الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الثلاثاء 19 أكتوبر 2021 - 13 ربيع الأول 1443هـ

الفساد (110) الحصاد المر لـ(125) سنة سينما (1)

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فالسينما هي الفن السابع -كما يطلق عليها أصحابها-؛ لكونها فنًّا جاء بعد فنون ستة سبقته، هي: العمارة، والموسيقى، والرسم، والنحت، والشعر، والرقص.

ورغم حداثة السينما تاريخيًّا -إذ لا يتعدَّى عمرها القرن وربع القرن من الزمان-، ورغم أنها لعقودٍ لم تحظَ بالاعتراف كأحد الأشكال الفنية؛ إلا أنها اليوم تستحوذ على اهتمام الجميع، من عاملين فيها ومشاهدين لها، ونقاد ومثقفين يتابعونها، وصار هناك للسينما دور كبير في تشكيل فكر وآراء، وذوق ووجدان الشعوب غربًا وشرقًا.

والسينما تعد فنًّا سمعيًّا وبصريًّا في آنٍ واحدٍ يقوم على التمثيل، ولكنه ضمَّ إلى التمثيل العديدَ من الفنون الأخرى مِن: كتابة القصص والروايات، ومن الموسيقى والغناء والرقص التي ارتبطت بالسينما، وصارت جزءًا منها، كما ساعدت السينما من خلال ما تقدمه منها على انتشار ورواج هذه الفنون.

ونظرًا لأن الأفلام السينمائية تصل إلى كافة المستويات الاجتماعية والثقافية؛ فهي في نظر الكثيرين أداة مهمة مِن أدوات التغيير الاجتماعي، وتنمية الوعي الثقافي، كما أنها على العكس من ذلك قد تكون سلاحًا مدمِّرًا، وأداة طيعة ومضللـة، حين تستخدمها أيادٍ مشبوهة في تزييف وعي المشاهدين، فالسينما في نظر أصحابها والمهتمين بها سلاح ذو حدين تبعًا لنوايا وأهداف القائمين عليها، وطبقًا لما يحملونه من آراء وقِيَم ومبادئ، وما عندهم من أخلاق.

والسينما اليوم صناعة وتجارة، والأفلام السينمائية هي سلعتها، وهذه السلعة ينطبق عليها ما ينطبق على كل السلع، فيمكن أن تكون سلعة رديئة فيها غش تجاري، وذلك من خلال التنازل -وكما يحدث وبلا مواربةٍ- عن القيم والأخلاق والمبادئ من أجل ربحها الوفير من خلال مداعبة الغرائز والشهوات. 

ولا يمكن الحكم الدقيق على السينما وأفلامها، ومعرفة مدى مشروعيتها وبيان ما فيها من مفاسد وسلبيات على الحقيقة؛ إلا مِن خلال التعرُّف عليها بشيء من التفصيل، ومعرفة مكوناتها التي تقوم عليها، لتكون الصورة واضحة كل الوضوح أمام مَن يريد أن يحكم عليها أو يقيمها، فيتكلم عنها عن فهمٍ وبصيرةٍ، لا بالعواطف والأهواء أو تأثرًا بنظرة المجتمع لها أو ارتباطه بها؛ لذا فلعله مِن المفيد هنا أن نتعرف بشيء من التفصيل على كيفية إنتاج الأفلام، ونستعرض بإيجاز التاريخ الذي مَرَّت به السينما منذ النشأة إلى اليوم، فالحكم على الشيء فرع على تصوره -كما هو معلوم-.

بدأ التاريخ الفعلي للسينما مع العرض السينمائي الأول في العالم الذي كان في 28 ديسمبر سنة 1895م، وأقامه لوميير في مقهى جراند كافيه بباريس، أما في مصر: فكان العرض الأول في مقهى بالإسكندرية في نوفمبر من سنة 1896م. وقد أطلق الناقد السينمائي الفرنسي الإيطالي (ريتشيو كانودو) في العشرينيات من القرن الماضي على السينما: "الفن السابع" (راجع في ذلك: "سحر السينما" تأليف علي أبو شادي، الناقد السينمائي والرئيس السابق للهيئة العامة لقصور الثقافة، والرئيس السابق للرقابة على المصنفات الفنية - ط. مكتبة الأسرة 2006 م المقدمة ص 9).

