الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الخميس 25 أبريل 2019 - 20 شعبان 1440هـ

مشروعية الاستمرار في العمل السياسي

كتبه/ عبد المنعم الشحات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

المشايخ الفضلاء والإخوة الكرام الذين كانوا يرون معنا عدم جدوى العمل السياسي قبل "25 يناير"، ثم تغيَّر اجتهادُهم بعدها "وتحديدًا في استفتاء 19 مارس وما بعده"، ثم تغير اجتهادهم ثانية وعادوا لاجتهادهم الأول، والآن يسألون عن سبب تراجعنا عن موقفنا القديم؟!

وهذا السؤال لنا عليه عدة ملاحظات:

الأولى: أنه سؤال متأخر جدًّا؛ تأخر لعدة سنوات.

الثانية: أننا بالفعل أجبنا عليه في عدة مقالات لأكثر مِن شخص من الدعوة السلفية يمكن الحصول عليها بسهولة، ودُونت في أحدث طبعات "بحث السلفية ومناهج التغيير" للشيخ ياسر برهامي.

الثالثة -وهي الأهم-: أن هذا السؤال موجَّه إليكم، بل ربما يكون موجهًا إلى كثيرٍ منكم بدرجةٍ أكبر بكثيرٍ مما يُوجَّه إلينا؛ لأننا كنا نثبت الخلاف في المسألة، ونعلِّقها على المصالح والمفاسد إذا انضبطت بضوابط معينة، بينما كان كثير مِن حضراتكم لا يرى الخلاف فيها، ثم إننا لما رأينا مشروعيتها لم نغالِ في تلك المشروعية بينما غالى بعض حضراتكم فيها، ولا داعي لذكر أمثلة.

وعلى أيٍّ؛ فملخص إجابتنا:

أن العمل السياسي صار بعد 25 يناير مِن الأهمية بمكان في ظل أجواء ما بعد الثورات وما فيها مِن كتابة وتعديل الدساتير التي تحدد شكل بلادنا، وموقفها من الشريعة، وأننا بحكم فهمنا لموقع قضية الحكم بما أنزل الله نرى أن وجود الأساس النظري الذي يلزم مؤسسات الدولة بعدم مخالفة الشريعة في غاية الأهمية حتى وإن حدث تراخٍ أو تقصير في ترجمته التفصيلية.

ونرى أهمية تثبيت هذه القضية في وجدان الشعب، وبالتالي التصدي لديكتاتورية الأقلية العالمانية التي تحاول الانفراد بالساحة السياسية؛ بالإضافة إلى سيرتها على الساحة الإعلامية؛ لا سيما وقد استطعنا -بفضل الله- أن نخوض العملية السياسية بمعطياتٍ جديدةٍ تفادينا فيها الأخطاء المنهجية التي كان يُقال: "إنه لا عمل سياسي إلا بها!"؛ فتم تفكيك مصطلح: "الديموقراطية" بدلًا مِن القبول به على إطلاقه، وتم تقديم نموذج للمرونة في التعايش مع الجميع بلا تغيير في المناهج، ولا وصف للخلاف بين المسلمين وغيرهم بأنه خلاف غير عقدي، أو التلميح -بل التصريح- بعدم كفر الملل المخالفة لدين الإسلام.

وباختصارٍ: زادت الدوافع جدًّا، وطالبنا الجميعَ بسرعة النزول إلى الساحة السياسية (ومنهم بعض مَن يطالبنا اليوم بالانسحاب)؛ فلما زادت الدوافع توكلنا على الله، وخضنا التجربة ونصب أعيننا محاذير معينة، وفقنا الله إلى تفاديها.

ويبقى أن هناك سؤالًا آخر وهو:

لماذا لم تعودوا إلى المنع وقد عادت الدنيا إلى ما كانت عليه؟! وهذا سؤال كاشف وفارق، وهو مرتبط أشد الارتباط بالسؤال الأول.

