الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأربعاء 25 أبريل 2018 - 9 شعبان 1439هـ

زاد المتقين... إتقان العبادة والاستعانة والتوكل برب العالمين (2)

كتبه/ إبراهيم بركات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فكل واحد مِن العبادة والاستعانة دعاء، وإذا كان قد فُرض علينا أن نناجيه، وندعوه بهاتين الكلمتين في الصلاة، فمعلوم أن ذلك يقتضي أنه فرض علينا أن نعبده، وأن نستعينه في سائر أمور حياتنا؛ فإن ذلك قد يحصل أصله بمجرد القلب أو القلب والبدن، بل أوجب دعاء الله -عز وجل- ومناجاته وتكليمه ومخاطبته بذلك ليكون الواجب مِن ذلك كاملًا صورة ومعنى، بالقلب وسائر الجسد.

وقد جمع بيْن هذين الأصلين الجامعين إيجابًا في مواضع، كقوله في آخر سورة هود: (فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ) (هود:123)، وقال العبد الصالح شعيب -عليه السلام-: (وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) (هود:88)، وقول إبراهيم -عليه السلام- والذين معه: (رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) (الممتحنة:4)، وقوله -سبحانه-: (كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ) (الرعد:30)، فأمر نبيه -عليه السلام- أن يتوكل على الرحمن، وأن ينيب إليه، كما أمر بهما في قوله: (فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ)، والأمر له أمر لأمته؛ أمره بذلك في أم القرآن، وفي غيرها لأمته ليكون فعلهم ذلك طاعة لله وامتثالًا لأمره، لا تقدمًا بيْن يدي الله ورسوله.

ولهذا كان عامة ما يفعله نبينا -صلى الله عليه وسلم- والخالصون مِن أمته مِن الأدعية والعبادات، وغيرها، إنما هو بأمر الله بخلاف مَن يفعل ما لم يؤمر به، وإن كان حسنًا أو عفوًا، وهذا أحد الأسباب الموجبة لفضله وفضل أمته على مَن سواهم، وفضل الخالصين مِن أمته على المشوبين الذين شابوا ما جاء به وبغيره كالمنحرفين عن الصراط المستقيم.

وإلى هذين الأصلين كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقصد في عبادته وأذكاره ومناجاته، مثل قوله في الأضحية: (اللهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني)، فإن قوله: (مِنْكَ) هو معنى التوكل والاستعانة، وقوله: (لَكَ) هو معنى العبادة.

ومثل قوله في قيامه مِن الليل: (اللهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَنْ تُضِلَّنِي، أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ يَمُوتُونَ) (متفق عليه)، إلى أمثال ذلك.

لذا إذا اشتدت الفتن، وكثر الاختلاف؛ لابد لمن أرداه النجاة مِن بذل الجهد في طاعة الله -عز وجل-، والمداومة على ذكره وشكره وحسن عبادته، وحسن التوكل عليه، والصبر على ذلك، وأن ينظر كل راغب في الفوز إلى حالة وقلبه؛ لأن الطاعة والامتثال مِن أعظم الأسباب الموجبة لفضل الله -عز وجل-؛ لذلك فإن نسق الحياة مع الجماعة، وبركة الأداء والطاعة والحياة داخلها، والصبر على الإيثار والبذل والتسابق على الخيرات مِن أعظم أسباب تنزل الرحمات، وشمول الفضل والرضوان والبركة على الأمة كلها، ويظهر ذلك جليًّا في جماعية الصلاة (قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ) (دقائق التفسير الجامع لتفسير شيخ الإسلام ابن تيمية مع تصرف يسير وزيادة).

اللهم حبب إليها الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين

وصلى اللهم وسلم على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.