الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأربعاء 09 مايو 2018 - 23 شعبان 1439هـ

قرأ ولم يَفهم!

كتبه/ عصام محمود زهران

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فمشهد عظيم نراه في شهر رمضان مِن تلاوة للقرآن الكريم والمسارعة إلى رضوان الله؛ ولكن السؤال الذي نتوقف عنده: لماذا نقرأ ولا نفهم آيات الله مع أننا نختم القرآن كثيرًا في شهر رمضان؟!

في الحقيقة كنت أتعمد أن أسأل المحافظين على قراءة القرآن عن معاني كلمات القرآن؛ فلا أجد إجابة، أو إجابة ما أنزل الله بها مِن سلطان، والعجيب أن الآيات تتكرر كثيرًا، ولكن -للأسف- دون أن نقف على المعنى المجمل للآية!

وفي الجانب الآخر: نجد الوعي الكامل والتركيز الثاقب في (التفاهات!)؛ فكيف نأمل مِن نجاح طالب يقرأ الكتب الدراسية وهو في غفلة عما يقرأه، أو يقرأ وهو بيْن اليقظة والنوم أو يقرأ وهو يمازح الآخرين؟!

ورد في كتاب الله -تعالى- وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- الحث على تلاوة القرآن الكريم كله، والنهي عن هجره، كقوله -تعالى- على لسان نبيه -صلى الله عليه وسلم-: (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (يونس:72)، (وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ) (النمل:92)، وقوله -تعالى-: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ) (العنكبوت:45)، فعلى كل مسلم أن يحرص على تدبر وتفهم معاني القرآن، وأن لا يقنع بمجرد التلاوة دون فهم، وأن يسأل عن معنى ما يشكل عليه.

قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: "ننصح جميع إخواننا المسلمين أن يعتنوا أولاً بكتاب الله -عز وجل- بفهمه والعناية بتفسيره وتلقي ذلك مِن العلماء الموثوقين في علمهم وأمانتهم، ومِن الكتب الموثوقة: تفسير ابن كثير، وتفسير الشيخ عبد الرحمن بن سعدي، وغيرهما مِن التفاسير التي يوثق بمؤلفيها في عقيدتهم وعلمهم؛ لأن الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا لا يتجاوزون عشر آياتٍ مِن القرآن حتى يتعلموها وما فيها مِن العلم والعمل؛ ولأن ارتباط الإنسان بكلام الله -عز وجل- ارتباطٌ بالله -سبحانه وتعالى-، فإن القرآن كلام الله لفظه ومعناه؛ ولأن الإنسان إذا كان لا يفهم القرآن إلا قراءةً فقط فهو أمي وإن كان يقرأ القرآن، قال الله -تعالى-: (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ) (البقرة:78)، أي إلا قراءة، فوصفهم بأنهم أميون؛ ولكن لا يعني ذلك أن ألا نهتم بقراءة القرآن؛ لأن قراءة القرآن عبادة، وقارئ القرآن له في كل حرفٍ عشر حسنات" (انتهى).

ومِن هذا المعنى ما قاله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "إن لهذه القلوب -أو النفوس- إدبارًا وإقبالاً، فإذا أقبلت فخذوها بالنوافل، وإذا أدبرت فخذوها بالفرائض". فخذ نفسك شيئًا فشيئًا، ولا ترهقها في كثرة التلاوة وكثرة النوافل، ولكن اجعل لك وردًا وسطًا، كأن يكون لك في اليوم مثلًا خمس صفحات أو ست صفحات لا تتنازل عنها، فإن وجدتَ مِن نفسك نشاطًا زدت، وإن لم تجد نشاطًا ووجدت فترة مِن نفسك فحينئذٍ اقتصر على القدر الذي قد جعلته وردًا لك؛ فهذا يعينك على الاستمرار وتدبر المعنى.

وعليك أيضًا بالدعاء؛ فإن مِن أعظم الدعاء الذي كان يجتهد فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأوصى به معاذًا -رضي الله عنه-: (اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ, وَشُكْرِكَ, وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني).

علينا ونحن نقرأ القرآن أن تكون قراءتنا متأنية هادئة مسترسلة، وهذا يستدعي منا سلامة النطق وحسن الترتيل، كما قال -تعالى-: (وَرَتِّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً) (المزمل:4)، وعلى الواحد منا ألا يكون همه عند القراءة نهاية السورة، ولا ينبغي أن تدفعه الرغبة في ختم القرآن إلى سرعة القراءة فلقد ختمنا القرآن قبْل ذلك مرات ومرات، فأين ثمرة هذه الختمات؟ وما الذي تغير فينا؟!

نريد أن نتدبر القرآن، فعندما نقرأ أي كتاب أو مجلة أو جريدة، فإننا نعقل ما نقرأه وإذا سهونا في موضعٍ مِن المواضع عدنا بأعيننا إلى الوراء، وأعدنا قراءة ما فات على عقولنا، وما دفعنا إلى ذلك إلا لنفهم المراد مِن الكلام، وهذا ما نريده مع القرآن أن نقرأ بحضور ذهن، فإذا ما شرد الذهن في وقتٍ مِن الأوقات علينا أن نعيد الآيات التي شردت الأذهان عنها.

نعم، في البداية سنجد صعوبة في تطبيق هذه الوسيلة بسبب تعودنا في التعامل مع القرآن كألفاظٍ مجردة مِن معانيها، ولكن بالمداومة والمثابرة سنعتاد -بمشيئة الله- القراءة بتدبر وتركيز، قال -تعالى-: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) (ص:29).

قال الدكتور عبد الكريم بكار: "طلب الله منا التدبر وتعهد لنا بالحفظ، فأخذنا على عاتقنا أن نحفظ وتركنا التدبر" (انتهى).

فتدبر القرآن هو مفتاحٌ للعلوم والمعارف، وبه يزداد الإيمان في القلب، وكلما ازداد العبد تأملًا فيه؛ ازداد علمًا وعملًا وبصيرة، وقد نعى الله على المشركين إعراضَهم عن القرآن وعدمَ استفادَتِهم مِن عِبَره وهديه، فقال -سبحانه-: (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ) (المؤمنون:68).