الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
السبت 04 ديسمبر 2021 - 29 ربيع الثاني 1443هـ

لا تنبهر ... فبعض الماء سراب!

كتبه/ أحمد شهاب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

صديقي لا تنبهر ... !

لا تنبهر بكلِّ ما تراه، فبعض الماء سراب!

لا تنبهر بكلمات معقدة، ولا بمصطلحات فلسفية، ولا كلامية، ولا سياسية، إلخ.

لا تنبهر بأسلوب إلقاء، ولا بصرخات عاطفية، إلخ.

لا تنبهر بحضارة غربية ولا شرقية، ولا ... ، إلخ.

فبكل هدوء قيِّم المضمون، وانشغل بالحقائق، ودع عنك الرتوش: فقد قال النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: (‌التَّأَنِّي ‌مِنَ ‌اللهِ، ‌وَالْعَجَلَةُ ‌مِنَ ‌الشَّيْطَانِ) (رواه البيهقي، وحسنه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (‌التُّؤدَةُ ‌والاقتصادُ والسَّمْتُ الحَسَنُ جُزْءٌ مِنْ أرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ جُزءاً مِنَ النُّبُوَّةِ) (رواه الطبراني، وصححه الألباني).

وقال ابن القيم -رحمه الله-: "قلَّ مَن استعجل إلَّا ندم، كما أنَّ الكسل قرين الفوت والإضاعة" (الروح لابن القيم).

وعن ابن عبَّاس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأشجِّ عبد القيس-: (‌إِنَّ ‌فِيكَ ‌خَصْلَتَيْنِ ‌يُحِبُّهُمَا ‌اللهُ: ‌الْحِلْمُ، ‌وَالْأَنَاةُ) (رواه مسلم).

قال ابن القيم -رحمه الله-: "إنَّما كانت العجلة من الشَّيطان؛ لأنَّها خفَّة وطيشٌ، وحدَّةٌ في العبد تمنعه مِن التَّثبُّت والوقار والحلم، وتُوجب له وضع الأشياء في غير مواضعها، وتجلب عليه أنواعًا من الشُّرور، وتمنعه أنواعًا من الخيور، وهي قرينة النَّدامة) (الروح لابن القيم بتصرفٍ).

وقد جُبِل الإنسانُ على العجلة، وهو متعجَّل، عجول بطبعه، كما قال الله -تعالى-: (وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا) (الإسراء:11)، وقال الله -تعالى-: (خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ) (الأنبياء:37)، فهو في طبعه التَّعجُّل باستمرار، فكان لا بُدَّ أن يقهره بالتَّأنِّي.

وقال عزَّ مِن قائل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (الحجرات:6).

و"قرأ الجمهور: فتبيَّنوا مِن التَّبيُّن، وقرأ حمزة والكسائي: فتثبَّتوا مِن التَّثبُّت، والمراد مِن التَّبيُّن: التَّعرُّف والتَّفحُّص، ومِن التَّثبُّت: الأناة وعدم العَجَلَة، والتَّبصُّر في الأمر الواقع، والخبر الوارد حتى يتَّضح ويظهر" (فتح القدير للشَّوكاني).

قال الغزالي -رحمه الله-: "الأعمال ينبغي أن تكون بعد التَّبصرة والمعرفة، والتَّبصرة تحتاج إلى تأمُّل وتمهُّل، والعَجَلَة تمنع مِن ذلك، وعند الاستعجال يروِّج الشَّيطان شرَّه على الإنسان مِن حيث لا يدري" (إحياء علوم الدين).

وكما قيل: "على النابل أن يتأنى؛ فإن السهم إذا غادر القوس لا يعود إليه أبدًا".