 يبدأ مشوار صناعة الفيلم مِن: اختيار منتج الفيلم للقصة أو للرواية التي ستتحول إلى فيلم، وهذه القصة أو الرواية تُكتَب أولًا على الورق من خلال السيناريو، والسيناريو مطبوعًا كان أو منشورًا يمثِّل التتابع الذي سيكون موجودًا على الشاشة، الذي يختلف كثيرًا أو قليلًا عن القصة أو الرواية التي كتبها المؤلف الأصلي بحسب رؤية المخرج للفيلم.

(ويختلف السيناريو -وهو النص السينمائي- عن النص المسرحي الذي يمكن أن يوجد أو يطبع أو ينشر بمعزلٍ عن تنفيذه على المسرح، أو دون ارتباط بعملية التنفيذ. وقد يتعاقب على إخراج النص المسرحي العديد من المخرجين؛ فيحققه كلٌّ منهم على المسرح من خلال رؤيته الخاصة. أما السيناريو فهو عكس ذلك تمامًا حيث لا يمكن إخراجه إلا مرة واحدة، والناتج هو فيلم محدد، حتى إذا تراءى لأحدٍ أن يحاول إخراج نفس النص فلن يكون هو ذلك الفيلم على الإطلاق، فالسيناريو يأخذ شكله النهائي من خلال الفيلم على الشاشة وليس العكس) (المصدر السابق، ص 21 بتصرفٍ).  

ومصادر السيناريو متعددة (ويذكر تاريخ السينما المصرية: أن معظم الأفلام الأولى كانت معدة عن المسرحيات التي كانت سائدة في تلك الفترة).

ومن مصادر السيناريو: الأعمال الأدبية، والقصة والرواية لأدباء محليين أو عالميين، ومنها: الوقائع والشخصيات التاريخية بعد إعادة صياغتها دراميًّا، ومنها: إعادة إنتاج بعض الأفلام القديمة أو الاقتباس المباشر من أفلام أخرى عربية أو أجنبية مع الإشارة أو عدم الإشارة -وهو الغالب- إلى مصدر الاقتباس، ويُسَمَّى كاتب السيناريو: (السيناريست).

ويكتب السيناريو مأخوذًا من القصة التي يتفق عليها المنتج والمخرج، وغالبًا ما تحمل القصة عناصر الجذب الجماهيري، ولها تأثير وفاعلية؛ لتعطي قدرًا من المتعة والإثارة، ويمكن بالطبع أن يكون من ورائها ترويج لفكر أو رأي أو عرض لقضية. ويكون تأثير الفيلم في النهاية بحسب ما يريد مؤلف القصة أو الرواية الترويج له من خلال فكره وانتمائه، ومن خلال رؤية المخرج واتجاهه، فدراسة قصة الفيلم الأصلية من الأمور المهمة للحكم على أي فيلم وتأثيره.  

فـ(العمل الفني مجموعة من الرغبات التي يتم إثارتها ثم إشباعها وهكذا، ومن الخطأ بالطبع إثارة رغبة وتركها بغير إشباع؛ مما يجعل الدائرة النفسية غير مغلقة، وتعني الرغبة: كل ما يتوق له الإنسان؛ سواء في المال أو النفوذ أو القوة ... أو يكون محظيًا لدى الجنس الآخر ... وقد تكون الرغبة عكسية أو مدمرة، كأن يرغب في الانتحار أو يتحكم فيه هاجس السرقة، أو تحكمه التصرفات الوضعية: كالخيانة والرشوة، أو كراهية البشر، أو الرغبة في تحقيق الفشل.

والخطر في الفن هو: ما يتعلق بتلك المعوقات التي تعترض طريق تحقيق الرغبة، وهو الشيء الذي يهدد سعادة الإنسان في الحاضر أو المستقبل، ويجعله يستشعر شعورًا غير مريح: كالغضب أو الخوف أو الكراهية، وغير ذلك. و زيادة أي جرعة من الرغبات أو الخطر يعني مزيدًا من القلق و التوتر، وهو ما لا يجب أن يكون في أي عمل فني؛ لذلك فإن على الكاتب أن يسيطر على أدواته و أحداثه، بحيث يتحكم تمامًا في عملية التوتر التي يخلقها، بحيث تأتي متناسبة مع حجم المشاعر التي يريد توصيلها للمتلقي دون زيادة أو نقصان؛ لذلك على الكاتب حين يفكر في كتابة السيناريو أن يتقدَّم داخل البناء الذي يحاول تشييده وَفْق خطة محدودة الخطوات، حتى يضمن انضباط مشاعره ومشاعر شخصياته ومصداقية أحداثه؛ خاصة إذا كان يكتب للسينما مباشرة دون اعتمادٍ على نصٍّ أدبي أو مسرحي سابق) (المصدر السابق، ص27-28)

