الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الخميس 01 فبراير 2018 - 15 جمادى الأولى 1439هـ

الحاجة إلى الموازنة بيْن أمور الدنيا وأمور الآخرة

كتبه/ هيثم مجدي الحداد

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فإن مِن المعادلات الصعبة في هذا الزمان، الموازنة بيْن أمور الدنيا وأمور الدين؛ وذلك لأن الحياة تزداد تعقيدًا عامًا بعد عام، وتذهب بساطتها، وذلك بسبب التقدم التكنولوجي الذي له ثمنه، والذي سهّل لنا أمورًا وصعب أخرى؛ فسهل لنا التواصل مع الآخرين، لكنه صعّب علينا الخلوة، وسهل لنا أعمالنا، ولكنه زاد تكلفة الحياة؛ فزادت ساعات العمل.

أصبحت الحياة عبارة عن مجموعةٍ مِن الفواتير: فاتورة الكهرباء، والماء، والهاتف المحمول، والإنترنت، وإيجار الشقة، وزادت المشتريات مِن: سيارة، وحاسب آلي، ولاب توب، وهاتف محمول؛ فأصبحت الحياة مجموعة مِن الأعباء التي تستهلك الفرد المسلم حتى يستطيع أن يعيش حياة كريمة هو و أسرته، وذلك بسبب تطور وتعقّد الحياة.

في زمان الصحابة والتابعين والسلف الصالح -رضوان الله عليهم- كانت الحياة أسهل بكثيرٍ مما نحن فيه الآن، وكانت الأوقات متسعة لطلب العلم والخلوة بالله -جل وعلا-، وللعبادة؛ وذلك لخلو حياتهم مِن التكنولوجيا المعقدة التي تلتهم الأوقات والأموال.

ومِن الأمور التي كانت غير منطقية، وكانت تجعل البعض منا في وادٍ والواقع في وادٍ آخر ما دعا له البعض مما يسمَّى بـ"التفرغ لطلب العلم"، فتلك الدعوة أثَّرت سلبًا على الكثير منا حتى فصلته عن الواقع، فلم يُفق منها إلا بعد أن أضاع الكثير مِن عمره في جانب الدنيا؛ فلم يتهيأ لزواجٍ ولم يتميز في تخصصه العلمي، فباتت تلك الدعوة عبئًا على الدعوة، وذلك لأن التفرغ للعلم في القرون الأولى كان يناسِب حياتهم البسيطة غير المتكلفة، والتي يمكن أن يعيش فيها المسلم ويؤسس بيتًا بالقليل مِن الأموال والقليل مِن العمل، فيتمكن مِن التفرغ للطلب والدعوة؛ أما الآن فهيهات!

على الجانب الآخر: يجب علينا الحذر مِن أن تأخذنا أمواج الحياة المادية بعيدًا عن شاطئ النجاة؛ ذلك الشاطئ الذي يسكن فيه القلب بعد مرور يوم مِن فضول المخالطة بالناس، واتساخ القلب بما يراه ويسمعه مِن منكرات ومخالفات، ذلك الشاطئ الذي يعيد للقلب نقاءه ورقّته؛ شاطئ العبادة والقراءة والذكر.

إن القلب في هذا الزمان يحتاج ولا بد كي لا ينجرف مع تيار المادية إلى صيانة يومية: بقراءة القرآن، والمحافظة على الأذكار، وطلب العلم، ويتأكد ذلك في حق طلبة العلم الذين دخلوا في سياج فروض الكفايات، فيجب علينا جميعًا الموازنة بيْن العمل مِن أجل لقمة العيش والحفاظ على قلوبنا، والموازنة بيْن أهدافنا الدنيوية والأخروية، ولنا في أمير المؤمنين عمر -رضي الله عنه- أسوة، فقد روي عنه أنه قال: "لئن نمتُ النهار لأضيعن الرعية، ولئن نمت الليل لأضيعن نفسي!".

ومِن الأمور الهامة التي يجب ألا نغفل عنها في هذا الخِضَم الهائل مِن المعاملات اليومية: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى لا نذوب في دوامة المجتمع فتنتكس القلوب، ونصبح صورًا بلا روحٍ.

وأخيرًا: فإن النجاح في أمور الدنيا مِن العوامل الهامة في النجاح الدعوي، والوصول إلى قلوب الناس، فالناس لا يقتدون بالفاشل في أمور الدنيا، ولكنهم يبحثون عن الشخصية المتوازنة التي استطاعت أن تجمع بيْن النجاح في أمور الدنيا وأمور الآخرة.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.