الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الثلاثاء 29 يونيو 2021 - 19 ذو القعدة 1442هـ

معجزات النبي -صلى الله عليه وسلم- (12) معجزاته -صلى الله عليه وسلم- المتعلقة بالأمور الغيبية

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

مقدمة: لا يعلم الغيب إلا الله:

- الغيب اختص الله به نفسه: قال -تعالى-: (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ) (الأنعام: 59)، (قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) (النمل: 65).

- الأنبياء -عليهم السلام- لا يعلمون الغيب، ولكن يطلعهم الله على ما يشاء تأييدًا لهم في مواجهة المكذبين وتثبيت المتبعين: قال -تعالى-: (قُل لَّا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ) (الأنعام: 50)، وقال -تعالى-: (وَمَا كَانَ اللَّهُ ‌لِيُطْلِعَكُمْ ‌عَلَى ‌الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (آل عمران: 179)، وقالت أم المؤمنين عائشة -رضى الله عنها-: "ومَن حَدَّثَكَ أنَّه يَعْلَمُ ما في غَدٍ فقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ: (وَما تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا)" (رواه البخاري)، وقال -تعالى-: (قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (الأعراف: 188).

- وقد وصل من تأييد الله له -صلى الله عليه وسلم- بآيات إخباره بالغيب، ما جعل بعضهم يقول لبعضهم: "اسْكُتْ، فَوَاللَّهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَنْ يُخْبِرُهُ لَأَخْبَرَتْهُ حِجَارَةُ الْبَطْحَاءِ" (الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض)، وقال ابن عمر -رضى الله عنه-: "كُنَّا نَتَّقِي الكَلَامَ والِانْبِسَاطَ إلى نِسَائِنَا علَى عَهْدِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، هَيْبَةَ أنْ يَنْزِلَ فِينَا شيءٌ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- تَكَلَّمْنَا وانْبَسَطْنَا" (رواه البخاري).

- معجزاته -صلى الله عليه وسلم- في هذا الباب هي أكثر أنواع معجزاته -صلى الله عليه وسلم- عددًا، لا نستطيع حصرها ولكن سنقف على صور منها.

(1) إخباره -صلى الله عليه وسلم- بالفتوحات الإسلامية:

- كان -صلى الله عليه وسلم- يخبرهم بالفتوحات في الوقت الذي كانوا فيه مستضعفين في مكة، أو محاصرين في المدينة، يعيشون في خوف مستمر من اجتياح الأعداء: قال -صلى الله عليه وسلم-: (واللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هذا الأمْرُ، حتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِن صَنْعاءَ إلى حَضْرَمَوْتَ، لا يَخافُ إلَّا اللَّهَ، والذِّئْبَ علَى غَنَمِهِ، ولَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ) (رواه البخاري).

- كان يخبرهم أن الإسلام سوف يتعدى حدود الجزيرة العربية، وأنه سيعصف بالدول الكبرى في ذلك الوقت: قال -صلى الله عليه وسلم-: (تَغْزُونَ جَزِيرَةَ العَرَبِ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ، ثُمَّ فَارِسَ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ، ثُمَّ تَغْزُونَ الرُّومَ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ، ثُمَّ تَغْزُونَ الدَّجَّالَ فَيَفْتَحُهُ اللَّهُ) (رواه مسلم)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ اللَّهَ زَوَى لي الأرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشارِقَها ومَغارِبَها، وإنَّ أُمَّتي سَيَبْلُغُ مُلْكُها ما زُوِيَ لي مِنْها) (رواه مسلم).

- وبشَّر أصحابه -صلى الله عليه وسلم- بفتح القسطنطينية عاصمة الدولة الرومانية الشرقية، كما أخبرهم بفتح روما -قصر الفاتيكان الآن-: عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما-، قال: بَيْنَمَا نَحْنُ حَوْلَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- نَكْتُبُ، إِذْ سُئِلَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: أَيُّ الْمَدِينَتَيْنِ تُفْتَحُ أَوَّلًا: قُسْطَنْطِينِيَّةُ أَوْ رُومِيَّةُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (مَدِينَةُ هِرَقْلَ تُفْتَحُ أَوَّلًا)، يَعْنِي: (قُسْطَنْطِينِيَّةَ) (رواه أحمد والحاكم في المستدرك، وصححه الألباني).

