدَ نَظَرِهِ إلى مَا يَؤُولُ إليهِ ذَلِكَ الفِعلُ" (الموافقات).