وكاتب السيناريو يحظى في السينما باهتمامٍ شديدٍ؛ إذ إن عليه دورًا كبيرًا في نجاح الفيلم؛ ولهذا فمِن المهم لتقييم أي فيلم دراسة السيناريو، وما يمكن أن يحدثه من إثارة لقضية أو ترويج لفكرٍ أو تعرض لقيمٍ وأخلاقياتٍ.

والسيناريو يتضمن نظر الكاتب -ومِن ثَمَّ المخرج أيضًا- بوضوح؛ ولأن السيناريو هو الفيلم الذي سيكون فعليه أن يحتوي على الكثير من التفاصيل التي تساعد في إيجاد العناصر الجوهرية للمشهد، وتحديد ملامح وهوية الشخصيات.

ويطلق على الفكرة الأساسية للفيلم اسم: (ثيم)، (ويرى الكثير من منظِّري السينما ونقادها ومؤرخيها بأنه يجب أن تتسم (ثيمات) الأفلام بالصدق والصحة، وألا تكون مزيفة (بفتحة مشددة على الياء) أو مزيفة (بكسرة مشددة على الياء) وغير صحيحة، وحتى إن رَأَى البعض نظريًّا أنه مِن الممكن أن يقوم عمل فني على فكرة غير صحية وغير صادقة، مثل الأفلام التي أُنتجت كدعاية للفاشية والنازية، فإن ذلك ينقص من قيمة الفيلم ذاته) (المصدر السابق، ص 29).

والسيناريو التقليدي يتكون مِن: لقطات، ومشاهد، وفصول، واللقطة هي: جزء من الفيلم تبدأ من وقت دوران الكاميرا حتى تتوقف. أما المشهد فهو: مجموعة لقطات أو لقطة واحدة طويلة يجمعها مكان وزمان واحد. والفصل هو: وحدة درامية، ويتكون من عدة مشاهد، (وعادة يكتب السيناريو من خلال المشاهد فقط حيث تكون مسئولية المخرج أن يتولى بعد ذلك تجزئة تلك المشاهد إلى لقطات، وقد يصل المشهد الواحد إلى أكثر من 30 لقطة) (المصدر السابق، ص 32 -33 بتصرفٍ).

ويهتم السيناريو إلى جانب الصورة المرئية بالصوت المسموع، فالسيناريو الجيد يتضمن وصفًا لكل التفاصيل البصرية والسمعية، ووصف العلاقات الأساسية بين المشاهد والأحداث المتتالية والمتعاقبة.

(وعلى السيناريو أن يتضمن الملاحظات الصوتية التي تؤكد فكرته من خلال:

الحوار، وهو: الكلمات التي تنطقها الشخصيات على الشاشة. الراوي: المعلِّق (وهو صوت يأتي من خارج الكادر)، ويصاحب الصورة أو يلحق بها.

المؤثرات الصوتية: وهي أصوات الأحداث التي تعرض على الشاشة، مثل: صوت فتح باب أو إطلاق رصاصة أو فرملة سيارة. وقد تأتي هذه الأصوات من مكان آخر أو زمن خارج الشاشة، مثل: صوت الريح المسموع -مثلًا- في غرفة مغلقة أو صوت قطار يأتي من بعيد.

الموسيقى: وهي عنصر مهم، يمد الأفلام بالعواطف المصاحبة أو الإيقاع الأساسي للتصاعد الدرامي.

الصمت: وهي لحظات مهمة على شريط الصوت، قد تؤدي دورًا دراميًّا قويًّا) (المصدر السابق، ص 33 - 34).

