الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأحد 07 يناير 2018 - 20 ربيع الثاني 1439هـ

ما أرحم الله! ما أحلم الله!

كتبه/ أحمد حمدي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

تأملتُ يومًا فيما يحدث مِن البشر في العالم كله مِن نفوسٍ شريرة؛ تدبر وتمكر، وتأمر بقتل آلاف وملايين البشر في مشارق الأرض ومغاربها بقرارٍ أو كلمةٍ، وتحتل دولًا وتشرِّد ملايين الأُسر والأطفال، وترمل آلاف النساء، وتنهب ثروات البلاد، وتسرق مِن أجل حظٍّ نفسي أو مجد شخصي أو منصب دنيوي!

وكذلك مَن يرتكب الفواحش والشذوذ والإباحية والشهوات، أو يشرب الخمور، ومَن يعصي الله، ومَن يكفر بالله ويسبه، ويكذب عليه ويتعدى حدوده، ويدعي لنفسه صفات الربوبية مِن علم الغيب أو ملك الضر والنفع، أو حق الحكم والتشريع، والأمر والنهي، والله -عز وجل- مطلع على كل ذلك لا تخفى عليه خافية، قال الله -تعالى-: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) (غافر:19)، بل يعلم النيات والدوافع في القلوب.

وهو -سبحانه وتعالى- قادر على أن يخسف بهم، ويأخذ سمعهم وأبصارهم، ويرسل عليهم الصواعق، ومع ذلك فهو لا يعاجلهم بالعقوبة، بل ويرزقهم كل لحظه بالهواء والماء، والطعام والشراب، بل يشفيهم مِن الأمراض، ويغمرهم بالنعم؛ فما أرحم الله! وما أحلمه وأصبره على أذى سمعه!

وتأملتُ لو أن واحدًا منا تمكَّن مِن شخصٍ ظلمه أو خالف أمره كيف ينتقم منه!

وكل ذلك جزء واحد مِن مائة جزء مِن الرحمة يتراحم بها العباد والبهائم في الدنيا، وأبقى 99 جزءًا للآخرة؛ فهو رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما؛ فهو العفو الصبور الحليم، الرحمن الرحيم السيد؛ فلا يغرنا ستر الله علينا؛ فلو كشف سرنا لافتضحنا، ولا يغرنا حلمه فربما كان استدراجًا، قال الله -تعالى-: (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ . وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) (الأعراف:182-183).

فإن الله يمهل الظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، وإذا رأيتَ الله يعطي الرجل على معصيته لله؛ فاعلم أنه استدراج، ولا يغرنا ثناء الناس علينا فهم لا يعلمون بواطننا، ولا يغرنا نعم الله علينا؛ فليس دليلًا على محبته لنا، قال الله -تعالى-: (وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى) (سبأ:37)، وقال -تعالى-: (فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ) (الفجر:15)، وقال -تعالى-: (أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ . نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ) (المؤمنون:55-56)، وقال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيم) (الانفطار:6).