الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الإثنين 30 أغسطس 2021 - 22 محرم 1443هـ

الفساد (103) أين دور الزراعة في الاقتصاد المصري؟ (5)‏

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

ففي الوقت الذي يتطلع فيه سكان الأرض إلى الزراعة؛ لسدِّ حاجاتهم من الغذاء والطعام، فقد أصاب الزراعة الكثير من التطورات السلبية التي جعلت طرق وأساليب الزراعة في بعض الأحيان مصدرًا لأضرارٍ ومفاسد تؤثِّر بالسلب على حياة الناس، وتضر الاقتصاد والبيئة، وتؤثِّر على حياة الفلاحين والمزارعين.

وهذه كلها أمور ارتبطت بالتقدم العلمي والطفرة الحضارية التي نعيشها في الزراعة، وسائر سبل الحياة الأخرى، وما صاحبها من ثلوث في البيئة وخلل في التوازن البيئي، وآثار ذلك السلبية المدمرة على الهواء والماء، والتربة والغذاء، وكلها أمور تحتاج إلى درجةٍ عاليةٍ مِن الوعي والفهم والإدراك، ودرجة عالية من التوجيه والإرشاد لأصحاب الشأن؛ كلٌّ في موقعه، مع حُسْن التصرف، وسرعة معالجة للمشاكل التي طرأت وتطرأ على حياتنا؛ وإلا فهناك مِن الأضرار والخسائر في الأبدان والأموال ما لا يحمد عقباه.

وهي أمور أصبحت لا غنى عن التعرُّف عليها ووضع الحلول لها، ومعالجتها أولًا بأول، فلم تعد الزراعة في العصر الحديث مجرد خبرات ورثها الفلاح أو المزارع من أجداده، بل أصبحت علمًا معقَّدًا يسعى بقوة لتحسين الزراعة، وزيادة الجودة والإنتاج، ويعمل بقوة أيضًا في إزالة ما يجد بالزراعة من مشكلاتٍ وأضرارٍ، وهو ما سنحاول هنا الإشارة إليه وتسليط الضوء عليه.

تلوث الأرض والتربة:

يشكِّل تلوث الأرض والتربة جانبًا مهمًّا من جوانب التلوث البيئي التي منيت بها البشرية في العصر الحديث، كنتيجة للتدخل غير المدروس من جانب الإنسان في البيئة من خلال محاولاته الدائبة لتحقيق الزيادة المؤقتة في إنتاجية الأراضي الزراعية أو السيطرة على ما تتعرض له من الآفات والحشرات ونحوها.

تنقسم التربة وَفْقًا لحجم الحبيبات المكونة لها إلى ثلاثة أنواع: "طينية ورملية وطميية"، والتربة الزراعية تكون عادة خليطًا من التربتين: الطينية والرملية، وهي تتكون من مزيج من الحبيبات الصغيرة والكبيرة، وتعد المواد المتحللة العضوية التي تعيش على سطح الأرض مكونًا رئيسيًّا من مكونات التربة الزراعية، وهي مواد غنية بالمعادن والعناصر اللازمة لنمو النباتات، كما أنها تساعد على تفكك التربة؛ مما يساعدها على أن تحتوي على قدرٍ مِن الهواء اللازم لنمو الجذور.

ويتلوث سطح الأرض بوجه عام؛ نتيجة لتراكم المواد والمُخَلَّفَات الصلبة التي تنجم عن المصانع والتعدين، والمزارع، والخدمات، والمنازل والمطاعم.

واختلاط التربة الزراعية بالملوثات يفقدها خصوبتها؛ حيث تتسبب في قتل البكتريا المسئولة عن تحلل المواد العضوية، وعن تثبيت عنصر النيتروجين.

ومن مظاهر تلوث التربة وفسادها: ارتفاع نسبة الأملاح بها عن المعدل المقبول؛ نتيجة سوء استخدام الأراضي الزراعية، والممارسات الخاطئة في العمليات الزراعية، وبخاصة في الري والصرف، بما يؤثِّر على نمو النبات وتكاثره، بل إن هناك من الملوثات ما يتسبب في تسمم النباتات، مثل: الزئبق، والكادميوم، كما تتلوث التربة الزراعية نتيجة لاستعمال الأسمدة الكيميائية والمبيدات الحشرية، التي تتسبب في قتل البكتريا الموجودة في التربة، وفي تلوث النباتات بالمركبات الكيميائية الداخلة في تكوين المبيدات.

