الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الثلاثاء 27 نوفمبر 2018 - 19 ربيع الأول 1440هـ

عِبر مِن قصص الأنبياء (14)

كتبه/ أسامة شحادة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

ب- إسحاق -عليه السلام-:

لا نجد في القرآن الكريم أو صحيح السُّنة النبوية تفاصيل كثيرة عن إسحاق -عليه السلام- وحياته، ومِن القليل الوارد وصْف الله -عز وجل- له بأنه عليم، قال -تعالى-: (وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ . إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ . قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ . قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ . قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ . قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) (الحجر:51-56).

فوصَف ربنا -سبحانه وتعالى- إسحاق بأنه غلام عليم، وكان -سبحانه- قد وصف أخاه الأكبر الذبيح إسماعيل -عليهما الصلاة والسلام- بأنه حليم في قوله -تعالى-: (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ . فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ) (الصافات:100-101).

وهذه الصفات ظاهرة في قصة كلٍّ منهما، فإن إسماعيل -عليه السلام- تعرض لامتحان الذبح، وصبر وحلم ورضي بأمر الله -عز وجل-، وإسحاق عاش وكبر وأصبح عالمًا ونبيًّا مِن الصالحين، وإمامًا للناس.

ومما ذكره الله -عز وجل- في القرآن الكريم عن إسحاق -عليه السلام- أنه على منهج الأنبياء مِن قبله وبعده على دين التوحيد، قال -تعالى-: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا) (النساء:163)، فدِين الإسلام وعقيدة التوحيد يشترك فيهما جميع الأنبياء وعرفتهما كل الأمم السابقة؛ إذ كل أنواع وصور الشرك والكفر التي عرفتها البشرية هي انحراف عن منهج الأنبياء واتّباع شريعة الرحمن، والتي هي أصل الفطرة الإنسانية.

ووحدة العقيدة وأصول الشريعة بيْن الأنبياء بيّنها الله -عز وجل- فيما أخبرنا به عن إسحاق -عليه السلام-، فقال -تعالى-: (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ . وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) (الأنبياء:72-73)، ولهذا أنكر الله -عز وجل- دعوى نسبة الأنبياء لأديان محرفة، فقال -جلَّ وعلا-: (أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ) (البقرة:140).

ومِن العِبر في قصة إسحاق -عليه السلام- أن النسب الكريم لا يغني عن الإيمان والعمل الصالح؛ لقوله -تعالى-: (وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ . وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ) (الصافات:112-113)، وفي هذا رد صريح على مزاعم اليهود بأنهم أحبّاء الله وشعبه المختار بناءً على انتسابهم ليعقوب وإسحاق فقط!