الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأربعاء 22 ديسمبر 2021 - 18 جمادى الأولى 1443هـ

تونس ... إلى أين؟ (1) المقاومة المسلَّحة في تونس للاحتلال الفرنسي

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

بدأت الحماية الفرنسية (الاحتلال الفرنسي) لتونس عام 1881م بعد توقيع الباي -حاكم تونس وقتها- على معاهدة (باردو) في 12 مايو 1881، ولم تنجح المقاومة الشعبية المسلحة المتمثلة في مقاومة العديد من القبائل التونسية الرافضة للغزو الفرنسي في التصدي لتدفق الجنود الفرنسيين المدججين بالسلاح والعتاد على تونس، حيث تمكَّنت القوات الفرنسية من بسط نفوذها على كامل تونس.

وقد استمرت هذه المقاومة من القبائل للقوات الفرنسية من جهة الحدود الليبية بقيادة علي بن خليفة حتى بعد السيطرة الكاملة للقوات الفرنسية على كامل تونس، واستمر الوضع على ذلك حتى وفاة علي بن خليفة عام 1885، وقد كانت هذه المقاومة ذات نزعة دينية على خلفية الاحتلال العسكري الفرنسي للجزائر عام 1831، وما قامت به فرنسا هناك، ولكن نظرًا لأن مقاومة القبائل كانت إمكانياتها من الأسلحة والعتاد ضعيفة في مواجهة قوة القوات الفرنسية، إلى جانب افتقادها للتنسيق بين المقاومين وتشتتهم جغرافيًّا؛ فقد ضعفت حركة المقاومة عن الاستمرار والتواصل فدان الأمر للقوات الفرنسية.

وفي عام أبريل 1906م: قامت بين صفوف قبائل (الفراشيش) انتفاضة محدودة ضد السلطات الفرنسية، فقامت السلطات الفرنسية بقمعها بشدة فكان عمر هذه الانتفاضة قصيرًا.

وأثناء الحرب العالمية الأولى قامت انتفاضة جديدة في جنوب تونس، وقام الثوار -الذين عُرِفوا باسم: (الفلاقة)- بمهاجمة التجمعات العسكرية الفرنسية المتمركزة في الجنوب، وخاضوا مناوشات ومعارك مسلحة ضد القوات الفرنسية التي قامت من خلال سياسة الأرض المحروقة بحملات عنيفة وقصف للقرى للقضاء على المقاومة. ونظرًا لغياب القيادة الموحدة وغياب السند من المناطق الأخرى في تونس، إلى جانب عدم تكافؤ ميزان القوى الذي كان لصالح القوات الفرنسية التي استخدمت الطائرات والرشاشات في حين استعمل الثوار أسلحتهم القديمة التقليدية فقد تراجعت حركة المقاومة واندحرت.

وأثناء الحرب العالمية الثانية في عام 1942: احتلت قوات المحور جنوب تونس تزامنًا مع الإنزال العسكري للحلفاء على سواحل شمال إفريقيا، فقام مقاومون من سكان العوينة (العوينة الفلاقة) بمناوشة القوات الفرنسية؛ مما ساعد على دخول الجيش الثامن البريطاني تونس، فقامت الفِرَق الصحراوية الفرنسية بالانتقام من التونسيين المزاريق بزج رجالهم في السجون واستباحة النساء والأرزاق، ووقعت عِدَّة معارك عنيفة تكبَّد فيها الفرنسيون خسائر كثيرة في الأرواح والعتاد، ومع نهاية الحرب العالمية الثانية هدأت الأوضاع في تونس نسبيًّا، وإن بقيت بعض المناوشات التي لم ترتق إلى مستوى المقاومة المسلحة.

وقد فتح التونسيون المجال للمفاوضات السياسية والنقابية مع السلطات الفرنسية بعد الحرب العالمية الثانية؛ إلا أنها تعثرت فلم يبقَ أمام التونسيين إلا تجديد حركة المقاومة لنيل الاستقلال.

وفي عام 1950 نادى الحزب الحر الدستوري والاتحاد التونسي للشغل (العمل) بالتظاهر والاحتجاج فقامت التظاهرات التي أعقبها اعتقال غالبية قادة الحزب الدستوري وقادة الاتحاد التونسي، وفي عام 1952 شهدت تونس توترًا سياسيًّا في أعقاب رفض وزير الخارجية الفرنسية مذكرة قدمت له في آخر أكتوبر 1951م حول سبل تحقيق الاستقلال الداخلي لتونس مما ساهم في اندلاع المقاومة المسلحة في أعوام (1952 -1954)، وقد مارس الحزب الحر الدستوري الجديد تأطير حركة المقاومة وجعلها وسيلة ضغط على الحكم الفرنسي. وقد شهدت حركة المقاومة هذه المرة تلاحمًا بين مناطق البلاد المختلفة ساعد عليها تطور طرق الاتصال والمواصلات، كما غدت روح الجهاد دافعا للمقاومة وتناميها، إلى جانب الاستفادة من الأسلحة المستعملة الموروثة من قوات المحور من مخلفات الحرب العالمية الثانية، وتم تجاوز نقص أسلحة المقاومة بتعبئة المعنويات الكبيرة، وباستخدام أساليب حرب العصابات والمدن التي لم تكن فرنسا مستعدة لها مسبقًا.

بدأت نواة المقاومة المسلحة في عام 1952 لتشمل تدريجيًّا شمال وغرب تونس، مع دعم الأهالي ماديًّا ولوجستيًّا للمقاومة من خلال التبرع بالمال والغذاء، والمؤن، والعتاد والمعلومات، مع إخفاء وتهريب الأسلحة وإيواء المقاومين وتسهيل فرار المطاردين.

وقد انتظم المقاومون في مجموعاتٍ صغيرةٍ تمركز أغلبها في المناطق الجبلية، وقادوا أكثر من مائة معركة خلال عامي: 1953 و1954 في مواجهة طائرات ودبابات الجيش الفرنسي، وبلغت المقاومة ذروتها أواخر عام 1954، وأمام صلابة المقاومة ومع اندلاع الثورة في الجزائر ضد الفرنسيين هناك تم إعلان الاستقلال الداخلي لتونس، وأعقب ذلك مفاوضات ثنائية لتحديد واجبات الجانب التونسي والجانب الفرنسي، وتشكَّلت وزارة برئاسة الطاهر بن عمار التي وَجَّهت نداء للمقاومين لإلقاء السلاح وإنهاء المقاومة المسلحة.

وفي 20 مارس 1956 تم الإعلان عن الاستقلال التام، لكن لم تستكمل السيادة التامة لتونس إلا في شهر أكتوبر 1963 بجلاء القوات الفرنسية عن تونس.