تلوث التربة بالأسمدة الكيميائية:

تتسبب الأسمدة الكيميائية التي يصنعها الإنسان من مركبات كيميائية في تلويث التربة، حيث يلجأ معظم المزارعين إلى الإفراط في تسميد التربة بالأسمدة النيتروجينية وحدها؛ رغبة في زيادة الإنتاجية، ورغم زيادة الإنتاج في السنوات الأولى التي تستعمل فيها هذه الأسمدة؛ إلا أنه تكون هناك حالة مِن عدم الاتزان ببن العناصر الغذائية داخل النبات؛ مما يؤدي إلى تراكم كمياتٍ كبيرةٍ مِن النترات في الأوراق والجذور تتسبب في تغير طعم الخضروات والفاكهة، وتغير ألوانها ورائحتها عن ذي قبل.

وحينما تنتقل المركبات الكيميائية الضارة -خاصة النترات والنتريت- إلى جسم الإنسان عبر السلاسل الغذائية (تسبب نوعًا من فقر الدم عند الأطفال، وسرطان البلعوم والمثانة عند الكبار. وحسب تقرير منظمة الصحة العالمية؛ فالمفترض ألا يزيد ما يدخل جسم الإنسان من النترات عن 15 مليجرامًا لكل كيلو جرام من وزن الجسم يوميًّا، أما النتريت فمن المفروض ألا يزيد المعدل اليومي لكل كيلو جرام من وزن الجسم عن 4 مليجرامات. وقد ثبت من التجارب العلمية: أن النترات تتحول إلى نتريت في الخضروات بفعل الإنزيمات) (راجع: "البيئة: مشاكلها وقضاياها وحمايتها من التلوث" محمد عبد القادر الفقي ط. مكتبة الأسرة - الهيئة المصرية للكتاب - 1999 م - ط. مكتبة ابن سينا، ص 75).

(وثمة مشاكل أخرى تنجم عن استعمال الأسمدة غير العضوية، فقد وجد المهتمون بالزراعة في بريطانيا أن زيادة محصول الفدان الواحد في السنوات الأخيرة لا تتحقق على الرغم من استعمال الأسمدة الكيميائية، وتبيَّن أن السبب في ذلك يعود إلى أن هذه الأسمدة تتسبب في تكوين طبقة غير مسامية في أثناء سقوط المطر، ومِن ثَمَّ لا يتم تصريف مياه الأمطار خلال الفراغات الموجودة بين حبيبات التربة، ويؤثِّر ذلك سلبًا في جذور النباتات، كما تبيَّن أيضا أن هذه الأسمدة تتسبب في عجز النباتات عن امتصاص بعض العناصر الغذائية الأخرى الموجودة في التربة) (المصدر السابق)

تلوث التربة بالمبيدات الحشرية:

تسبب الآفات أضرارًا بالغة للمحاصيل الزراعية نتيجة لتأثيرها على إنتاجية ونوعية المحاصيل المختلفة. والآفة عبارة عن كائن حي يسبب أضرارًا للإنسان وممتلكاته، وتشمل مدى واسعًا من الكائنات الحية، منها: الحشرات والقراد، والفطريات والبكتيريا، والفيروسات، والقوارض والرخويات، والقشريات والطيور، ويكون تصنيفها على حسب مستوى ما تلحقه من أضرار، والآفات موجودة من قديم الزمان، وتعد الحشرات من أخطرها.

وقد استخدم الإنسان أساليب مختلفة لمكافحة الآفات منذ زمنٍ بعيدٍ، ورغم نجاح نظم مكافحة الآفات باستخدام قواعد بيئية وبيولوجية؛ إلا أن نظم المكافحة اتجهت إلى استخدام المبيدات الكيميائية التي تميَّزت بالفاعلية، وبساطة التطبيق، ورخص الثمن وزيادة غلة المحصول المعامل بها بالمقارنة بالوسائل الأخرى غير الكيميائية؛ لذا سرعان ما حَلَّت محل الأساليب الزراعية والأخرى.