والموسيقى: أصبحت حاليًا جزءًا لا يتجزأ مِن أي فيلم بدءًا من الموسيقى التصويرية في بداية الفيلم، والتي تعد حاليًا جزءًا مميزًا له، يتولى إعداده كبار الموسيقيين المتخصصين في الأعمال السينمائية، وكذلك الموسيقى التي قد تصاحب بعض الأحداث خلال الفيلم، والموسيقى المصاحبة لعرض أسماء المشاركين في العمل السينمائي في آخره. وهناك العديد من الأعمال الموسيقية التي اكتسبت شهرتها من استخدامها كموسيقى لفيلم، وهناك مؤلفون موسيقيون متخصصون في موسيقى الأفلام، ويتمتعون بشهرة واسعة.

وتقوم الموسيقى في الفيلم بدور مؤثِّر في التشويق، وفي محاولة تجسيد تعبيرات أبطال الأفلام المكبوتة أو توحي بعواطفهم المختفية، وتعد الأغنية أيضًا مادة موسيقية.

وقد ظلت الأغنية عنصرًا مهمًّا في الفيلم المصري لفترةٍ طويلةٍ، وكان نجاح الفيلم يتوقف على مدى نجاح أغانيه، كما صحبت الموسيقى فقرات من الرقص الشرقي أو الغربي ضمن أحداث الكثير من الأفلام.

وقد سادت في فترة من الفترات غناء ممثلين الأفلام كبارهم وصغارهم بوعي درامي أو بدونه، وسادت كذلك موضة رقص الممثلات في أفلامهن، ومشاركة راقصات شهيرات ومغنين مشهورين في الأفلام؛ لذا فقد أصبح الحكم على مشاهدة الأفلام يرتبط -ولا بد- بالحكم على مشروعية ما فيها من موسيقى أو غناء أو رقص، وهي أمور غالبًا لا يخلو منها أي فيلم مهما كان نوعه أو هدفه من خلال النظر في مدى مشروعية الموسيقى والغناء والرقص شرعًا، وضوابط ذلك بفرض جواز شيء منها.

(والشخصيات هي: وسيلة كاتب السيناريو لتحويل الأحداث إلى حركة وفعل. فالشخصيات في الدراما هي بما تقول وما تفعل، بما تظهر وبما تخفي، بما تلبس وبما تستخدم من أشياء، بما يضطرم داخلها من حياة مكونة من عواطف وأفكار وأحلام، بما تشترك فيه من صراع، وما تخلقه من مشاكل. والشخصية الدرامية المتكاملة ينبغي أن تقدِّم إنسانًا متعدد الأبعاد؛ له حياته الخارجية الظاهرة التي نراها أمامنا، وله حياته الباطنة التي نرى انعكاسها على عالم الواقع، فيما تقوله الشخصية أو تفعله أو ما تلبسه أو ما تهمله).

(وللشخصية الدرامية ثلاثة أبعاد أو مقومات، هي:

- الجسماني: رجل أو امرأة، ثم المظهر الخارجي وكل ما يتصل بالشكل العام جسديًّا.

- الاجتماعي: وفيه يحدد الوضع الاجتماعي للشخصية طبقيًّا، ونوع العمل والتعليم، والحياة العائلية، والمكانة الاجتماعية واهتماماته الثقافية أو عدم اهتماماته أيضًا.

- النفسي: وهو ثمرة البعدين السابقين، ويتعلق بمزاجه النفسي وأهدافه وأطماعه وطموحاته وأخلاقياته وقدراته ونوع إرادته، كونه قويًّا أم ضعيف الإرادة، وغير ذلك. والمتأمل لأي عمل فني يجد أن عقدته وجميع ما فيه من أعمال هي أثر من آثار أبعاد الشخصية الثلاثة) (المصدر السابق، ص 43 -44).

وبالقطع يكون الحكم على جواز مشاهدة الأفلام مطلقًا متوقفًا على مشروعية التمثيل للرجال أو النساء عامة، وحكم تمثيل المرأة لشخصية ما بكل أبعادها وأحوالها الظاهرة والباطنة أمام المشاهدين الأجانب عنها، وبضوابط ذلك إن قيل بجواز شيء منه شرعًا، إلى جانب حكم ما يصحب هذا التمثيل من تبرج للنساء أو ما فيه من اختلاط بالرجال، أو تصوير مشاهد لعلاقات عاطفية بين رجل وامرأة؛ سواء كانت هي في أحداث الفيلم نفسه طبيعية أو محرمة.

