الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأحد 25 نوفمبر 2018 - 17 ربيع الأول 1440هـ

المؤثرات الخارجية وتأثيرها على النفس (2)

زيد بن علي بن الحسين أُنموذجًا

كتبه/ زين العابدين كامل

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد تحدثنا في المقال السابق عن زيد بن علي -رضي الله عنه-، وعن مولده وتكوينه العلمي والثقافي، وذكرنا ثناء العلماء عليه، وتحدثنا عن تأثره بالواقع مِن حوله رغم غزارة علمه، حتى قرر الخروج على هشام بن عبد الملك، وذلك بعد أن بايعه عددٌ كبيرٌ مِن أهل الكوفة.

وقد نصحه عددٌ كبيرٌ مِن المقربين له بعدم الخروج إلى العراق، لكنه رفض وأبى، وفي المقابل: اشترك عددٌ مِن أهل الفضل في ثورة زيد. وقيل: إن أبا حنيفة -رحمه الله- كان يحرِّض على الخروج، فعن عبد الله بن مالك بن سليمان قال: "أرسل زيد إليه يدعوه إلى البيعة، فقال: لو علمتُ أن الناس لا يخذلونه كما خذلوا أباه لجاهدتُ معه؛ لأنه إمام حق، ولكني أعينه بمالي"، فبعث إليه بعشرة آلاف درهم، وقال للرسول: "أبسط عذري عنده". وفي رواية: اعتذر إليه بمرض يعتريه. ولا مانع مِن الجمع بيْن الروايتين.   

وقد سٌئل عن خروجه فقال: "ضاهى خروج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم بدر. فقيل له: لمَ تخلفتَ؟! قال: حبسني عنه ودائع الناس، عرضتها على ابن أبي ليلى فلم يقبل، فخفت أن أموت مجهلًا"، وكان كلما ذكر خروجه بكى.

وكذا منصور بن المعتمر، فقد ورد أنه كان يحرِّض على الخروج مع زيدٍ، فعن عقبة بن إسحاق قال: "كان منصور بن المعتمر يأتي زبيد بن الحارث، فكان يذكر له أهل البيت ويعصر عينيه يريده على الخروج أيام زيد بن علي".

وبالفعل أمر زيد أصحابه بالاستعداد للخروج، وأخذ مَن كان يريد الوفاء له بالبيعة يتجهزّ، ووصل الأمر إلى والي العراق يوسف بن عمر، فاستنفر أجهزة الدولة للقضاء على زيدٍ، وعندما خرج زيد بن علي بن الحسين على هشام بن عبد الملك، أظهر بعض مَن كان في جيشه مِن الشيعة الطعن على أبي بكر وعمر فمنعهم مِن ذلك وأنكر عليهم فرفضوه، فسموا بالرافضة، وسميت الطائفة الباقية معه بالزيدية، وهكذا انفض مِن حوله عددٌ كبيرٌ مِن جيشه.

وقد عزم زيد على الخروج بمَن بقي معه مِن أصحابه، فواعدهم ليلة الأربعاء مِن مستهل صفر عام  (122 هـ - 741م)، ولما طلع فجر ذلك اليوم اجتمع معه مائتان وثمانية عشر رجلًا، فجعل زيد يقول: "سبحان الله! أين الناس؟!"؛ لقد انسحبوا وتركوه يواجه مصيره -رضي الله عنه-. 

والتقى الطرفان وانتصر زيد في بداية الأمر، ثم عبأ يوسف بن عمر جيشه، ثم أصبحوا فالتقوا مع زيدٍ واقتتلوا قتالًا شديدًا جدًّا، حتى كان جنح الليل رٌمي زيد بسهمٍ فأصاب جانب جبهته اليسرى، فوصل إلى دماغه، فرجع ورجع أصحابه، وأٌدخل زيد في دار وجيء بطبيبٍ فانتزع ذلك السهم مِن جبهته، فما عدا أن انتزعه حتى مات مِن ساعته -رحمه الله-، فدفنوه في ساقية ماء وجعلوا على قبره التراب والحشيش، خوفًا مِن أن يمثِّل الوالي الأموي بجثته، ولكن تم الوصول إلى قبره فنبشوا قبره وصٌلب جثمانه، وهكذا انتهتْ ثورة زيد بن علي سريعًا كما بدأت سريعًا.