وقد ساعد نجاح أسلوب رش المبيدات بواسطة الطائرات في عام 1920 م على التوسع الهائل في استخدام المبيدات الكيميائية في المساحات الشاسعة المزروعة بمناطق مختلفة من العالم، وهناك أنواع شتى من المبيدات الحشرية تختلف في تركيبها الكيميائي، وفي آثارها السامة، كما تختلف في تلويثها للبيئة؛ إضافة إلى تباينها في الخصائص الفيزيائية المميزة لها. ويستهلك العالم أكثر من أربعة ملايين طن من المبيدات الحشرية كل سنة، ورغم ذلك فإن الحشرات ما زالت تقضي على كمية كبيرة من المحاصيل الزراعية قبل نضجها. 

إن التلوث بمبيدات الآفات ظاهرة حديثة لم يعرفها الإنسان إلا في النصف الثاني من القرن العشرين (ويؤدي الإسراف في استخدام هذه المبيدات إلى تلوث التربة الزراعية، فغالبًا ما يتبقى جزءٌ كبيرٌ مِن هذه المبيدات في الأرض الزراعية، وقد تصل نسبته إلى نحو 15 % من كمية المبيد المستعمل.

ولا يزول أثر مثل هذه المبيدات المتبقية في التربة إلا بعد انقضاء مدة طويلة قد تصل إلى أكثر من عشر سنوات، وقد تحمل مياه الأمطار بعض هذه المبيدات من التربة إلى المجاري المائية وتسبب كثيرًا من الأضرار لما بها من كائنات حية)، (وإذا كانت مبيدات الآفات تؤدي دورًا مهمًّا في حياة النبات والأشجار حيث تؤدي إلى تقليل مخاطر الآفات الضارة، مثل: ذباب الفاكهة، ودودة القطن؛ فإن الإفراط في استخدام هذه المبيدات من ناحية، وعدم ترشيد استعمالها أو التوعية بأضرارها من ناحية أخرى يؤدي إلى حدوث آثار جانبية ضارة بالغة على صحة الإنسان والحيوان، وعلى التربة الزراعية نفسها؛ بالإضافة إلى تأثيرها على  النباتات، فالنباتات التي تزرع في التربة الملوثة بمبيدات الآفات تمتص جزءًا من هذه المبيدات وتختزنها في سوقها و أوراقها وثمارها، ثم تنتقل هذه المبيدات بعد ذلك إلى الحيوانات التي تتغذى بهذه النباتات، وتظهر في ألبانها وفي لحومها، وتسبب كثيرًا من الضرر لمن يتناولون لحوم هذه الحيوانات وألبانها) (المصدر السابق، ص134- 135).

وهناك بالطبع عدة عوامل تؤثر بدورها في نسبة درجة تلوث النباتات بالمبيدات، منها:

- نوع المبيد المستخدم: فمن أضرها المبيدات التي تحتوي على الزئبق أو الهيدروكربونات المكلورة، مثل مادة (د.د.ت).

- تركيز المبيد: فكلما كان التركيز عاليًا كانت الآثار الضارة الناتجة أكبر.

- المدة اللازمة لتحلل المبيد: فكلما طالت هذه المدة ازداد الأثر السيئ للمبيد في التربة.

- كيفية استخدام المبيد: سواء كان باستخدام بعض الآلات الميكانيكية أو بالرش عن طريق الطائرات أو التعفير باليد.

تأثير المبيدات على الإنسان:

تسبب المبيدات أضرارًا بالغة الخطورة على صحة الإنسان، يظهر ذلك جليًّا مع المزارعين والعمال المشتغلين بصناعة وتجهيز المبيدات، وعلى القائمين بعمليات الرش، وأيضًا مَن يتعرضون للتسمم بهذه المبيدات. ويتأثر الإنسان بهذه المبيدات بطريقة مباشرة؛ إما عن طريق الملامسة أو عن طريق استنشاق أبخرة هذه المبيدات، وقد يتأثر بها بطريقة غير مباشرة، فهو -أي: الإنسان- يتغذى بالحيوانات والنباتات، وكل ما يتلوث من منتجاتها، مثل: البيض واللبن والزبد، وما إلى ذلك.