ويُعَدُّ التصوير من أهم عمليات تصنيع الفيلم: فالسينما هي فن الصور المتحركة، والصورة هي العنصر الأساسي في العمل السينمائي، فمن الممكن مشاهدة فيلم صامت تمامًا -كما كان في الأفلام الصامتة قديمًا-، لكن لا يمكن اعتبار أي صوت له قيمة سينمائية ما لم يكن مرتبطًا بشريط الصورة، (ومن البدهي في السينما: أنه مهما كانت براعة المونتاج وامتياز الموسيقى، أو براعة معامل المؤثرات؛ فإن ذلك لن ينقذ فيلمًا صورته ضعيفة، ففي المعمل يمكن أن يحسن العمل الفقير في الإخراج، ويمكن أن تمحى بعض أخطاء التمثيل في المونتاج، لكن الفيلم الجيد لا يمكن خلقه إذ لم تكن صورته مختلفة مميزة ومتميزة. ومسئولية الصورة كما نراها على الشاشة مقسَّمة بين المخرج ومدير التصوير.

ومن المستحيل عمليًّا الفصل بين ما يحدث أمام الكاميرا وما يحدث خلفها، ويتعانق الاثنان في فن الفيلم بشكل لا ينفصل على الإطلاق، لكن المسئولية الأساسية عن الصورة تقع على عاتق مدير التصوير، الذي يرأس فريق التصوير)، والذي يتكون (من المصور (الكاميرامان) وهو: المسئول عن تشغيل آلة التصوير، ويقع عليه عبء تنفيذ جميع تعليمات مدير التصوير، وإعداد الكاميرا في الوضع المطلوب، ومن أهم مسئولياته: المحافظة على التكوين خلال حركة الكاميرا؛ لأنه الوحيد الذي ينظر في الكاميرا أثناء التصوير الفعلي).

وضابط البُعد البؤري، وهو: مساعد ثان لمدير التصوير، تتحدد مهامه في ضبط البعد البؤري بقياس المسافات بين الأجسام المراد تصويرها وبين مستوى الفيلم خلف العدسة مباشرة داخل آلة التصوير، ويقوم بمراجعة ذلك على الجداول الخاصة حتى يضمن الوضوح المطلوب في كل لقطة، كما أنه مسئول عن العدسات وتغير البعد البؤري لها أثناء التصوير.

وتقع ضمن مهامه أيضًا: تعبئة الكاميرا بالفيلم الخام وإعداد خزانة الأفلام مقدمًا. وهناك مساعد المصور، وعدد من عمال الحمل، وتحريك معدات التصوير من موقع إلى آخر، وتركيب القضبان التي تتحرك عليها آلة التصوير، وهي ما يُسَمَّى (بالشاريوه)، ودفع الكاميرا أثناء التصوير، وتحريك رافعة الكاميرا (الكرين). وعمال الإضاءة أو الكهربائيون، وهم بمنزلة اليد اليمنى لمدير التصوير؛ فهم الذين يقومون بتشغيل لوحات الإضاءة أو إطفائها، حسب تعليمات مدير التصوير، وهم الذين يقومون بتركيب الأنوار في أماكنها من الديكور، وهناك مع الفريق أيضًا: ملاحظ يتابع الإضاءة مع مدير التصوير (راجع في ذلك: المصدر السابق، ص 51-54).

والفيلم السينمائي هو: عبارة عن مجموعة متتالية من الصور الثابتة المنفصلة تعرض بنفس معدل تصويرها، ومن ثم تبدو أمام عين الإنسان وكأنها حركة طبيعية متصلة. وسرعة التصوير العادية هي 24 صورة (كادر) في الثانية في آلات التصوير 35 مم و16 مم، وهي ذات سرعة آلات العرض السينمائي.

وتقوم آلة التصوير بتصوير الفيلم على لقطات متتابعة وَفْقًا لما يتطلبه المشهد، واللقطة هي وحدة اللغة السينمائية. وتعرف بأنها هي الجزء من الشريط السينمائي الذي يتم تصويره دفعة واحدة حين يبدأ محرك آلة التصوير في الدوران وحتى أن يتوقف (راجع المصدر السابق، ص 54-56).

والشريط السينمائي الخام (السليولويد) يتكون من قاعدة من السليولوز مغطاة بطبقة رقيقة من أملاح الفضة الحساسة للضوء، ويعد هذا الشريط نموذجيًّا لسهولة حركته داخل آلة التصوير؛ ولأنه صعب التمزق أو الكسر (المصدر السابق، ص 87).

