الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
السبت 14 يوليه 2018 - 1 ذو القعدة 1439هـ

أمة لا تموت! (2)

كتبه/ محمد سرحان

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد ذكرنا في المقال الماضي كيف أن أمة الإسلام تضعف، لكنها لا تموت، وتُبتلى؛ لا لهوانها على الله، وإنما لتراجع دينها الذي هو مصدر عزها وقوتها، ولتستفيق مِن غفوتها.

لكنَّ أعداءها لا يفتأون يتربصون بها، ينتظرون غفوة أو غفلة، فعدى الصليبيون على أجزاء غالية مِن الأمة، فاستولوا على بيت المقدس والمسجد الأقصى الذي جعلوه إصطبلًا لخيولهم وخنازيرهم، واجتاحت الحروب الصليبية الأمة، لكن الأمة التي مرضت تعالِج نفسها وتتعافى مِن مرضها، ليقودها أحد أطبائها "صلاح الدين الأيوبي -رحمه الله-" إلى نهضةٍ وانتصارٍ، بعد أن طهر الجبهة الداخلية للأمة مِن الشيعة الروافض العبيديين الذين كانوا كالجرثومة الخبيثة في جسد الأمة؛ فطهَّر الأمة مِن الداخل، ثم قام بهذا الجسد الطاهر للنصر على الأعداء في الخارج، بعد النصر على النفس بإلزامها الدين والعقيدة والسُّنة، وكان لأهل مصر الشرف أن يكونوا أكثر جنود الإسلام يومئذٍ.

ثم كانت الهجمة التترية الغاشمة، فاجتاحت الأمة واحدة مِن أكثر أمم البشر همجية؛ أخذت عاصمة الخلافة، وقتلت الملايين مِن المسلمين، وهدمت البلاد على رؤوس أهلها، في وقتٍ كان بعض أبناء الأمة بعيدين عن منهجها وعقيدتها؛ فابتليت، وقيض الله لها مَن يعيدها إلى ربها ومنهجها وعقيدتها، فوقف العز بن عبد السلام وقطز (في اجتماع السلطان مع القرآن) ليصدوا هذه الهجمة في عين جالوت، في يومٍ مِن أيام الله، وحاز أهل مصر الشرف مرة أخرى في الحفاظ على الأمة وتقدم الصفوف دفاعًا عن دينها.

كانت الأمة أحيانًا تضعف في مكانٍ وتقوى في آخر؛ ففي الوقت الذي ضاعتْ فيه الأندلس غربًا، كانت القسطنطينية تفتح شرقًا!

لقد صنع المسلمون خلال تاريخهم حضارة عبقرية في كل المجالات: علمية واقتصادية وسياسية، وثقافية واجتماعية، وفنية، وعسكرية، وقامتْ على أكتاف هذه الحضارة حضارة الأوربيين والأمريكان.

وفي العصر الحديث: كانت الهجمات الشرسة الممنهجة المتنوعة "عسكرية، وثقافية، واجتماعية، وفكرية"، وأثَّرت هذه الهجمات في كثيرٍ مِن رجالٍ ونساء وأطفال الأمة، واتكأ الأعداء ليستريحوا مِن الجهد المضني المبذول، مستبشرين بالنصر الذي أحرزوه على الأمة؛ فإذا بها تفجأهم وتفزعهم بيقظةٍ إسلاميةٍ عمَّت أرجاء الدنيا، تحاول أن تبعث الأمة مِن جديدٍ؛ بدأت في منتصف القرن العشرين ومستمرة إلى الآن؛ نعم لم تصل إلى الإفاقة التي كانت قبْل، لكنها على الطريق، تستصحب معها الرغبة في نصرة الدين، والرجاء في رحمة الله، والنظر إلى الآخرة، تحدوها بشريات النبي -صلى الله عليه وسلم- بنصرة الدين وعودة الخلافة، وفتح رومية، وظهور المهدي، وملاحم آخر الزمان، ونزول عيسى -عليه السلام- وقتله الدجال، والانتصار على اليهود.

أمة تضعف لكنها لا تموت، تستنهض همم أبنائها للعمل والبذل لدين الله؛ ليكون كلُّ واحد مِن أبنائها لِبنة في بناء صرح الإسلام العظيم، مستبشرة بالنصر القادم، وبأمل يحدوه يهوِّن عليه مصاعب ومشاق الطريق، فهو إلى أحد الوعدين أقرب: إما الأجر والثواب، وإما الأجر والثواب مع الظفر والنصر.

فاللهم انصر الإسلام والمسلمين، وأبرم لهذه الأمة أمر رشد يُعز فيه أهل طاعتك، ويُهدى فيه أهل معصيتك.

وصلِّ اللهم وسلِّم وبارك على عبدك ونبيك محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم.


مواد ذات صلة