وببساطة إجابته: أننا مع كل الأحداث التي مَرَّت بنا منذ 25 يناير ما زلنا نعيش نفس الموقف؛ العالمانيون يحاولون أن يتصدروا المشهد وأن يجعلوا شعارهم في كل شيءٍ هو: "العالمانية هي الحل!"، وجولة تعديلات دستور 2019م تؤكد هذا؛ فهناك مَن قدَّم مقترحًا دستوريًّا أدرج فيه كلمة: "مدنية الدولة"، وصرَّح بأنه لا يريد منها العالمانية، والعالمانيون يدفعون بقوةٍ في اتجاه القبول في صمتٍ حتى اعترض "حزب النور"، وجاء الاقتراح مِن "رئيس البرلمان" مِن التصويت على تفسيرٍ مُرضٍ لكلمة "مدنية" يعيدها إلى معناها اللغوي المقبول، وليس إلى معناها الاصطلاحي الذي نحته كثيرٌ مِن العلمانيين؛ فإذا بدعاة العالمانية في البرلمان "وفي الإعلام" يثورون، ويقولون: "وما لها العالمانية؟!".

وفي النهاية: صوَّت النواب على لاءات ثلاث: "لا للدولة العالمانية - لا للدولة العسكرية - لا للدولة الدينية الثيوقراطية".

ويجدر هنا أن نبيِّن: أن إصرار "نواب النور" على توضيح أن المراد بالنفي الدولة الثيوقراطية ليس مسألة ترجمة، وإنما مسألة اصطلاح لبيان أن المنفي هي الدولة الدينية التي يحكم فيها الحاكم بالحق الإلهي، وهو ما تم تأكيده مِن الجميع بالتأكيد على مرجعية الشريعة كمصدرٍ للتشريع، ومرجعية الأزهر في فهم الشريعة.

وفي النهاية: فإجابتنا على: لماذا أنتم مستمرون الآن؟ في غاية الوضوح أن المسوغات ما زالت قائمة، وضرورية وملحة.

وليسمح لنا هؤلاء الإخوة الكرام بأن نسألهم نحن: تقولون: إنكم غيرتم للمرة الثانية؛ لأن الظروف قد تبدلت؛

فما هي الظروف التي تبدلت؟!

- يجيب البعض: أنهم شاركوا في ظل وجود رئيس إسلامي، والآن عاد الأمر إلى ما كان عليه!

والإجابة: أن هذه مغالطة مِن عدة اتجاهات:

الأول: أن الدول تُقاس بدساتيرها، وليس بالانتماء الفكري لرئيسها.

الثاني: أن جماعة الإخوان لها تأويلات وتصريحات لا تختلف عن سياسي قومي، بل ربما ليبرالي؛ فلا يكاد يوجد فرق في هذا الجانب.

الثالث: وهو الأهم أن حضراتكم اشتركتم بالفعل في استفتاء 19 مارس في فترة حكم المجلس العسكري، وبالتالي لا يصح التعليل بهذه العلة.

- وقد يعلل البعض بتغير الأجواء الانتخابية وضماناتها، وكنت أتمنى أن يضع هؤلاء أقوالهم الثلاثة (ما قبل 25 يناير - ما بين 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013 - ما بعد 30 يونيو) في سياقٍ واحدٍ، وأن ينتبهوا إلى حقيقة ما يقولون، وكيف كانوا يمنعون منعًا باتًّا مبنيًّا على أمورٍ عقديةٍ؟!

وكيف رأوا المشاركة، وبعضهم علل بما عللنا به، وبعضهم اكتفى بتعليلنا؟

ولكن الأهم: أن يضعوا كلامهم الآن... ويرون: هل هو منضبط مع الفترتين السابقتين أم لا؟! لأن كلامهم اليوم لا يكاد يستقيم إلا على مذهب مَن يرى العمل السياسي، ولكنه يشترط له ضمانات تطبيقية، وهذا مما لا يتفق مع واقعهم قبل 25 يناير، أو على مذهب مَن لا يرى العمل السياسي بالكلية وهو ما لا ينطبق على حالهم في الفترة بين 25 يناير و30 يونيو.

أظن لو وُضعت الأمور على هذا النحو؛ فسيكون الكثير ممَن ينتقدنا هو المطالب بمراجعة: هل مواقفه الثلاثة في السنوات الثمانية الماضية منسجمة مع نفسها ومع منهجه؟!

أم أنه يحتاج إلى وقفةٍ مع نفسه يُراجع فيها حساباته؟!