(كذلك تبين أن القشدة الناتجة عن عجول تربت في الحقول المعالجة بهذه المبيدات تحتوي على تركيز مرتفع يصل إلى نحو 13 جزءًا في المليون من مبيد (الدايلدرين)، وهي نسبة عالية تنتقل إلى الإنسان عندما يتغذى بهذه الحيوانات ومنتجاتها. وتسبب مبيدات الآفات العديد من الأمراض الخطرة، مثل: السرطان)، (وتمثل مشكلة مخلفات المبيدات في المحاصيل الزراعية تحديًا هائلًا لاستخدام المبيدات الكيميائية. وتوجد هذه المخلفات عادة في الغذاء أو الماء بكميات صغيرة) (راجع المصدر السابق، ص 136 بتصرفٍ).

التأثير في التوازن الطبيعي:

تعيش الكائنات في توازن طبيعي وَفْقًا لناموس كوني إلهي، فلا يزداد تعداد جنس على حساب جنس آخر، ولا يحدث انقراض لنوع معين من الأحياء إلا إذا حدث خلل في هذا التوازن الدقيق، فالحشرات -على سبيل المثال- تعيش مع سائر الحيوانات والنباتات في توازن طبيعي تتحكم فيه، وتسيطر عليه عدة عوامل بيئية، مثل: الحرارة والرطوبة، وتوافر الغذاء، وعوامل حيوية مثل افتراس بعض الحشرات للبعض الآخر، وتطفل بعضها على بعض؛ ولذلك نرى في البيئة الطبيعية -التي لم تتدخل فيها يد الإنسان- أن الحشرات والحيوانات تعيش في توازن طبيعي يحقق معيشة متوازنة لهما معًا، فإذا اختلت الظروف البيئية لأي سبب طارئ أو دائم، وإذا حلت بالمنطقة حشرات جديدة (مفترسة أو متطفلة)، فإن التوازن القائم لا بد أن يختل لصالح نوع أو عدة أنواع منها، فتزداد أو تقل الأعداد عن معدلها الطبيعي، ويكون ذلك في غير صالح الإنسان أو عكس ذلك وفقا لنوع الحشرات المتكاثرة.

وقد تسبب الاستخدام المكثف للمبيدات -بقصد خفض أعداد بعض أنواع الآفات التي زاد عددها- في إدخال عنصر جديد في البيئة الطبيعية للحشرات، ومن المعروف أن استجابة أنواع الحشرات لأي مادة كيميائية ليست متكافئة، وفي أغلب الأحوال يدخل الإنسان المبيد في البيئة دون علم مسبق ومفصل بعواقب هذا التدخل وانعكاساته على الحشرات المختلفة الضارة منها والنافع.

ومن المؤسف أن ينساق الإنسان وراء فلسفة خاطئة للهدف من إدخال المبيدات وهي التخلص من الآفة دون أية اعتبارات أخرى؛ لقد تسبب الإسراف في استخدام المبيدات الحشرية إلى فقدان التوازن الطبيعي القائم بين الآفات وأعدائها الطبيعيين، وقد أدَّى ذلك إلى زيادة كبيرة وغير متوقعة في بعض أنواع الآفات.

ومن أمثلة ذلك: انتشار العنكبوت الأحمر، ودودة اللوز في مصر في أعقاب استخدام بعض المبيدات الحشرية بإسرافٍ شديدٍ، وبطريقة غير محسوبة، ولم تكن هذه الآفات مصدر خطر للنباتات فيما مضى، ولكن قتل المبيدات لأعدائها الطبيعيين ترك لها حرية التكاثر وأطلق لها العنان؛ كذلك أدَّى الإسراف في استخدام المبيدات الحشرية إلى القضاء تقريبًا على الحدأة المصرية التي أصبحت نادرة الوجود في الريف، كما أثر استخدامها على وجود الغراب، وأبي قردان، والثعلب، والنمس، والذئب، وأصبحت هذه الحيوانات مهددة بالانقراض، كما أدَّى استعمال مركب الـ(د.د.ت) في مصر إلى ظهور المن والعنكبوت الأحمر بكثرة على الذرة؛ نتيجة للخلل الذي أحدثه هذا المبيد في التوازن الطبيعي بين الآفات) (راجع المصدر السابق، ص141 - 142).