وتصوير الممثلين في أفلامهم يجرنا إلى الحاجة إلى معرفة حكم التصوير الفوتوغرافي، وعلى فرض القول بجوازه؛ فلا بد من معرفة ضوابطه في الشرع، سواء في التصوير نفسه أو في عرض الصور للمشاهدة، فهناك ما لا يجوز تصويره أو مشاهدته مِن: صور التعري، وتبرج النساء، مهما كانت قيمته الفنية، وبالتالي يلزم خلو الفيلم منها.

(وحين بدأت السينما صامتة لم يكن هناك سوى تأثير الصورة المرئية على المشاهدين، وصاحب البيانو بعد فترة هذه العروض ليضيف التأثير الصوتي على الصورة، ومِن ثَمَّ فقد خدمت موسيقى البيانو عدة أغراض أولها وأهمها: تحديد وتكثيف وتوضيح جو الفيلم، ففي مشاهد الحب كانت تعزف مقطوعات رومانسية جميلة تضفي جوًّا حالمًا على الصورة، ثم فجأة تتغير نغمات الموسيقى فتعزف موسيقى متوترة موحية باقتراب وصول الشرير، وهكذا ... وكانت الموسيقى تساعد في تحديد مساحة وإيقاع الفيلم) (راجع المصدر السابق، ص 127).

وفي مجال الفيلم الملون تم تلوين بعض الأفلام بالصبغات وبشكل يدوي، حيث طبعت النسخة الأصلية من الفيلم الأمريكي (مولد أمة) عام 1915 م إخراج (جريفيث) على مواد ملونة؛ للإيحاء بالأجواء المختلفة. وفي الثلاثينيات تم تطوير الألوان بشكل نسبي ولكنها كانت ألوان صارخة تقوم بتجميل كل شيء (المصدر السابق، ص 103).

وكانت أول محاولة لاستخدام الألوان في السينما المصرية: في فيلم (زينب) الصامت الذي عُرِض في عام 1930م، حيث ظهرت بعض المشاهد ملونة، وتم تلوينها باليد صورة صورة باستخدام الفرشاة!

وقد تأخر ظهور أول فيلم مصري روائي كامل بالألوان إلى عام 1950م حين ظهر فيلم (بابا عريس) بطولة نعيمة عاكف وكمال الشناوي، وإخراج حسين فوزي، ومن إنتاج نحاس فيلم.

(وقد كان هناك العديد من المشاكل التكتيكية التي لا تجعل الألوان تبدو طبيعية، وتجعل أحد الألوان يتسيد المنظر أو يغيب لون أساسي، بينما تبدو بقية الألوان ثقيلة وغير عادية، إلى أن جاء العقد السادس من القرن العشرين لتحل معظم هذه المشاكل، وأصبحت معظم الأفلام منذ نهاية الستينيات تُصوَّر بالألوان) (راجع المصدر السابق، ص 103- 104).

أما المونتاج فهو: ربط شريحة فيلمية بشريحة أخرى، أو ما يُسَمَّى بعملية وصل اللقطات بعضها ببعض لتكوين مشاهد، ثم تربط المشاهد بعضها ببعض ليتكون منها الفيلم النهائي.

ومن هذا الاستعراض السريع لصناعة الفيلم يتبين أن: هناك عدة أمور لا بد أن تكون في الحسبان في تقييم أي فيلم، والتعرف على مشروعية مشاهدته؛ فضلًا عن المشاركة فيه، أو التكسب من ورائه، ومنها: القصة أو الرواية التي يقوم عليها الفيلم من جهة ما تقدمه من قضية أو فكر أو رأي، وهناك سيناريو وإخراج يعالج هذا العمل وما يقدمه، وهناك ممثلون وممثلات ليسوا بمحارم ومع ذلك يشتركون معًا في تجسيد شخصيات هذا العمل، ويتفاعلون معًا في أحداث وحوارات، ومواقف من خلال انفعالاتٍ بلا ضوابط شرعية، وهناك تصوير لكل ذلك تمهيدًا لعرضه على كمٍّ كبيرٍ مِن المشاهدين، والعمل يتضمن ولا بد مساحة من الموسيقى، ويمكن أن يصحبه رقص أو غناء.

وهذه كلها أبواب تحتاج إلى المزيد من المناقشة والنظر فيها.