(2) إخباره -صلى الله عليه وسلم- عن فتنة الخوارج:

- أخبرنا -صلى الله عليه وسلم- عن خروج أقوام في آخر الزمان، لهم دور كبير في فرقة الأمة الإسلامية: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (سَيَخْرُجُ قَوْمٌ في آخِرِ الزَّمانِ، أحْداثُ الأسْنانِ، سُفَهاءُ الأحْلامِ، يقولونَ مِن خَيْرِ قَوْلِ البَرِيَّةِ، لا يُجاوِزُ إيمانُهُمْ حَناجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ، كما يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فأيْنَما لَقِيتُمُوهُمْ فاقْتُلُوهُمْ، فإنَّ في قَتْلِهِمْ أجْرًا لِمَن قَتَلَهُمْ يَومَ القِيامَةِ) (متفق عليه). ولفظ: (يقرأونَ القرآنَ لا يُجاوزُ تَرَاقِيَهُمْ) للترمذي.

- ولقد خرجت هذه الفرقة في عهد علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، فكفَّروا الصحابة، واستباحوا دماء المسلمين، وأحدثوا في الأمة بلاء كبيرًا(1): عن أبى سعيد الخدري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (آيَتُهُمْ رَجُلٌ أَسْوَدُ، إحْدَى عَضُدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ المَرْأَةِ، أَوْ مِثْلُ البَضْعَةِ تَدَرْدَرُ، ويَخْرُجُونَ علَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ، قالَ أَبُو سَعِيدٍ: فأشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ هذا الحَدِيثَ مِن رَسولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، وأَشْهَدُ أنَّ عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ قَاتَلَهُمْ وأَنَا معهُ) (متفق عليه).

(3) إخباره بتداعي الأمم على الأمة الإسلامية:

وقد وقع هذا عبر التاريخ أكثر من مرة، ولكن هذه النبوءة تحققت في القرن الأخير بصورة أوضح، فقد قسَّمت الأمة إلى دويلات متناحرة ذليلة خاضعة لهذه الأمم الكافرة: قال -صلى الله عليه وسلم-: عن ثوبان، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا)، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: (بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ)، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: (حُبُّ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني).

(4) إخباره -صلى الله عليه وسلم- باختلال المقاييس:

- مَن تأمل في أحوال عالمنا اليوم وجد أننا نعيش في هذا العصر الذي أخبر عنه -صلى الله عليه وسلم-، فالكذبة من الكفار والمشركين والمنافقين الذين يملكون وكالات الأنباء والإذاعات، ووسائل الإعلام يصدقون، وأهل الصدق والعدل يكذبون، وأموال الأمة الإسلامية في بنوك الخونة الكفرة، وقد تكلم في شئون العالم التافهون من الرجال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (سيَأتي علَى النَّاسِ سنواتٌ خدَّاعاتُ يصدَّقُ فيها الكاذِبُ، ويُكَذَّبُ فيها الصَّادِقُ، ويُؤتَمنُ فيها الخائنُ، ويُخوَّنُ فيها الأمينُ، وينطِقُ فيها الرُّوَيْبضةُ) قيلَ: وما الرُّوَيْبضةُ؟ قالَ: (الرَّجلُ التَّافِهُ في أمرِ العامَّةِ) (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني).

(5) إخباره -صلى الله عليه وسلم- عن شرطة آخر الزمان، وانتشار التبرج:

- يكثر الظلم في آخر الزمان، حتى إن الرجال الذين يوكل إليهم القيام على الأمن وردع الظلمين يفسدون، فإذا بهم يتحولون إلى ظلمة يجلدون ظهور العباد بسياطهم، وكذلك العري والتبرج يكثر وينتشر، وقد ظهر كل ذلك، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (صِنفانِ مِن أهلِ النَّارِ لم أرَهما: قومٌ بأيديهم سياطٌ كأذنابِ البَقَرِ يضرِبون النَّاسَ، ونساءٌ كاسياتٌ عاريَاتٌ مائِلاتٌ مُميلاتٌ كأسنِمةِ البُخْتِ المائلةِ، لا يدخُلْنَ الجَنَّةَ ولا يجِدْنَ ريحَها، وإنَّ ريحَها لَيوجَدُ مِن كذا وكذا) (رواه مسلم).

خاتمة:

- إثبات المعجزات والكلام عنها يزيد المؤمنين إيمانًا وتصديقًا: (رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) (آل عمران: 53)، وقال -تعالى-: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ . وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ . أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (البقرة: 3-5).

فاللهم اجمعنا بخير صحبة، محمد وصحبه، وثبتنا على الإيمان حتى نلقاهم.

والحمد لله رب العالمين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) إذ يدَّعي هؤلاء العلم، ويجهدون أنفسهم في العبادة، ويدعون إلى كتاب الله، ولكنهم جهلاء؛ أحكامهم جائرة، وآراؤهم قاصرة، يسفكون دماء مخالفيهم من المسلمين، ويجهِّلون الصحابة والعلماء.