مكافحة التلوث بالأسمدة الكيميائية والمبيدات الحشرية:

أصبح من الضروري التصدي للأضرار البالغة التي تسببها الأسمدة الكيميائية والمبيدات الحشرية؛ خاصة في ظل الإسراف في استخدامها، ونقص الوعي المطلوب لهذا الاستخدام، مع انتشار الأمية، وقلة الإرشاد والتوجيه الجاد والفعَّال للفلاحين والمزارعين على مستوى الجمهورية ككل.

إن أعدادا غير قليلة من الفلاحين والمزارعين والعاملين في مجال الرش أو التعفير بالمبيدات الحشرية يتعرضون للتسمم كل عام؛ ناهيك عن الـتأثيرات المباشرة وغير المباشرة على التربة والمجاري المائية والنباتات والحيوانات والإنسان بما فيها مرض السرطان القاتل.

ومن صور المكافحة المطلوبة في هذا الشأن:

- ترشيد وتقليل استعمال الأسمدة الكيميائية، والعودة بقدر الإمكان لاستخدام الأسمدة العضوية.

- ترشيد وتقليل استخدام المبيدات الحشرية الكيميائية، والعودة بقدر الإمكان لصور مكافحة الآفات والحشرات الطبيعية أو غير الضارة، وقد توصل العلم الحديث إلى العديد من الطرق والأساليب لمكافحة الحشرات دون الإضرار بالبيئة أو الإخلال بالتوازن الطبيعي فيها.

- الاهتمام بالإرشاد والتوجيه الزراعي، وتوريد أقل الأسمدة الكيميائية والمبيدات الحشرية ضررًا، وبيان كيفية وطرق استخدامها على النحو الذي لا يتسبب في حدوث أضرارٍ منها، والمراقبة الشديدة والفعالة لكل ذلك، وللأسف فقد شهدت مصر في عهد مبارك قضية توريد أسمدة ومبيدات معروف عنها أنها شديدة الضرر وتسبب الإصابة بالسرطان، وقد اتهمت فيها قيادات في وزارة الزراعة.

وللأسف تعاني مصر حاليًا من نقص شديد في المرشدين الزراعيين الحكوميين في ظل وقف التعيينات في الحكومة منذ سنواتٍ طويلةٍ، وخروج الكثيرين منهم إلى المعاش فلم يبقَ منهم إلا أعداد قليلة نسبيًّا لا تفي بالمطلوب منها -خاصة مع كبر أعمارهم- في مواجهة عشرات الملايين من الفلاحين والمزارعين الذين يحتاجون وبشدة للإرشاد والتوجيه في مجال الزراعة عامة، وفي استخدام الأسمدة الكيميائية والمبيدات الحشرية خاصة، وهي صورة من صور الظلم الذي يتعرض له الفلاح والمزارع في بلادنا.

- الاستفادة الجادة والقصوى أولًا بأول من دراسات وجهود مراكز البحوث الزراعية، من خلال الأخذ بنتائج أبحاث وتجارب الباحثين العاملين فيها، وتعميم وتفعيل ما تقدمه هذه المراكز وهؤلاء الباحثون من حلول وعلاجات حديثة لمشكلاتنا الزراعية، وما يعرضونه من مقترحات مبنية على أسس ودراسات وتجارب علمية نحن في أمس الحاجة إليها للنهوض بالزراعة، وإزالة المعوقات أمام هذا النهوض حتى تتمكن الزراعة بالقيام بدورها في النهوض بالاقتصاد في مصر.

الأسمدة العضوية:

هي الأسمدة الناتجة من مُخَلَّفَات الحيوانات والطيور والإنسان، ومن الثابت علميًّا: أن هذه الأسمدة العضوية تزيد من قدرة التربة على الاحتفاظ بها، ولا تنتج عنها مشكلات بيئية -اللهم إلا إذا احتوت هذه المخلفات على ملوثات كيميائية-، وهو أمر نادر الحدوث.

