الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأحد 22 يوليه 2007 - 8 رجب 1428هـ

عندما غازلتني الفتاة

كتبه/ ياسر عبد التواب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فجرس هاتفي النقَّال يرن بهدوء كعادته،

فنظرت إلى شاشته مستغربًا أن يتصل بي أحد في هذا الوقت.. الأرقام تشير إلى رقم خارجي من دولة مجاورة..

رددت متشوفًا: السلام عليكم.

فجاءني صوتها بعد لحظات صمت حالمًا نائمًا: آلو...

قلت: نعم.. وساءلت نفسي: هل هي ممن يتصلون أثناء النوم أم ماذا بها؟!

قالت: حَمَد؟

حَمَد من؟ قلتها مستغربًا.

قالت: من أنتِ؟ وأعقبتها بزفرة حرى.

قلت: بل من أنتِ؟! فأنت من اتصل.. لا يزال بي بعض الصبر؛ احترامًا لاتصالها الخارجي.

صمَتَتْ قليلاً.. وأفهمتني أنها تريد التعرف علي.

قلت: وما دفعك إلى الاتصال بي يا بنيتي؟ فربما أكون في سن والدك، وربما أسيء إليك، وربما...

أغلقت الهاتف في وجهي.. وظَلَلْتُ دقائق واجمًا أسترجع الموقف، وأستغرب السلوك.

قال لي أحد أصدقائي: تلك الموضة الجديدة التي يسلكها أولئك في المعاكسات؛ حيث يأمنون من اللوم إن اتصلوا برقم داخلي، وربما يَكُنَّ من محترفات الانحراف، ويبحثن عن زبائن خارجيين...

كنت أظن أن الفتيات صِرْنَ أعقلَ من هذا!

ما الذي يدفع الفتاة أن تتصل برجل غريب؟ ماذا ستجني من ذلك إلا الحسرات والهموم والفضائح؟

ألم تتوقع ممن تعاكسه أن يكون شخصًا مستقيمًا ينهرها ويلومها، أو منحرفًا ينتهزها فرصة فيسيء إليها، وربما سجل كلامها الذي تطلقه للعبث والمرح والمتعة، فإذا بالسحر ينقلب على الساحر كما يقولون، وتفجؤها النتائج المروعة، وأخيرًا قد يكون الفتى بريئًا فتفسده وتبوء بذنب إفساده ومعاونته على الباطل.

ومثل هذا يقال في حق الفتيات أيضًا، كم أساء إليها معاكس ضائع! ما كانت لترضاه خطيبًا إن تقدم لها بالطريق الواضح، لكنه يفلح في الإساءة إليها؛ لأنها منحته الفرصة، وأصغت لأكاذيبه، ولم تغلق الطريق عليه لما استبانت هدفه.

كم من فتاة كان سبب انحرافها مكالمة تلقتها من ذئب بشري أصغت له سمْعَها، فصب فيها من معسول كلامه، وجميل غَزَله ما صدقته به المسكينة، فتطور الأمر معها فأحبته.. وهو لا يشعر بها!

فإما يهددها بما سجله لها من كلام الغزل، وإما يُغويها لمقابلته فيقع ما لا تحمد عقباه.

وأنا أحذر الفتيات تحذيرًا شديدًا، فإن مكر أولئك الصنف من الرجال عظيم لا قِبَلَ لهنَّ به، ومكر الرجل أشد سوءًا من كيد المرأة، فالله -تعالى- قال في مكر الكافرين: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (لأنفال:30).

فالمكر الرجالي جادُّ قاسٍ.. فاحذرنه!

خذي العبرة من إحدى قصص الفتيات:

تقول إحدى المعاكسات: "كانت البداية مكالمة هاتفية عفوية.. تطورت إلى قصة حب وهمية.. أوهمني أنه يحبني وسيتقدم لخطبتي.. طلب رؤيتي.. رفضت هددني بالهجر! بقطع العلاقة! ضعفت.. أرسلت له صورتي مع رسالة معطرة!! توالت الرسائل.. طلب مني أن أخرج معه.. رفضت بشدة.. هددني بالصور، بالرسائل المعطرة بصوتي في الهاتف -وقد كان يسجل- خرجـت معـه علـى أن أعـود في أسرع وقت ممكن.. لقد عدت ولكن عدت وأنا أحمل العار.. قلت له: الزواج.. الفضيحة.. قال لي -بكـل احتقـار وسخـرية-: إني لا أتزوج فاجرة! يا للحسرة والخزي والندامة".

إنها قصة من عشرات القصص.. ولو توقفت الفتاة عند أي حد من تلك القصة؛ لاستدركت خطأها، ولو وضعت الأمر بين يدي عاقل من أهلها، أو حتى من الثقات من الدعاة؛ لعالجها بأفضل حل ممكن، لكنها -مع الأسف- تمضي في الطريق إلى نهايته، ولا تستشير أحدًا، فإما أن تنتحر فتقتل نفسها حسرة وندامة عليها وخزيًا وفضيحة لأهلها، وإما أن تهرب؛ لتواصل طريق الضياع في حين أن باب التوبة مفتوح، وخطأ واحد أفضل من ألف خطأ، والتراجع في أي وقت خير من المضي في الخطأ، ولن يعدم الإنسان ناصحًا شفوقًا.

فما المخرج من تلك المشكلة؟ وكيف نعالجها؟

ونقول: لا بد من استحضار مراقبة الله -تعالى-، وأنه ينظر إليكم ويراكم، ويعلم سركم وعلانيتكم قال -تعالى-: (الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) (الشعراء:218- 219).

والله لو راقبكم طفل؛ لاستحييتم منه، فكيف تجعلونه أهون الناظرين إليكم؟!

وهو الذي سيجعل جلودكم تشهد عليكم، قال -تعالى-: (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النور:24).

وقال -سبحانه-: (وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (فصلت:21).

فاستحضروا الله -تعالى- وعظمته؛ تنجوا -بإذن الله-.

ثانيا: إياكم ورفاق السوء ممن يسمون أنفسهم: أصدقاء، والصداقة منهم براء! فإنهم يجرونكم إلى المعاصي جرًّا، ويزينون لكم الفواحش تزيينًا، استبدلوا بهم الصالحين، فإنهم ينفعونكم بنصحهم وطيب معشرهم ودعائهم، فالرفقة السيئة لا بد أن تؤثر سلبًا على مسارك وأخلاقك، وتكسبك من العيوب والرذائل ومساوئ الأخلاق، قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً) (متفق عليه).

وحـدة الإنسـان خـير           من جلوس السوء عنده

وجليس الصدق خير           من جلوس المرء وحده

وأخيرًا، أشغلوا أنفسكم بالعمل النافع المفيد في شئون دينكم ودنياكم، اقرءوا واحفظوا القرآن، وتعلموا العلم النافع.. حتى المباح منه، فكل ذلك ينفع، ولا تتركوا أنفسكم للوساوس الشيطانية التي تنتاب الفارغ من طول فراغه، بل اقطعوا الفراغ بما يفيد، وأبعدوا عن أنفسكم الخلوة بما تضعفون أمامه من الهواتف والإنترنت وغيرهما.. اجعلوا تلك الأدوات في مكان عام بالبيت.

أسأل الله -تعالى- أن يحصن نفوسنا، ويرزقنا العفاف في السر والعلن.. آمين.

مواد ذات صلة