المكافحة البيولوجية للآفات:

(يسعى العلماء جادين إلى استنباط سبل تخفف من الآثار الضارة لمبيدات الآفات، ومن بين الوسائل التي يجري التركيز عليها في السنوات الأخيرة: المكافحة البيولوجية.

ويقصد بالمكافحة البيولوجية: استعمال كائنات حية في سبيل خفض نسبة الإضرار التي تسببها أحياء أخرى ضارة بالإنسان أو المزروعات أو الماشية أو إزالة هذه الأضرار تمامًا.

وتجدر الإشارة إلى أن هدف المكافحة البيولوجية لا يكون إزالة نوع معين إزالة كاملة، بل جعله يصل إلى مستوى عددي تصبح معه الأضرار التي يحدثها غير ذات بال على الصعيد الاقتصادي. وترتكز المقاومة البيولوجية في الغالب على استعمال الحشرات المفترسة أو الطفيلية للحد من انتشار الأنواع الضارة).

(وقد حققت المكافحة البيولوجية أكثر من حالة نجاح كامل في مختلف أرجاء العالم، ففي أمريكا الشمالية عمدت مراكز الأبحاث الزراعية إلى استيراد طفيليات تتغذى على الحشرات الضارة وتبيدها، وبذلك أمكن توفير عشرات الملايين من الدولارات التي تنفق على رش المبيدات الكيميائية، فخنافس أوراق نباتات الحبوب وسوس أوراق البرسيم أمكن التحكم فيها والحد من أضرارها عن طريق استيراد حشرة طفيلية من إيطاليا وفرنسا، وبعض البلدان الأوروبية الأخرى تأكل تلك الحشرات الضارة وتفنيها. وهذه الطفيليات تبيد بيض الحشرات الضارة وتأكل يرقاتها) (المصدر السابق، ص 143 بتصرفٍ يسيرٍ).

وفي مجال استخدام أنواع من البكتريا والفيروسات في المكافحة البيولوجية وجد (أن بعض أنواع البكتريا يؤخر الإصابة بمرض العفن في ثمار الفاكهة ذات النواة (كالخوخ والمشمش).

ومثل هذه الأنواع أسلم وأكثر تأثيرًا من المبيدات الكيميائية، ولا يستبعد في وقتٍ ما في المستقبل أن تجد هذه البكتريا سوقًا رائجة بين سائر المبيدات الحشرية الأخرى، فهناك نوع من البكتريا ينشط في الهواء وينتج مادة بلورية شبيهة بالبروتين، هي غير ضارة بالإنسان والحيوان والنبات والطيور والحشرات النافعة، ولكنها ذات تأثير بالغ في مجموعة كبيرة من الديدان الضارة، فالمادة التي تنتجها هذه البكتيريا تتسبب في تقرح أمعاء الديدان، وهو أمر يجعلها تفقد شهيتها للأكل ومِن ثَمَّ تمرض وتهلك.

وفي عالم الفيروسات المجهرية النافعة تم التعرف على بعض الأنواع التي يمكن استخدامها في المكافحة البيولوجية للآفات، وعندما تأكل الحشرة الضارة هذه الفيروسات تتضاعف الفيروسات وتنتقل في جسم الحشرة حاملة معها الموت، وبعد موت الحشرة الضارة تنتشر تلك الفيروسات كحبوب صغيرة مميتة تنتظر فرائسها، ولا تستطيع الحشرات الضارة أن تبني لها نظام مناعة ضد تلك الفيروسات كما هو الحال عند رشها بالمبيدات الكيميائية، وهكذا تظل الأجيال التالية من الحشرات الضارة هدفًا لهذه الفيروسات الفتاكة) (المصدر السابق، ص 143-144).

وقد تم أيضًا (استنباط عدة وسائل أخرى لمقاومة الآفات كبديل للمبيدات الكيميائية، من ذلك: استخدام (أشعة جاما) المتولدة من الكوبالت المشع لإحداث عقم لذكور الحشرات الضارة، وهو أمر يؤدي على إنتاج بيض غير مخصب، ومِن ثَمَّ يتسبب في انقراض تلك السلالات من الحشرات، وقد استخدمت هذه الطريقة لإحداث العقم في ذكور حشرات ذبابة الفاكهة والذبابة الحلزونية) (المصدر السابق).